‏إظهار الرسائل ذات التسميات شغل_صيدلي_جدا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شغل_صيدلي_جدا. إظهار كافة الرسائل

السبت، 17 مايو 2025

عمى ألوان أم عمى معرفة



#شغل_صيدلي_جدا

كان يوم عادي في الصيدلية، والناس داخلة خارجة، لحد ما دخل دكتور شيك، بس باين عليه متوتر شوية. قرب منّي وسألني عن دواء معين، فلما جبتهوله، مسك العلبة وبص فيها باستغراب وقاللي:
"هو ده؟ لون العلبة إتغيّر!"

أنا استغربت وسألته: "إنت متأكد؟ هو نفس الاسم ونفس التركيز و نفس الشركة." رد عليّا وهو بيحاول يركّز في شكل العلبة: "أنا عندي عمى ألوان، فبفتكر العلبة من شكلها مش من لونها، بس دلوقتي حاسس إن فيه حاجة مختلفة!"

اللي لفت نظري بجد إنه رغم إنه عنده عمى ألوان، ومش قادر يفرّق بين الأحمر والأخضر و الأزرق و بيشوفهم كلهم رمادي، لكنه بيعتمد على تفاصيل تانية زي شكل الخط أو ترتيب الكلام أو حتى المربعات اللي على العلبة. وده خلاني أفكر قد إيه الناس دي بتتعامل مع تفاصيل إحنا ممكن ما ناخدش بالنا منها خالص.

لكن الصدمة الكبرى مش هنا...
الصدمة كانت لما خلّص وطلع من الصيدلية، لقيته راكن عربيته صف تاني، وعامل زحمة، والناس مش عارفة تعدي!

ساعتها بس وقفت وسألت نفسي:
"إزاي واحد عنده عمى ألوان بيسوق عربية؟!" يعني الإشارة بالنسباله شبه بعض، الأحمر أوالأخضر أو الأصفر كلهم درجات هو مش شايفها، طيب بيتصرف إزاي؟ وإزاي بيحكم على اللي قدامه وهو سايق لو أخذ فرملة؟ وإزاي ياخد قرار في لحظة على الطريق؟

الموقف ده فضل في دماغي طول اليوم، مش عشان خطره على الناس بس، لأ، عشان فكرة إن فيه ناس مش بتعترف إن عندها مشكلة، أو بتطنّش لأنها متعودة تتأقلم، لكن التأقلم مش معناه نعرّض نفسنا واللي حوالينا للخطر.

الوعي مش بس في إنك تعرف حالتك، الوعي الحقيقي إنك تفهم حدودك وتتصرّف على أساسها.

ومش لازم كل حاجة نعدّيها بـ"أنا كويس كده". فيه فرق كبير بين إنك تبقى شاطر في التكيّف، وإنك تكون خطر من غير ما تحس.

السبت، 26 أبريل 2025

المدخن... تباين في المعرفة أم ضمور في الفهم



كنت بسأل واحد من المدخنين المترددين على الصيدلية: إزاي متعايش بين إنك عارف إن السجاير ممكن تسبب السرطان، وفي نفس الوقت عندك أمل تعيش حياة صحية كويسة؟

رد عليا وقاللي: "أنا مبشربش سجاير كتير تخليني أجيب سرطان، دا صاحبي بقاله 20 سنة بيدخن ومحصلوش حاجة، وصاحبي التاني كان مدخن شره ومات بأزمة قلبية مش بسرطان."

بصراحة الرد دا غريب ومضلل. وفي علم النفس بيتسمى دا "التنافر المعرفي" يعني الإنسان لما يعرف حاجة بتضايقه أو بتخالف سلوك هو بيعمله، بيحاول يرفضها أو يشكك فيها علشان يريح دماغه، ويدخلك في حوارات مالهاش آخر، وفي الآخر تلاقي نفسك خسرت النقاش.

المدخن بيقعد يسأل: طيب هو السرطان بييجي من قد إيه سجاير؟ والسجاير نوعها إيه؟ ولا بعد كام سنة تدخين أبقى معرض للخطر؟ وامتى أقدر أروح أتعالج؟
الأسئلة دي هي اللي بيستند عليها المدخنين، وساعتها تقدر تلاحظ الفرق بين اللي عنده معرفة حقيقية، واللي عنده فهم ناقص أو مش راضي يفهم.

الغريب بقى إنك دايمًا تلاقي المدخنين بيدافعوا عن التدخين كأنه مش سبب في أي مرض!
تقديرهم للخطر أقل بكتير من الناس اللي مش بيدخنوا. تلاقيه بيقولك: "أنا لو دخنت سجاير كتير بسرعة، ممكن أكون بخطر، لكن لو دخنت على خفيف كل شوية مش هيحصللي حاجة." وبيطمن نفسه إنه ممكن يروح يتعالج بدري قبل ما السرطان يجيله. لكن في المقابل، اللي مش بيدخن شايف إن السيجارة الواحدة خطر، وإنه كل ما العدد زاد كل ما الخطر كبر.

المدخن دايمًا بيحاول يقلل من الخطر، وبيفصل ما بين السجاير والسرطان، علشان يطمن نفسه.
ويسيبها على الطب والعلاج، وكأنهم عندهم عصاية سحرية يشيلوا بيها المرض.

بس أغرب رد سمعته من الراجل دا، إنه قاللي:
"إنت كواحد في المجال الطبي، طول الوقت بتقرا أبحاث وتقارير، فبقيت شايف الدنيا سودا، وبتفكر بشكل سلبي على طول، وده مأثر على حياتك كلها!"

يعني الراجل اختصرني في إني واحد سلبي، بفضل أدور على المخاطر والسواد، ومش عايز أسمع حاجة فيها أمل! وساعتها فهمت إن المشكلة مش في المعرفه... المشكلة في اللي عنده ضمور في الفهم و مش عايز يصدق.

السبت، 25 يناير 2025

صيدلي رحّال في مملكة المرض



أنا كصيدلي، شغلي خلاني أدخل مملكة مش كتير من الناس بيشوفوها عن قرب: مملكة المرض. المريض، اللي بييجي الصيدلية يشكي من وجع أو يدور على حلّ لمشكلته الصحية، هو البطل الأساسي هنا. لكن خليني أقولك إن كل مريض هو قصة لوحدها، وكل مرض هو تجربة مليانة مشاعر ومعاني.

كل مرض كأنه مملكة لها قوانينها وسكانها وظروفها. فيه مملكة الصداع، اللي كلها ضغط وتوتر، ودايماً سكانها عايزين أي حاجة "تجيب من الآخر" وتخلّصهم من الإحساس المزعج ده. وفيه مملكة نزلات البرد، اللي فيها الناس تعبانة بس لسة شايفة الأمل في شوية علاج وأيام راحة.

وفيه بقى ممالك أصعب، زي مملكة الأمراض المزمنة. هنا بنقابل ناس بتعيش مع المرض سنين، عاملينه "جار" أو يمكن "عدو". كل مرة حد منهم يدخل الصيدلية، بأشوف في عينيه أسئلة: "هل فيه أمل؟ هل في يوم هنعيش من غير ألم؟".

بصراحة، الواحد ساعات بيحس إنه مش مجرد صيدلي، لكنه طبيب نفسي على الماشي. المريض مش بييجي يشتري دوا وبس، بييجي كمان يفضفض، يحكي عن تعبه، عن خوفه، عن لخبطة الحياة بسبب المرض. وبالرغم من إننا بنحاول نحافظ على احترافية الشغل، لكن في لحظات كتير بنبقى بشر زيه، نحس بيه ونتأثر بكلامه.

أصعب حاجة كصيدلي هي لما تبقى عارف إن في أمراض علاجها صعب أو إن حالتها متأخرة. هنا بتقف قدام تحدي كبير: إزاي تبقى دعم نفسي للمريض في نفس الوقت اللي بتحاول فيه تساعده بالعلاج؟

رسالتي لكل اللي بيقروا كلامي ده: المرض مش نهاية الحياة، حتى لو كان صعب. ومع التطور اللي بنشوفه في الطب والعلم، الأمل دايماً موجود. وبالنسبة للصيادلة، إحنا مش بس بنبيع أدوية، إحنا كمان شركاء في الرحلة دي، بنحاول ندي أمل، ونخفف ألم، وندعم كل مريض بكل اللي نقدر عليه.

رحّال في مملكة المرض... ولسة مكملين!