في ذات يوم سرحت مع نفسي و تخيلتني و أنا أصيد القمر، قلت في نفسي و لم لا، فأنا صياد و أستطيع صيد القمر.
رتبت سنارتي و وضعت طعمي، و رميت به لأعلى نقطة في السماء. حاولت مرارا أن أصل بالسنارة للقمر، في بدره مرة و في هلاله مره. كل مرة أفشل في إمساكه على الرغم من ثباته و عدم تحركه.
و في يوم رميت طعما فيه حِلم فأمسك به القمر، و شد سنارتي بقوة. تمسكت بها و عافرتها و غلبتها. نعم، لم أصدق نفسي في هذا اليوم، أني إصطدت القمر.
سحبته بكل قوة و سرعة، فلا أريد أن يراني أحد، فيأخذوه مني. أمسكته بيدي، كم هو كبيرا في السماء و لكنه صغيرا في يدي. وضعته أمام بيتي تحت التراب لأخفيه عن عيون الناس.
و في الصباح، فتشت التراب عنه و حاولت ان أرفعه، و لكنه تثاقل بين ذرات الطين. تعجبت و حاولت ان أشده بقوة، فظهر لي و كأنه نما به جذورا. تعجبت و أصبحت أحفر حوله لأرى كم جذرا له نما تحت الأرض.
نما للقمر جذور، و كأنه شجرة. تعجب ثم و ضعته مكانه و صببت عليه الماء. و في اليوم التالي ظهرت شجرة صغيرة في مكانه، شجرة عجيبة. و كأنها ليست ككل الأشجار، إنها فضية اللون و أوراقها بيضاء لامعه.
تجمع الناس حول بيتي ليروا ما هذه الشجرة العجيبة. أمسك أحدهم بورقة منها و قطعها، و قال أن بها كتابة صغيره. و ضعها أمام عينه و نظر فيها و قرأ.
قرأ كلام حب و كلام عتاب و سؤال. تسأل ما هذا؟ فهل هي رسالة محب لحبيبته؟ ثم أخذ آخر ورقة و قرأها، إنها أم تدعوا لإبنها. و أصبح الناس يتهافتون على قطع الأوراق من شجرتي، شجرة القمر و الأحلام.
ثم جاء الليل، و لم يظهر فيها القمر. تجمع الناس و الكل ينظر للسماء يبحث عن القمر، قال أحدهم، إن ضوءا يخرج من تحت شجرة الصياد الفضية، شجرتي. تجمع الناس حول الشجرة ثانية، ثم حفروا تحتها فوجودا القمر مدفونا تحت التراب و الشجرة تخرج منه. حاولوا إنتزاعه و لكن جذوره إمتدت لداخل الأرض بقوة و ثبات.
ثار الناس عليا، و إتهموني بسرقة قمرهم. و حكم عليا القاضي بإرجاع القمر. و لكني لم أكن أعرف كيف أنتزع القمر من الأرض أمام بيتي. حاولت كثيرا، و حاول الناس جميعا، و لكنه لم يتزحح من مكانه.
و في الصباح، نما للشجرة أزهارا عجيبة، و كأنها تتوهج. و خرج من كل ثمرة، قمر. نعم، نما لشجرة القمر ثمارا كالقمر. أقمار فوق أقمار. في كل غصن عدة أقمار.
تجمع الناس حولي من جديد، و الكل يأخذ قمرا. يصيح الناس في بعضهم، بأنه يجب عليك ان تأخذ قمرا واحدا، فكثرة الأقمار ليس لها فائدة.
بدأت الأفواج تزداد حول شجرتي العجيبة. كان الناس يتصارعون للحصول على أقمارهم الصغيرة، وكل واحد منهم يظن أن القمر الذي اختاره هو الأجمل والألمع. ومع مرور الوقت، بدأت زهور الأقمار تتلاشى ببطء، كأنها تذوب في أيدي الناس.
لاحظت شيئاً غريباً: كلما اختفى قمر من أيدي الناس، كان القمر الأصلي المدفون تحت الأرض يضيء بشكل أقوى، ويبدو أن جذور الشجرة تتعمق أكثر في الأرض. كان القمر يعود شيئًا فشيئًا إلى قوته الأصلية.
قرر الناس التوقف عن قطف الأقمار بعد أن اكتشفوا أن الأقمار تتلاشى بسرعة وأنهم بحاجة للقمر الأصلي ليعود إلى السماء. تجمعوا حولي وطلبوا مني التحدث مع الشجرة. حاولت أن أشرح للشجرة بأني نادم على محاولة صيد القمر، وأن القمر يجب أن يعود إلى مكانه في السماء.
في تلك الليلة، جلست بجانب الشجرة وبدأت أروي لها قصصًا عن جمال القمر في السماء، وكيف أن الناس يفتقدون ضوءه. بينما كنت أتحدث، بدأت الشجرة تتوهج ببطء. تدريجيًا، لاحظت أن الشجرة بدأت تتقلص، وكأنها تتراجع إلى القمر المدفون تحتها.
وفي الصباح، كانت الشجرة قد اختفت تمامًا، ولم يتبقَ سوى القمر الأصلي مضيئًا بشكل لافت. تجمع الناس مجددًا، وحاولنا جميعًا، هذه المرة بقلوب صافية ونيات طيبة، أن نعيد القمر إلى السماء. حملناه بحذر شديد، وكل واحد منا أضاف طاقته وجهده.
ببطء، بدأ القمر يرتفع إلى السماء، مع كل نبضة قلب وكل نفس من المجتمعين. ارتفع القمر شيئًا فشيئًا حتى عاد إلى مكانه في السماء، حيث أضاء ليلنا بنور قوي وجميل.
تعلمت درسًا كبيرًا: أن بعض الأشياء جميلة لأنها في مكانها الطبيعي، وأن محاولة تغيير مسارها قد تؤدي إلى عواقب غير متوقعة. عدت إلى حياتي العادية كصياد، لكنني كنت دائمًا أنظر إلى القمر في السماء بامتنان، وأنا أعلم أنني جزء من قصة أكبر من أي حلم يمكن أن أحمله في قلبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق