‏إظهار الرسائل ذات التسميات بقايا_أفكاري. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بقايا_أفكاري. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 15 يونيو 2025

إسمه بالمعكوس و رأسه مكان رجليه


#بقايا_أفكاري 

من كام يوم، كنت واقف في مصلحة بخلّص شوية أوراق، الصبح بدري، عادي يعني، يوم زي أي يوم. و زي أي مصلحة، بتروح تمضي من هنا، و تصور هنا، و تختم من هناك. و هكذا.

و انا في اللفة ده، الحر بدأ يشد، الدنيا زحمه، و التكيف كان مطفي. كل ده مكنش عندي فيه مشكله، أنا بتأقلم بسرعه ، و بستحمل، و خلينا نخلص بأقل الخسائر.

لكن في لحظة ما الموظفه نطقت إسم الشخص اللي هيراجع الورق، و هيمضي على إكتماله، و نخّلص الدوسيه. الإسم نزل عليا زي الماء الساقع. خلاني أستعيد ذكريات مقرفه، و أقول في نفسي، إدا هو ممكن يبقى هنا. هو أنا هعيش القرف بتاع زمان تاني.

بس بعد ما فُقت من الدش الساقع ده، لقيت ان إسم الموظف كان معكوس إسم الشخص المؤذي اللي بعرفُه. و تعجبت، هو ممكن يكون كدا، نفس الإسم، و لكن بترتيب معكوس.

ساعتها سرحت شويه. قلت في نفسي: يا ترى يا عم عمرو، هو كده برضو هيكون مؤذي ولا عشان إسمه بالمعكوس، فشخصيتُه برضو هتكون معكوسه؟ يعني بدل ما يقف في طريقي ويعقدّه، هيسهّله؟

وفعلاً، حصل المتوقع، الموظف كان في منتهى الذوق والجدعنة. سهّل الأوراق و مشهالي، وكأن الأسماء لها تأثير في المعكوس كده. و تخيلت أن رأس المؤذي كانت عند رجلين الموظف، واقف على رأسه، و بيلف، مش عارف ليه.

طبعا ساعتها رجعت لعقلي تاني، و عرفت أن المشكلة مش في الأسماء ولا في الخِلقة ولا في الألقاب. المشكلة في النفوس والنوايا. لكن برضو كان موقف ظريف يستحق إني أقف عندُه شوية وأفكر في العجائب.

السبت، 7 يونيو 2025

صقراً... ليس صفرًا

لما بتبص على الصقر من بعيد، بتشوفه ملك السما، قوي وجبار، جناحاته مفتوحة كأنه حاكم كل شيء حواليه.

عيونه مليانة سيطرة وعظمة، وكل حركة بتاعته بتقول: أنا فوق كل الطيور. قوته وجبروته واضحة في وقفته وطيرانه، تحس إنه مفيش حاجة ممكن توقفه أو تهزه.

لكن لما تقرب منه، وتبصله، تكتشف حاجة مختلفة. الصقر مش بعيد عن باقي الطيور زي ما كان باين، عنده نفس المشاكل اللي بتعانيها الطيور كلها. و لكن نظرة الصقر لها مختلفه.

واحدة من أكبر مشاكله هي أشرف مسؤولياته، إنه لازم يعلم صقوره الصغيرة... معنى إنك تكون صقر، و الأهم أنهم لا يكونوا أصفارا زي بقية الطيور.

لازم يزرع فيهم من أول رفرفة جناح، إنهم مش مجرد طيور، وإنهم اتخلقوا يطيروا أعلى من الخوف، أعلى من الجوع، و أعلى من الضوضاء اللي تحتهم.

لازم يفهمهم إن عيون الصقر مش بس حادة عشان تشوف الفريسة، لكن كمان عشان تميّز الطريق، وتعرف عدوهم من صاحبهم، وتختار إمتى يهاجموا وإمتى يرتفعوا ويسيبوا المعركة.

لازم يعلمهم الفرق بين الشجاعة والاندفاع، بين الهيبة والغرور، بين العلو الحقيقي، والتشبه الخايب بالطيور اللي بتنط على الأغصان وبتفتكر نفسها جميلة وهي طايرة.

لازم يحرّس عقولهم من كلام الطيور اللي بتحب الزحمة، اللي عايشة طول عمرها تدور في دوائر وتقلد بعض، ويغرس فيهم إنهم مش زيهم، ولا المفروض يكونوا.

الصقر مش بيخاف من الطيور، لكن بيخاف على صقوره من إنهم يبقوا شبههم.

عشان هيبة الصقر مش بس في جناحاته... هي في اللي بيورثه. في النُبل اللي بيسلمه للي بعده. في العزلة اللي بيختارها عن الضوضاء، وفي الكبرياء اللي بيتحمله في صمت.

هو مش بس بيطير... هو بيورّث السماء.

السبت، 31 مايو 2025

الهوا نقل الهوى


#بقايا_أفكاري 

في لحظة هادية، والهوا بيعدّي من بين الشبابيك، ساعات بنحس إن في حاجة اتغيرت… كأن ريحة معينة، أو نسمة خفيفة، فكّرتنا بحد. ممكن حد واحشنا، أو حد كنا بنحبه، أو حتى إحساس قديم كنا فاكرينه راح. الهوا ساعات بينقل رائحة ورد أو برفان، و لكن كمان الهوا بينقل الهوى.

الهوى هنا مش مجرد حب، دي مشاعر، ذكريات، شوق، أمل، وخوف… وكل اللي بين أي إتنين. الجواز مثلًا، لما بيبدأ بحب حقيقي، الهوى بيكون عايش في التفاصيل الصغيرة: في نظرة الصبح، في فنجان القهوة اللي بيتحضّر من غير ما يتقال، في "عامل إيه؟" اللي بتتقال بجد، مش مجرد سؤال.

بس مع الوقت، ممكن الهوى يختفي… مش عشان راح، لكن عشان مابقيناش نستمتع بالهوا. بقينا مشغولين، متوترين، عايشين على السريع. بس الهوا لسه بيعدي، وبيشيل معاه حاجات ممكن ترجع تاني لو وقفنا وسكّتنا الدنيا شوية.

الهوا نقل الهوى لما كنا صادقين. لما كنا بنبص لبعض بقلب مفتوح، مش بعين بتدوّر على غلطات. الهوا نقل الهوى لما كنا بنسامح بسرعة، ونضحك من قلبنا، ونحضن من غير حساب.

يمكن لو ركّزنا شوية، نسمع تاني الهوا، ونرجّع الهوى.

السبت، 24 مايو 2025

مش ممكن أشك فيكي ... انت عربيتي


#بقايا_أفكاري 

أنا مش مجنون… بس أنا بتكلم مع نفسي كتير، خصوصًا وأنا سايق. بقول نكت بتضحكني، بشتكي من الحياة، بلعن في الزحمة، بغني بصوتي الوحش، وبعاتب الناس اللي خذلوني، و بهدد و بهد الدنيا… وكل ده في وجود شاهد واحد بس: حبيبتي ... عربيتي!

آه والله، عربيتي دي مش بس وسيلة مواصلات، دي كُشري دماغي. شايلة أسراري، ومحتملة صوتي، و كل قرفي و سقطاتي و هفواتي، ولسه ماشية معايا!

هي الوحيدة اللي بتعرف إني بشتم بصوت عالي، وبغني لعبد الحليم بصوت أم كلثوم أو فيروز. وساعات بعمل معاها حوار و قصة، و بتخيل أنها بترد عليا كمان و ممكن تتخانق معايا علشان هي أكثر حكمة مني (لأنها لفه و دائره في الشارع على طول!!).

بس والله العظيم، عمرها ما وشّت بيا… مش بتتكلم، مش بتسجل، مش بتفضح… (لحد دلوقتي!)

بس يا قلبي… ساعات بيجيلي كابوس:
بتخيل كده يوم تتحول العربية، لعربية كهرباء، بتسجيل كل اللي بعمله و بقوله. تعرف صوتي، و تعرف حركاتي و تسجل نظراتي.

 هتيجي عربيتي تقول: أصل هو كل يوم بيسرح وهو سايق، و بيقول يا رب ألاقي شنطة دولارات فيها 20 مليون و بيتمنى مي عز الدين تركب معاه!

لااااااااااااااااا!

ساعتها مش بس هتفضحني، ده أنا هتحبس بتهمة الإفراط في الفضفضة داخل وسيلة نقل!

بس طالما اليوم ده مجاش، هافضل أتكلم وأفضفض… لأنك يا عربيتي، أكتر واحدة بتسمعني من غير ما تقاطعني، وبتستحمل من غير ما تزهق، و بتنسي أسراري كل ما اقفلك.

بس لو اتكلمتي… بالله عليكي، متقوليش كل حاجه! أرجوكي ...

السبت، 10 مايو 2025

لا تكن فرخة عمياء تعيش على ماء الإنتماء


#بقايا_أفكاري 

فيه نوع من المديرين شفته و اتعاملت معاه، ما بيزعقش، ما بيتعصبش، و ما بيفصلش... بس بينفخك، علشان لما يأكلك، يشبع.

المدير ده مش محتاج يسيطر عليك. هو أذكى من كده. هو بيأخذك و ينور بك المكان كله. بيعتبرك رمز للقوة، للتغير، بينور اي مخ ضلمة عنده. بس في نفس الوقت ، هيحبسك، هيقفل عليك الشبابيك و هيتربس الأبواب، و هيشيل الساعات المتعلقة على الحوائط، وكأن مفيش حاجة اسمها وقت لنفسك.

الناس اللي حواليه تشتغل وتاكل، و تاكل وتشتغل، كأنهم فراخ في عشة، عينهم متغطّية أو مفقوعة، ففاكرين إن الليل طويل، وإنهم لازم يأكلوا، يخزنوا، يكبروا، و يتجهزوا للنقلة الكبيرة، اللي هتحصل في الصبح (لما يجي).

بس الحقيقة؟، مفيش نقلة. و مفيش صبح بيجي. فيه سِمنة بس، كروش كبيرة، و رقاب مدهننه، و الهدف واحد: استعداد للإستعباد أو للذبح.

المدير يحطلك لك شوية ماء و لكن مليان ملح (وهم يعني)، على شكل: عزومات، مكافآت، تصفيق، و شوية public appreciation ويقولك: انت المهم، انت البطل، الشغل من غيرك ما يمشيش. انت كنت فين من زمان! دا أنا هعملك بك اللي متعملش قبل كدا! انت جيتلي من السما!

وانت تصدّق. و تأكل اكتر، و تجوع أكتر. و تشتغل أكتر. و ترجع تاكل أكثر. و تنسى نفسك أكتر. بتكبر؟ لأ. أنت بتسمن بس. بتزيد وزن حقيقي (بس في الوهم). كل ده عشان إيه، علشان لما يجي وقتك تتاكل بسهولة، و يبقى طعمك مسكر.

هو مش مدير، هو صيّاد. و انت مش موظف، انت فرخة.

والمصيبة مش في استغلاله، المصيبة في غباءك، في إنك تسمي الإستغلال ده نجاح، وفي إنك تقول: أنا بصنع مستقبلي. مستقبلك إيه! و أنت بتبني سور في بيت مش بيتك، وانت كمان بيتك من غير أبواب تحميه.

افتح عينيك. حاسب قبل ما تبص في المراية وتلاقي نفسك تضخمت... مش من النضج، لكن من التخمة. و انك اتاكلت، قطعة قطعة، وأنت مازلت بتغني لماء الإنتماء.

السبت، 19 أبريل 2025

المية... شريان حياة مش بيتسد


#بقايا_أفكاري 

لو بصيت حواليك، هتلاقي المية دايمًا ماشية، بتتحرك، بتدوّر على طريق، عمرها ما استسلمت. المية بطبعها لا بتقف ولا بتكل، ولو قابلها عائق في السكة، يا إما بتعدي من تحته، يا إما بتلف حواليه، يا إما بتتجمع وتفضل تضغط لحد ما تكسره وتعدي.

عارف المية عاملة زي الإنسان اللي عنده إرادة... اللي لما تقف قدامه مشكلة، مايبكيش ويقعد مكانه. لأ، يا إما يواجهها ويخترقها، يا إما يلف من حواليها ويدوّر على بديل، يا إما يصبر ويتقوى لحد ما يبقى أقوى منها ويكسرها.

المية بتعلمنا إن السكون مش دايم، وإن العوائق مش نهاية الطريق. بتعلمنا إن اللي عايز يوصل، هيوصل، حتى لو الطريق اتغير مليون مرة.

اللي بيحب يعيش بمرونة زي المية، عمره ما هيتكسر. يمكن يتعطل شوية، يمكن يلف سكة أطول، لكن في الآخر هيوصل. المية دايمًا بتفكرنا إن الحياة مش خط مستقيم، لكن المهم تفضل ماشي... مهما حصل.

السبت، 5 أبريل 2025

قلب شجرة


#بقايا_أفكاري 

في طرف الغابة، كانت فيه شجرة كبيرة، جزعها تقيل وفروعها ممدودة للسماء، عاشت سنين بتشوف الطيور تيجي وتطير… لكن عمرها ما تعلّقت بحد، لحد ما جات "هي"… عصفورة صغيرة، صوتها حلو وبتحب تغني، وكانت كل يوم تيجي وتقعد على فرع من فروعها، تغنّي، وتتكلم، وتضحك.

الشجرة حبتها من غير ما تقول. كانت كل ورقة فيها بتهز من الفرح وهي على فروعها.
بس في يوم… العصفورة ما جتش. ولا تاني يوم. ولا اللي بعده.

الشجرة استنتها بالأيام… أوراقها وقعت واحدة واحدة، مش من الخريف، من الزعل.

وبعد كام أسبوع، رجعت العصفورة، عينيها فيها خجل، وريشها متبهدل.

قالت:
– "أنا عارفة إني بعدت من غير ما أقول، وعارفة إنك كنتي مستنياني… بس أنا خفت. خفت أحبك قوي، وأتعود، وابقى ضعيفة… فهربت."

الشجرة ما اتكلمتش في الأول… بس بعدها، اتكلمت بلُغة النسيم:

– "أنا ما زعلتش إنك طرتي… الطيور عمرها ما بتتربط. بس اللي وجعني… إنك خفتِ من حبي. خفتِ من حضني، رغم إني كنت أمانك."

العصفورة نزلت راسها وقالت:
– "أنا جرحتك…"

الشجرة ردت:
– "آه… بس سكينة القلب مبتدبحش. أنا قلبي اتفتحلك، ومهما طرتي ورجعتي، قلبي مش هيقفل فـ وشك… بس المرة دي، لو هتقعدي، اقعدي بحب مش بخوف."

العصفورة دمعت وقالت:
– "أنا عايزة أقعد… وأغني… وأداوي اللي كسرته."

فردت الشجرة فرعها، وقالت بهدوء:
– "غني… والريح هيحمل صوتك لقلبي."

السبت، 29 مارس 2025

فرصة ثانية


#بقايا_أفكاري 

مرض الرجل مرضا شديدا، وقف الطب و الأطباء عاجزين عن مساعدته. المرض أهلكه و فتك بحياته. و عند النهاية و عند طلوع روحه، سمع أحد يهمس في أذنه و يقول : هل تريد فرصة ثانية؟ هل تريد أن تعود لأولادك و زوجتك؟ رد الرجل نعم، نعم أريد.

شعر الرجل بأن حياته تنساب من بين أرجله و تخرج من حلقه و لكنها تكومت على شكل كره في فمه ثم قذفت في فم ناموسه كانت واقفه بجانب فمه.

أصبحت روحه في الناموسه، طار الرجل سريعا ليرى جثته على الفراش و ذهب سريعا ليلقى أولاده و يقول لهم أنه أخذ فرصة ثانية، فرصة ليعيش معهم.

وقف الرجل عند أذن أحد أولاده و قال بصوت عالي جدا سمعه كل الناموس في الغرفه، أنا أبوك هل تسمعني يا بني. سمع الطفل الصغير صوت الناموسه بجانب أذنه و لكنه لم يفسره، فذهب لأمه ليقول لها أنه يشعر بوجود أبيه بجانبه.

فرح الرجل بشدة لإحساس إبنه ثم ذهب ليقف على أذن زوجته ليقول لها نفس الكلام فتشعر بوجوده. قال بأعلى صوت ناموسي عنده و أصبح يصرخ بشدة بجانب أذنها.

فما أن رأت الزوجه الناموسه الزنانة واقفه على أذنها، حتى قربت يدها منها ببطء شديد و طاااااااااخ.

السبت، 22 مارس 2025

تهت في التلاوة



#بقايا_أفكاري 

اليوم كان مليان دوشة، دماغي مشحونة، والأفكار عمالة تجري جوايا من غير توقف. إحساس بالخنقة، كأن الدنيا مقفلة عليّ، كل حاجة حواليّ بتشدني في اتجاه، وأنا مش عارف أهدى ولا أرتاح. حسيت إني عاوز أفصل… أهدى شوية.

قعدت في ركن هادي، أخدت نفس عميق، حطيت السماعات، ودوست "تشغيل".

أول ما بدأ الصوت، كأن الدنيا كلها وقفت لحظة. الصوت كان نقي، هادي، بيدخل جوايا من غير استئذان. مع أول آية، حسيت إني بتسحب، بتشد لجوه، مش بس بسمع، لا… أنا تهت جوه التلاوة نفسها.

مبقاش في ضوضاء، مفيش أفكار بتجري، في بس نور، راحة، سكينة. كل كلمة حسيتها بتنزل على قلبي تهديه، كل حرف كأنه بينظف حاجة جوايا. كنت بحس بكل نغمة، كأنها بتاخدني لمكان بعيد، بعيد عن كل اللي كان شاغلني.

لقيت نفسي في مساحة واسعة، كأن الأرض اللي تحتيا سحاب، والهواء حواليّا مليان نور. مفيش تقل، مفيش همّ، في بس صوت بيحاوطني، بيغسل روحي، بيطبطب على قلبي. كنت ماشي جوه الكلمات، بحسها قبل ما أفهمها، كأنها بتنورلي طريق كنت تايه عنه.

و لكن… سكت الصوت. التلاوة خلصت، وأنا لسه قاعد مكاني، بس مش زي ما كنت. كنت خفيف، هادي، كأني كنت تايه… ولقيت نفسي.

اخدت نفس، ابتسمت، وحسيت إني فعلاً كنت محتاج اللحظة دي.

السبت، 15 مارس 2025

محكمة من ورق طعمية


#بقايا_أفكاري 

مرة كتبت في ورقة شوية كلام بقلمي الرصاص، قريته، وما عجبنيش. حسّيته باهت، مالوش طعم، زي محاولة فاشلة في رحلة في حياتي. فقمت وكرمشت الورقة ورميتها في الزبالة. خلصت. انتهى دورها. المفروض كده خلاص.

لكن لا، الورقة كان عندها رأي تاني. شكلها أخدت الموضوع بشكل شخصي. قررت إنها مش مجرد ورقة.. لأ، قررت إنها قاضية، وإنها لازم تاخد حقها. فردت نفسها تاني، رجعت لي، ووقفت قدامي بكبرياء.. ورقة، مكرمشة من شوية، بتبص لي من فوق لتحت!

ومش بس كده، راحت لمّت باقي الأوراق اللي كنت راميهم قبلها، كل المسودات الفاشلة، كل المحاولات اللي ملهاش قيمة، وكونت جيش! آه، جيش من الورق اللي كنت فاكره راح... لكنه، على ما يبدو، كان مستني اللحظة المناسبة عشان يرجع و كمان يتمرد.

وبصتلي وقالت: "أنت اللي كتبتنا، وأنت اللي رميتنا، وأنت اللي لازم تدفع الثمن!"

الحكم؟ بسيط، ساخر، ودمه تقيل!! زي الورق اللي بيرفض يتحلل في منفاه: "امسحوا اسمه و كلامه من علينا!"، إعدموه و خلي إسمه مجرد ذكرى باهته.

أهو ده عقابهم.. محو اسمي و محو كلامي و محو وجودي. كأن وجودي على الورق كان هو اللي مقلل من قيمتها، كأن ده أقصى انتقام قدرو عليه، كأنها بتقولي: "ها، بقينا فاضين! مش عاجبك؟ مش كنت عايز ترمينا؟ اهو شُفت بقينا أنضف إزاي من غيرك؟"

بس الحقيقة؟ لا.. الفراغ ده مش انتصار، الفراغ ده جاي بعد ما كلماتي و قيمي إتشالت من عليهم و إتمسح من جواهم أفكاري و كلماتي و طريقتي. و أصبح من غير قيمة.

الورق دلوقتي بقى فاضي، و مكرمش. و محدش هيرضى يوطي حتى و يأخذه يكتب فيه من تاني. و آخره هيتلف بيه شوية طعمية.

السبت، 8 مارس 2025

شاكوش قفوش مش فرفوش!

في كل قعدة، في كل موقف، في كل كلمة، تلاقيه داخل زي القنبلة، لا بيفكر ولا بيحسب كلماته، كله ضرب في ضرب! كلامه زي الشاكوش، ينزل تقيل، مفيش مساحة للمجاملة ولا التفاهم، المهم يقول أي حاجة وخلاص، صح؟ غلط؟ مش فارقة، المهم إنه قال وخلاص.
الشاكوش مبيقعدش يفكر قبل ما يتكلم، أول حاجة تيجي في دماغه بتطلع على لسانه على طول، حتى لو كانت جارحة أو ملهاش لازمة. لو قلتله "ليه بتتكلم كده؟"، هيرد عليك بعبارة من نوع "أنا كده"، أو "ما بحبش اللف والدوران"، بس الحقيقة إنه مش بيفكر في تأثير كلامه على اللي حواليه. المهم عنده إنه يخرج اللي في دماغه، ولو حد زعل، يبقى مشكلته هو، مش مشكلة الشاكوش!
الشاكوش شخص دايمًاقفوش، مكشر، حاد، متحفّز لأي كلمة، ولو قلت حاجة عادية، تلاقيه قلبها خناقة بدون أي سبب مفهوم. مفيش عنده هزار، مفيش عنده ضحك من القلب، كل حاجة جد، وكل موقف لازم يتاخد على أعصابه. حتى لو الدنيا لطيفة حواليه، برضه هتلاقيه قافش، جاهز للزعل في أي لحظة!
الشاكوش مش ممكن يبطل يبقى شاكوش و مش ممكن يبقى فرفوش، دي طبيعته، ولو قرر في يوم إنه يبقى لطيف وهادئ وبيفكر قبل ما يتكلم، ساعتها مش هيبقى شاكوش أصلاً! المسامير مش هتسمع منه، ومحدش هياخد كلامه بجدية. عشان كده، حتى لو الدنيا حواليه إتغيرت، حتى لو الناس حاولوا يخلّوه يهدى، مش هيفرق معاه. هو شاكوش، اتخلق عشان يخبط، وعشان الدنيا تمشي زي ما هو شايفها.. وأي حاجة غير كده مش داخلة في دماغه!

الأحد، 2 مارس 2025

لماذا لا يحتاج البحر لماء الورد؟


#بقايا_أفكاري 

البحر سر من أسرار الكون، مساحة لا نهائية من الماء تحمل في أعماقها الحياة والحكايات. مده وجزره يشبه أنفاس الأرض، وأمواجه تتحرك بلا توقف كأنها ترقص على نغمة خفية لا يسمعها إلا من يفهم لغة الطبيعة. البحر ليس مجرد مسطح مائي، بل كيان حي، يتغير مزاجه بين لحظة وأخرى، أحيانًا هادئ كحلم جميل، وأحيانًا ثائر كقلب لا يعرف الراحة.

ماء الورد، مهما كان عطريًا وراقٍ، لا يضيف شيئًا للبحر. كيف لقطرة صغيرة أن تغير محيطًا لا يعرف الحدود؟ البحر لا يحتاج لتعطير، فرائحته مزيج من الملح والشمس والرياح، فيها عبق الحرية ورحلات البحارة وأساطير الغواصين. ملوحته ليست نقصًا يحتاج إلى تعديل، بل سر قوته، تحفظ ماءه، وتصنع منه حياة رغم قسوتها.

البحر لا يحتاج إلى تلوين، فهو يرسم نفسه كل يوم بلون مختلف. حين تشرق الشمس يصبح أزرقًا لامعًا كحلم واعد، وعند الغروب يتلون بالبرتقالي والأحمر، كأنه يودع النهار بلوحة لا تتكرر. وعندما تثور الرياح، يصير رماديًا عميقًا، كأنه يخفي أسراره في قلبه. كيف يحتاج البحر إلى إضافة، وهو الذي يحتوي كل الألوان في طياته؟

ماء الورد لا يغيّر البحر، لكنه يضيع فيه، يتلاشى دون أثر، لأن البحر لا يقبل أن يُعدَّل أو يُجمَّل، فهو جميل كما هو، عنيف كما هو، غامض كما هو. هو ليس في حاجة لأي شيء… بل نحن من نحتاجه، لنسمع هدير موجه فنشعر بالطمأنينة، لننظر إلى مداه فنحلم بلا حدود، لنتنفس هواءه فنشعر أننا أحرار، ولو للحظة.

السبت، 22 فبراير 2025

أتقنَت اللعبة ... لن أعيش في جلبابك


#بقايا_أفكاري 


أمام القهوة، وقع نظره عليها و تذكرها و هي تسير بجلبابها الأحمر الفاقع و تغطيه بعباءتها السوداء من النوع اللف و هو جالس يعد خيباته و أماله. تلف حول قدميها الناصعة البياض خلخالا من الذهب يحلق كنسر في السماء و شبشبا يصدر صوت طرقعة عاليه. لفتت أذنه أولا ثم نظره ثانية و ثم أنفه ثالثا، فعطرها الرهيب غطى على رائحة شيشته و قهوته.


أحس الرجل أنه قد وقع في الأسر فإذا ملك عينه فلن يملك أذنه و أنفه. أغلقهم و عصرهم بشده حتى لا يتابعها و لكنها أتقنت اللعبة، فأذانه تخونه و ترسل لعقله مكانها و تمتلك أنفه القدرة على إجبار رأسه أن تتحرك ناحيتها. فيراها و يتابعها بعقله و قلبه.


وقف الرجل و أخذ يلتف بشدة و هو مغمض العينين و يصيح، لا لن تملكيني، لا يقوى على الفرار و شعر بأن الأرض تحشره و أن السماء تطبق فوق صدره.


كسر كوب قهوته و أمسك الزجاج كسكينا و مسك أذنيه و قطعهما و تمتم و قال لن تخونيني ثانية ثم أمسك أنفه و قطعها و تردد في فقئ عيونه و لكنه قال، لن أترك لك فرصة ثم فقأهم. ثم شق صدره و أخرج قلبه ثم طعنه.


أطلق صرخة عنيفة و قال لن تمتليكني بعد الآن و لن أعيش في جلبابك.

السبت، 15 فبراير 2025

الذئب أم السمكة.. من الأكتر مكرًا؟


#بقايا_أفكاري 

لو جينا نفكر في الحيوانات اللي بتتصف بالمكر، أول حاجة هتطلع في بالنا هي الذئب. دايمًا مرتبط في القصص والأساطير بالدهاء والخداع، سواء في حواديت الجدات أو حتى في الأمثال الشعبية. لكن، هل الذئب فعلًا هو أكتر كائن ماكر؟ ولا السمكة ممكن تكون متفوقة عليه في حاجات تانية؟

الذئب معروف بذكائه الشديد وقدرته على التخطيط. بيعيش في مجموعات مترابطة، وكل فرد فيها ليه دور محدد، وده في حد ذاته جزء من المكر، لأنه بيعتمد على التعاون والاستراتيجية عشان يوقع فريسته. كمان، عنده قدرة غير طبيعية على التكيف مع البيئة اللي حواليه، سواء في الصحرا أو الغابات أو حتى جنب البشر. والأهم من ده كله، إنه بيعرف إزاي يراقب، يصبر، يهجم في اللحظة الصح. مكره هنا مبني على الصبر والتخطيط.

أما السمكة، فهي بتمثل نوع مختلف تمامًا من المكر. عندها قدرة هايلة على التمويه والتخفي، وكتير من أنواع الأسماك بتعتمد على الخداع عشان تهرب من الأعداء أو حتى عشان تصطاد فرائسها. خد عندك مثلًا سمكة الحجر، اللي بتبان كأنها جزء من القاع لدرجة إن الفرائس بتمشي فوقها من غير ما تحس، ووقتها السمكة بتنقض عليها في لحظة خاطفة. السمكة ما عندهاش قوة الذئب، لكن عندها مكر قائم على الخداع والتكيف السريع.

لو هنقارن، هنلاقي إن الذئب بيعتمد على التخطيط والصبر والتعاون، بينما السمكة بتستخدم التمويه والخداع عشان تعيش. الفرق الرئيسي إن الذئب بيحسب خطواته وهو عارف إنه داخل في مواجهة، بينما السمكة بتعتمد أكتر على الهروب والتمويه.

في الآخر، المكر له أشكال مختلفة، وكل كائن بيستخدمه بالطريقة اللي تناسبه. الذئب والسمكة كل واحد فيهم عنده طريقته الخاصة، والسؤال الحقيقي مش مين الأكتر مكرًا، لكن مين فيهم مكره أنسب للبقاء في العالم اللي عايش فيه؟

السبت، 8 فبراير 2025

ماذا يحدث لو طلع للكرة الأرضية شعر أبيض؟

#بقايا_أفكاري

تخيل كده لو الأرض طلعت لها شعر أبيض! مش الإنسان بس اللي بيشيب، لا، كوكبنا نفسه كمان. إيه اللي ممكن يحصل؟ وإيه معنى الموضوع ده؟

أول حاجة ممكن تيجي في بالنا إن الأرض بتعبّر عن عمرها الكبير. لو الأرض طلعت لها شعر أبيض، يمكن ده يكون إشارة إن الكوكب نفسه بيقول لنا إنه كبر في السن، وإنه عاش فترات طويلة مليانة أحداث وتغيرات. زي الإنسان اللي شعره بيشيب بعد ما يمر بتجارب وحكايات كتير، الكوكب برضه عنده قصص لا تُعد ولا تُحصى.

بس كمان، الشعر الأبيض في الإنسان بيكون علامة على الحكمة. فممكن نفكر في الموضوع من زاوية تانية ونقول إن الأرض لو طلعت لها شعر أبيض، يمكن ده رمز للحكمة اللي اكتسبتها على مدار كل السنين دي. الأرض شافت ازاي الديناصورات انقرضت، وازاي الإنسان ظهر وبدأ يبني حضارته، وشافت كل الحروب والأزمات اللي عدينا بيها. يمكن الأرض بتحاول تقول لنا: "بصوا، أنا حكيمة وعارفة كتير، خدوا بالكم من اللي بيحصل حواليكم."

طيب لو بصينا للطبيعة حوالين الأرض، تخيل بقى لو الأشجار بقت بلون أبيض أو البحار بقت لونها فاتح؟ ممكن ده يكون تعبير من الطبيعة عن إن فيه تغيير كبير بيحصل، تغيير ممكن يكون له علاقة بطريقة تعاملنا مع الكوكب. ممكن تكون دي طريقة الأرض في إنها تلفت نظرنا لحاجة إحنا مش واخدين بالنا منها.

ورغم إن ده خيال علمي، لكن لو حصل، رد فعل البشر هيكون إيه؟ طبيعي إن الناس هتتصدم وهتبدأ تسأل: "إيه اللي بيحصل؟ هل ده مؤشر لنهاية العالم؟" يمكن الخوف يسيطر على الكل، ويمكن الموضوع يخلق حالة من الهلع. لكن في نفس الوقت، في ناس ممكن تتعامل مع الموقف بروح مرحة وتبدأ تعمل نكت وتتهكم على الموضوع، زي ما بنشوف في الحاجات الغريبة اللي بتحصل حوالينا.

لكن في النهاية، مهما كان الخيال واسع، لكن الفكرة دي بتخلينا نفكر بشكل أعمق في علاقتنا بالكوكب. الأرض هي البيت اللي بيحتوينا كلنا، وهي اللي بتدينا كل حاجة نحتاجها عشان نعيش. لازم نحافظ عليها ونرعاها، مش بس عشان حياتنا دلوقتي، لكن كمان عشان الأجيال اللي جاية بعدنا.

السبت، 1 فبراير 2025

أبو لبن ... صريع اللبن


فكر في أن يجرب شيئا غير مألوف، شيئا لم يفعله أحد، شيئا يجعله معروفا بين الناس، فحلم حياته أن يكون مشهورا يتهافت عليه الناس في أي مكان يذهب إليه.

حاول أن يجد طريقة للفت الإنتباه إليه فلم يجد طريقة إلا وقد جربها أحدهم، فكر في تصوير نفسه و هو يأكل، و هو يرقص، و هو يخلع ملابسه، فوجد الرجال و النساء و الأطفال يفعلون نفس الأفعال. فالكل يأكل و يرقص و يخلع ثيابه. و لكن هذه الأمور أصبحت عادية، لا تجذب إنتباه أي أحد.

جلس كثيرا يفكر كيف يخطف أنظار الناس إليه حتى توصل لفكرة لم يجربها أحد، فكرة غير مألوفه. سيسعد بها و سيسعد غيره لما يراها و ستكون المشاهدات بالملايين.

قال في نفسه أنه سيجرب جميع أنواع الألبان و لكن الفكره ليست عظيمه، العظيم فيها أنه سيأخذه مباشره من ضروع الحيوانات.

جهز لنفسه قناة على جميع مواقع التواصل و أسماهم قناة أبو لبن و قال سأتذوق اللبن من الضرع مباشرة و التحدي يكمن في أن أشبع.

بدأ بمعزة صغيره و كانت هادئة و تم التحدي و نجح. إنتشر الفيديو كالنار في الهشيم. إنظروا لهذا الرجل، ماذا يفعل. فيديو واحد فقط و مع معزة و لكنه إستطاع أن يتغلب على نفسه و أوصل فمه إلى ضرع المعزة. ثم تهافتت عليه الطلبات كالمعتاد و أصبح يتابع طلبات متابعيه بحرص شديد.

فيكتب على الفيديو الجديد، من تحداه و متى. و أصبح حديث السوشيال ميديا، رجل اللبن أو أبو لبن، نزل تحت البقر و الجاموس و إتجه تحت الحمير و الخيول و الجمال، شرب منهم جميعا لبنا من الضروع مباشرة. و كانت بعض التحديات أكثر غرابة و خطورة فهناك من تحداه أن يشرب لبن الزرافات و لبن الفيلة و لبن اللبؤات و النمور.

و لكن الأغرب على الإطلاق هو من طلب منه أن يشرب لبن الخنازير. و لكنه إستنكر بشدة أن يشرب من ضرع الخنزير لبنا و قال في فيديو لمتابعيه أنه لن يستطيع أن ينزل تحت الخنزير و يشرب لبنه.

و لكنها لعنة الشهرة فقد وجد المتابعون لأنفسهم طريقا ليضغطوا عليه أو لينتقموا منه. فأخيرا وجدوا ضرعا لن يستطيع أن يشرب منه و أنه هُزم. و وصل الأمر بالإستهزاء به عن طريق رسمه و هو بضرع كبير و الخنزير يشرب منه و منهم من تمادى و رسمه كأنه ضرع عملاق و الخنازير تجري وراءه لتشرب منه و أن واحدا إستطاع أن يفقئ جزء منه و أصبح يُسرب اللبن. و قام آخر برسمه كمن علقه خنزير من ضروعه و أخذ يجلده على ظهره بالسياط.

و مع الأيام أصبحت شهرته تزداد و صورته تسوء و ظهرت قنوات تصوره بأشكل جعتله يكره نفسه أكثر و يكره حياته و دنياه و لكنه لم يستطع الهروب حتى أنهى حياته بنفسه. و لكنهم لم يكتفوا بذلك و أطلقوا عليه إسم صريع الضروع و فقيد اللبن.

الأحد، 5 يناير 2025

العفاريت تكره المراوح

 

الشتا دايمًا كان ليه طابع خاص عندنا، مش بسبب البرد أو المطر، لكن بسبب البيت اللي عايشين فيه. بيتنا القديم، الكبير، اللي كان شكله من برة زي أي بيت عادي، لكنه جواه بيحكي قصة مختلفة تمامًا. قصة عن ضيوف غير مرحب بيهم، بيظهروا مع أول نسمة برد، بيتحركوا في الظلام، وبيخلوا كل ليلة مليانة رهبة وغموض.

في البداية، كنا بنحاول نتجاهل الإحساس ده، نقنع نفسنا إنه خوف من الخيال. لكن مع كل شتا كان الإحساس بيكبر، كأنه حاجة بتكبر مع البرد. أول مرة حسينا بالخطر الحقيقي كانت في ليلة مظلمة، البرد فيها كان بيقرص والبيت كله ساكت بشكل مريب. سمعنا أصوات خطوات، كأن حد بيتحرك حوالينا، والهواء كان بيمر من بين الشبابيك بطريقة غريبة، كأنه بيهمس. الأبواب كانت بتتحرك ببطئ وتتفتح لوحدها، وبدأنا نحس إن البيت مش ملكنا لوحدنا.

ما كانش فيه طريقة ننام، وكل واحد فينا كان متكتف في مكانه، خايف يروح أو حتى يتحرك. لحد ما قررنا نواجه اللي بيحصل. جربنا نقفل كل الشبابيك، نقرأ قرآن، لكن الأصوات ما بطلتش. كأن اللي موجود جوه البيت كان بيقول لنا إنه أقوى، وإنه مش ناوي يسيب المكان.

واحد من الكبار في العيلة، اللي عاش في البيت ده قبلنا، قرر يتكلم. قال بهدوء: "العفاريت بتحب السكون و تكره الرياح. لازم نستغل الفكره." كانت الفكرة غريبة، لكن لازم نجرب. شغلنا كل المراوح في البيت، من أول الريسيبشن لحد أوض النوم. صوت المراوح كان عالي، والهوا اللي بيعمله كان بارد و مستمر. فجأة، البيت كله بقى في حركة مستمرة، وكأننا بنطرد أي إحساس بالهدوء.

الأصوات اختفت، الخطوات سكتت، وكل حاجة بقت أهدى. لكن كان فيه أوضة واحدة، بابها مقفول، قررنا نسيبها من غير مراوح. كانت شبه اتفاقية بيننا وبينهم. الأوضة دي بقت مكانهم، والمراوح كانت حدودنا.

الليالي بعد كده كانت غريبة. كل ما تعدي إمام الأوضة، تحس بالبرد بيدخل جسمك، وبرغم إن الباب مقفول، كان في إحساس إن فيه عيون بتبص عليك من وراه. مفيش حد بيدخل الأوضة دي، ولا حتى بالنهار. وبرغم إننا حسينا بالأمان أكتر بعد الخطة دي، كلنا كنا عارفين إن العفاريت مش محبوسين للأبد. المراوح شغالة، لكن لو النور إتقطع و المراوح انطفت حتى لحظة... الله أعلم إيه اللي ممكن يحصل.

السبت، 21 ديسمبر 2024

حبيسته، حبيبته، نسمته


نظر ليلا إلى السماء و مال برأسه على جانبه ميلا شديدا حتى كاد أن يسقط. غاب في السواد الشديد، أثاره الشجن و تذكر حبيبته. حاول أن يتكلم مع الهواء، و حاول إقناعه بتوصيل رسالة لها. في البداية رفض الهواء و لكنه بعد أن عرف إسمها ضحك و وافق على التوصيل.
نسمة، هذا هو إسمك، هو بعض من الهواء العليل، يشفي القلب و يمحي الحزن و يملئ الروح بالحنين. سامحيني، لقد كنت جاهلا لا أعلم، لقد ظلمتك و ظلمت معكي نفسي. كم أنت صابرة و عطوفه، أرجوكي تذكريني و تذكري معي حياتنا السابقة. لقد كنتي لي كل شئ.
أطلق عنان تفكيره فتخيلها من ساكنات السماء. سبح معها في الفضاء بين ذرات النجوم و الهواء. كل شئ هنا جميل و نظيف، نظام مرتب و ألوان بديعه. لا أريد أن أعود للأرض، لا أريد أن أفقد متعتي معك مرة أخرى. أنت وَنَسي و أنت أُنسي و أنت رائحة حبي.
أمسك بيديه الحديد الموجود على شباك غرفته و تعلق به بشدة. صرخ عاليا و بكى بحرقة، أريد أن أخرج من هنا، أريد أن أراها، لن أعيش سواها، لا أستطيع العيش.
فُتح بابا غرفته سريعا و دخل إثنين بأجساد كالثيران و ألصقوه في الحائط و حقنوه بمخدر ليهدأ و ينام و ينسى و لكن هيهات أن ينسى. إنها حبيسته، حبيبته، نسمته.

السبت، 14 ديسمبر 2024

نداء الفأر الصامت

 

كان هناك فأر صغير، يعيش طوال حياته في الجحور المظلمة والشوارع المكتظة. كان يشعر بالملل من حياته الروتينية والبحث الدائم عن الطعام. كل يوم كان يبدو مثل الآخر، ومع مرور الوقت، بدأ يشعر بالكآبة واليأس. لم يكن هناك شيء يثير إهتمامه، ولا مغامرة يمكن أن تغير من حاله. كان يبحث عن نهاية مختلفة، نهاية تليق بشعوره المتزايد بعدم الجدوى.

في يوم من الأيام، بينما كان يتجول في أحد الأحياء، رأى مختبرًا علميًا. كانت النوافذ الكبيرة تضيء بالأضواء الساطعة والأجهزة الغريبة التي تملأ المكان. قرر الفأر أن هذه قد تكون فرصته للخروج من حياته الرتيبة. أراد شيئًا جديدًا، حتى لو كان يعني نهايته. لم يكن يبحث عن الموت فقط، بل كان يبحث عن مغامرة أخيرة، عن تجربة تعطي لحياته معنى في لحظاتها الأخيرة.

تسلل الفأر الصغير إلى المختبر عبر فتحة صغيرة جدا في الجدار. شعر بالخوف والتوتر، لكن الفضول تغلب عليه. داخل المختبر، رأى العلماء يعملون بجد على تجاربهم، وأدرك أن هذا هو المكان الذي يمكن أن يجد فيه شيئًا مختلفًا. ربما كانت هذه التجارب العلمية هي ما سيمنحه نهاية ملحمية، نهاية تجعله يشعر بأنه فعل شيئًا مختلفًا عن باقي فئران مجموعته.

بينما كان يتجول بين الطاولات والأجهزة، لاحظ قفصًا يحتوي على مواد غريبة ومختلفة. قفز إلى الداخل وبدأ يفحص ما حوله. كانت هناك حقنة صغيرة تحتوي على سائل لامع. قرر أن يجرب حظه وأخذ الحقنة بين أسنانه وحقن نفسه بالسائل.

بدأ يشعر بتغيرات غريبة في جسده. في البداية، كان هناك إحساس بالراحة، ثم بدأت الأضواء حوله تتلاشى. أدرك أنه حصل أخيرًا على ما كان يبحث عنه، موتًا مختلفًا ونهاية لحياة لم يكن سعيدًا بها. كان يشعر بأنه بطل في قصة علمية، وأن نهايته ستكون مميزة كما كان يحلم.

استلقى في القفص، وابتسم للمرة الأولى منذ زمن طويل. وأغمض عينيه بهدوء، تاركًا وراءه عالم الجحور المظلمة والحياة المتعبة، ومتجهًا إلى المجهول بنهاية جديدة وغير متوقعة.

عندما اكتشف العلماء ما حدث للفأر، أصيبوا بصدمة كبيرة. لم يكن أحد يتوقع أن فأرًا يمكن أن يتصرف بهذه الطريقة. بدأت الأسئلة تتراكم حول أخلاقيات استخدام الفئران في التجارب العلمية. أدرك العلماء أنه لم يكن مجرد فأر عادي، بل كان رمزًا لكل الفئران التي تعاني في صمت.

السبت، 7 ديسمبر 2024

عمرو عجينة


وأنا بتخيل نفسي عجينة، بحس إن رحلتي تبدأ بخطوات بسيطة لكنها مليانة معنى. أول خطوة بتكون الدقيق، زي الأساس اللي حياتي مبنية عليه. الدقيق ده ممكن يكون أحلامي، أفكاري، أو حتى ذكرياتي. بعد كده، ييجي الميه. المياه دي بتضيف ليّ حياة، زي الأشخاص اللي بيعدوا في حياتي، اللي بيعلموني ويغيروني من غير ما يحسوا.
بعد كده، أضيف شوية ملح. الملح ده يمكن صغير في كميته، لكنه ضروري، زي الدروس اللي أتعلمها من التحديات والمواقف الصعبة. الدروس دي بتديني طعم مختلف، حاجة تخلي شخصيتي مميزة.
ييجي دور الخميرة، وده الجزء اللي بيعبر عن الفرص اللي بتحصل لي. ممكن تبقى فرصة شغل، لقاء غير متوقع، أو حتى فكرة جديدة تخليني أنمو وأعلى، زي ما الخميرة بتعلي العجينة.
بعد ما أخلط كل ده، يبدأ العجن. العجن هو الضغط، التوتر، الأيام اللي بتشدني وتخليني أحس إني مش قادر أكمّل. بس في وسط العجن ده، بلاقي نفسي بتماسك أكتر، بشوف إزاي الضغط ده مش بيكسرني، بل بيجهزني للمرحلة اللي جاية.
بعد كده أسيب نفسي (العجينة) ترتاح. الراحة دي مش رفاهية، لكنها ضرورة. وقت للتفكير، للتأمل، لإعادة ترتيب أولوياتي. الراحة دي هي اللي بتديني القوة أكمل وأواجه اللي جاي.
وأخيرًا، أتحط في الفرن. النار دي صعبة، حرارتها شديدة، لكنها هي اللي بتحوّل العجينة من مجرد كتلة لخبز ناضج. دي اللحظة اللي بعرف فيها قد إيه أنا قوي، وقد إيه التجارب دي كلها كانت لازمة عشان أوصل للشكل النهائي، مستعد أدي أفضل ما عندي.
كل خطوة في العجن بتعلمني حاجة، وكل ضغطة بتحفر جوايا درس جديد. وفي الآخر، بأخرج من الفرن، عيش جاهز، بسيط في شكله لكن مليان معاني.