#شغل_صيدلي_جدا
كان يوم عادي في الصيدلية، والناس داخلة خارجة، لحد ما دخل دكتور شيك، بس باين عليه متوتر شوية. قرب منّي وسألني عن دواء معين، فلما جبتهوله، مسك العلبة وبص فيها باستغراب وقاللي:
"هو ده؟ لون العلبة إتغيّر!"
أنا استغربت وسألته: "إنت متأكد؟ هو نفس الاسم ونفس التركيز و نفس الشركة." رد عليّا وهو بيحاول يركّز في شكل العلبة: "أنا عندي عمى ألوان، فبفتكر العلبة من شكلها مش من لونها، بس دلوقتي حاسس إن فيه حاجة مختلفة!"
اللي لفت نظري بجد إنه رغم إنه عنده عمى ألوان، ومش قادر يفرّق بين الأحمر والأخضر و الأزرق و بيشوفهم كلهم رمادي، لكنه بيعتمد على تفاصيل تانية زي شكل الخط أو ترتيب الكلام أو حتى المربعات اللي على العلبة. وده خلاني أفكر قد إيه الناس دي بتتعامل مع تفاصيل إحنا ممكن ما ناخدش بالنا منها خالص.
لكن الصدمة الكبرى مش هنا...
الصدمة كانت لما خلّص وطلع من الصيدلية، لقيته راكن عربيته صف تاني، وعامل زحمة، والناس مش عارفة تعدي!
ساعتها بس وقفت وسألت نفسي:
"إزاي واحد عنده عمى ألوان بيسوق عربية؟!" يعني الإشارة بالنسباله شبه بعض، الأحمر أوالأخضر أو الأصفر كلهم درجات هو مش شايفها، طيب بيتصرف إزاي؟ وإزاي بيحكم على اللي قدامه وهو سايق لو أخذ فرملة؟ وإزاي ياخد قرار في لحظة على الطريق؟
الموقف ده فضل في دماغي طول اليوم، مش عشان خطره على الناس بس، لأ، عشان فكرة إن فيه ناس مش بتعترف إن عندها مشكلة، أو بتطنّش لأنها متعودة تتأقلم، لكن التأقلم مش معناه نعرّض نفسنا واللي حوالينا للخطر.
الوعي مش بس في إنك تعرف حالتك، الوعي الحقيقي إنك تفهم حدودك وتتصرّف على أساسها.
ومش لازم كل حاجة نعدّيها بـ"أنا كويس كده". فيه فرق كبير بين إنك تبقى شاطر في التكيّف، وإنك تكون خطر من غير ما تحس.