في يوم من الأيام، كانت ماما راجعة من السوق وشافت بطة صغيرة مرمية في الشارع. البطة كانت شكلها ضايعة وتعبانة، وماما قلبها رقّ عليها. قررت إنها ما تسيبهاش في الشارع وخدتها معاها معاها البيت. أول ما دخلت البيت، البطة بدأت تمشي في كل حتة وتستكشف المكان. كلنا كنا مستغربين، بس أمنا كانت فرحانة بيها وقررت تعملها مكان صغير في المطبخ وتحطلها شوية أكل.
بس البطة كان عندها رأي تاني. بعد ما أكلت، بدأت تتحرك في البيت بكل ثقة. راحت على الصالة، وقعدت على الكنبة وكأنها مرتاحة جدًا. حاولنا نرجعها للمطبخ، لكنها كانت بتلف وترجع تاني للصالة. مع الوقت، البطة اللي دخلت البيت بقت صديقة مقربة جدًا من بابا وماما. بدل ما تكون عبء أو مشكلة، اتحولت لجزء من العيلة. ماما كانت بتطبخ ليها كل يوم أكل مخصوص، وبابا كان بيقعد معاها في الصالة يحكيلها قصص وكأنها فرد من العيلة.
البطة كانت بتكبر مع الوقت، وأكلها كان بيزيد، لكن بدل ما تكون شرهة، بقت بتاكل معاهم على السفرة وكأنها بتشاركهم اللحظات الحلوة. بقت تقف جنب بابا وهو بيشتغل في الحديقة، وماما كانت بتحب تعطيها حمام دافي في البانيو، والبطة كانت بتستمتع بكل لحظة. كمان، بقت البطة لما تشوفنا راجعين من المدرسة أو الشغل، تطير بجناحاتها الصغيرة وتستقبلنا عند الباب. صوتها اللي كان في الأول عالي، بقى نغمة مميزة بتحسسنا بالترحيب والدفء.
وفي الليل، لما نكون قاعدين كلنا قدام التلفزيون، كانت البطة تقعد بينا وتستمتع بالجو العائلي. بقت جزء من كل لحظة جميلة في البيت، وبقينا نشوفها كصديقة عزيزة، مش مجرد بطة دخلت البيت صدفة. بابا كان يقول دايمًا إن البطة دي جت لنا علشان تذكرنا بأهمية الحب والرعاية، وإن حتى الكائنات الصغيرة ممكن يكون ليها مكان كبير في قلوبنا.
مع مرور الوقت، البطة بقت أكتر من مجرد صديقة للعيلة. بابا وماما اعتمدوا عليها في حاجات كتير، زي تنظيف البيت وترتيب الحاجات. كانت بتلف في كل مكان في البيت وتلمع الأرض بجناحاتها، ولما نلاقي حاجة مفقودة، نلاقيها جايباها لنا بجناحها وكأنها بتساعدنا.
في الأول كنا بنشوف الموضوع لطيف، لكن بعدين بدأنا نحس إن البطة بقت تاخد مكاننا في البيت. بقت ماما تطلب منها ترتيب الأوضة بدل ما تطلب مننا، وبابا بقى يعتمد عليها في حاجات كتير كان بيطلبها مننا زمان. حتى في لحظات العيلة، بقت البطة دايمًا جنبهم، وأحيانًا نلاقيهم بيتكلموا معاها أكتر مننا. بدأنا نحس إننا مهمشين، وإن البطة بقت هي اللي مركز الاهتمام. لما نقعد مع ماما في المطبخ، نلاقيها بتكلم البطة أكتر ما بتكلمنا، ولما نقعد مع بابا في الصالة، البطة تقعد جنبه وتشارك في كل حاجة.
حسينا بالغيرة، لكن في نفس الوقت، كنا بنحبها ومش عايزين نخسرها. حاولنا نلاقي طريقة نرجع مكانتنا من غير ما نضايق البطة. بدأنا نشارك معاها في المهام ونقضي وقت أكتر مع بابا وماما، ونحاول نفتكر إن البطة جت لنا علشان تلمنا مش تفرقنا. و مع مرور الوقت، كل ما نحاول نعرض المساعدة في البيت، نلاقي بابا وماما بيرفضوا بلطف. في الأول كان الموضوع بسيط، زي لما نقول لماما "ممكن نساعدك في ترتيب المطبخ؟" ترد علينا وتقول "لا خلي البطة تعمل كده، هي بتحب تساعدني." أو لما بابا يكون بيصلح حاجة في البيت ونقول له "عايزين نساعدك يا بابا"، يقول لنا "ما تقلقوش، البطة موجودة وهتساعدني."
في البداية كنا بنضحك ونفكر إنهم بيهزروا، لكن مع الوقت بدأنا نحس إنهم بجد مش عايزيننا نساعد. كل ما نحاول نشارك في حاجة، يلاقوا حاجة للبطة تعملها بدلنا. لحد ما وصل الموضوع إن حتى الحاجات البسيطة زي ترتيب الطرابيزة بعد العشاء أو رمي الزبالة، بقت البطة هي المسؤولة عنها. بدأنا نحس بالحزن والإحباط، كنا بنشوف نفسنا برا الصورة، وكأننا مش جزء من الحياة اليومية في البيت. حاولنا نتكلم مع بابا وماما، نقول لهم إننا عايزين نساعد ونشارك، لكن كانوا دايمًا بيردوا بابتسامة ويقولوا لنا "مش مشكلة، خلي البطة تعمل ده."
بمرور الوقت، بدأنا نشعر إن البطة مش بس بتاخد مكاننا في البيت، لكن كمان بتبعدنا عن أهلنا. كنا قاعدين نشوفهم بيتعاملوا معاها وكأنها فرد أساسي من العيلة، بينما إحنا بقينا على الهامش. ولما حاولنا نلفت نظرهم، كانوا دايمًا يطمنونا ويقولوا "إنتوا عارفين إننا بنحبكم، بس البطة بتحب تساعد."
جاء يوم من الأيام، وكان أحد الجيران قد قرر ترك شقته لأنه انتقل إلى مكان آخر. كانت الشقة الجديدة واسعة ولها حديقة كبيرة، وهو ما كان يعتبر مكانًا مثاليًا للبطة، اللي كانت دايمًا تحب المساحات الواسعة. ابن صاحب البيت، اللي كان عنده علم بقرار الجار، اقترح على بابا وماما إنهم يسمحوا للبطة بالانتقال إلى الشقة الجديدة. كان المكان الكبير والحديقة الواسعة فرصة جيدة للبطة، وكان من الممكن أن يحل بعض المشاكل اللي كانت تواجهها في البيت الحالي.
بابا وماما بصوا لبعض، وبدأوا يفكروا في العرض. كان واضح إن الفكرة مش وحشة، خصوصًا إن الشقة كانت فعلاً أوسع وأكبر. لكن قبل ما يردوا، لقينا البطة ماشية ناحيتهم بسرعة وبتصدر صوت عالي، وكأنها عارفة إيه اللي بيتكلموا فيه. البطة راحت جنب بابا وماما وفضلت واقفة، ترفرف بجناحاتها كأنها بتقول "لا مش هروح." واضح إنها كانت متعلقة بالبيت وبينا، وما كانتش مستعدة تسيب المكان اللي بقت تعتبره بيتها. ضحك ابن صاحب اليت وقال: "واضح إن البطة اختارت تفضل معاكم، وأنا مش هقدر أجبرها."
طبعا، البطة رفضت العرض، مش لأنها ما تحبش الشقة الجديدة، لكن لأنها كانت تفضل تجنب التعامل المباشر مع صاحب البيت. كانت تحب تكون في مكان تستطيع التحكم فيه بحرية دون الحاجة للتعامل مع أي شخص آخر. بالتالي، رغم فرصة العيش في شقة أوسع وأفضل، قررت البطة إنها تفضل البقاء في البيت الحالي وتستمر في ممارسة سيطرتها، مفضلة تجنب أي تغييرات قد تفرض عليها التعامل مع صاحب البيت أو أي تحديات جديدة تشيل مسؤوليتها لوحدها.
بابا وماما ابتسموا وهم شايفين قد إيه البطة كانت متمسكة بينا، وقالوا لابن صاحب البيت: "شكرًا على عرضك، لكن واضح إن البطة مش ناوية تسيبنا." رجع ابن صاحب البيت لشقته، وإحنا فضلنا مع البطة اللي كانت مبسوطة إنها فضلت معانا. فهمنا وقتها إن البطة اختارت تبقى مع العيلة، مهما كانت الظروف أو المغريات.
الثقة بين بابا وماما والبطة زادت بشكل كبير، لدرجة إنهم بدأوا يعتمدوا عليها في حاجات مش ممكن نصدقها. وصل الموضوع إنهم بقى عندهم ثقة كاملة في البطة، لدرجة إنها بدأت تتحكم في مصروف البيت. في البداية كان بابا يديها الفلوس علشان تشتري أكلها الخاص من المحل اللي جنبنا، وكانت البطة بتروح وترجع بكل نظام، وكل مرة كانت ترجع الفلوس الباقية بشكل دقيق. مع الوقت، بابا وماما بدأوا يديوا للبطة مصروف البيت كله، ويخلوها هي اللي تتصرف فيه.
البطة كانت بتاخد الفلوس وتروح للسوق، تشتري الخضار والفاكهة، وحتى أحيانًا كانت تشتري حاجات للبيت، زي المنظفات وحاجات للمطبخ. كنا بنشوفها بتخرج وترجع وهي شايلة الشنط بجناحاتها، وكأنها ربة البيت. في الأول، الموضوع كان غريب علينا، كنا مش مصدقين إن بابا وماما يعتمدوا عليها للدرجة دي. بس كل ما نشوف البطة بترجع بكل حاجة محتاجينها، وبكل احترافية، كنا بنفهم ليه هما واثقين فيها كده. المفاجأة الأكبر كانت لما لقيناها بتحسب الفلوس وبتنظم المصروفات أفضل مننا. كانت دايمًا متأكدة إن كل حاجة في البيت موجودة، وإن الفلوس بتكفي لكل الحاجات الأساسية.
مع الوقت، بقى واضح إن البطة بقت أكتر من مجرد صديقة للعيلة، بقت الشخص اللي كلنا بنعتمد عليه في حاجات كتير. بابا وماما بقى عندهم ثقة كبيرة فيها، لدرجة إنهم بقى يقولوا "ما تقلقوش، البطة متولية الأمور." وأحنا كنا بنشوف ده بمزيج من الدهشة والإعجاب، لأن البطة قدرت تتفوق علينا وتبقى هي العقل المدبر للبيت.
في يوم من الأيام، البطة كانت قاعدة تراقب كل اللي بيحصل في البيت زي العادة. بس المرة دي، لاحظت حاجة ما عجبتهاش في سلوك واحد من أفراد العيلة. كان حد مننا اتصرف بطريقة مش لطيفة، زي إننا نسينا نرتب حاجتنا بعد الأكل أو كنا بنلعب بصوت عالي وملخبطين البيت. البطة ما سكتتش. راحت على طول لبابا وماما ونقلت لهم كل اللي شافته بجناحاتها، وكأنها بتحكي لهم تفاصيل التفاصيل. بابا وماما كانوا دايمًا واثقين في رأيها، وأول ما سمعوا منها بدأوا يضيقوا الخناق علينا. بقى فيه قوانين جديدة في البيت، وكل حركة بنعملها بقت مرصودة، مش بس من بابا وماما، لكن كمان من البطة. لو نسينا نرتب حاجة أو طلعنا صوت عالي، كانت البطة تجري وتروح تبلغ على طول.
مع الوقت، بدأنا نحس إن البيت بقى مش بتاعنا، وإننا بقينا عايشين تحت مراقبة مستمرة. كلنا كنا بنحاول نتجنب البطة علشان ما تلاقيش حاجة تشتكي بيها لبابا وماما. حتى الحاجات البسيطة زي الأكل والشرب، كنا بنعملها بحذر شديد. البيت اللي كنا بنحس فيه بالأمان والراحة، بقى مليان توتر. كل ما نحاول نتكلم أو نتصرف بحرية، نحس بوجود البطة وهي بتراقبنا، ومعاها الخوف إنها تروح تقول حاجة تانية وتخلي الأمور أصعب.
وفي النهاية، بقى واضح إننا بقينا ضيوف في بيتنا، واللي بيحكم فيه هي البطة. البيت اللي كنا بنعتبره مكاننا الآمن والمريح، اتحول لمكان بنحاول نتجنب فيه الأخطاء ونمشي على الحبل الرفيع اللي فرضته علينا البطة. مع مرور الوقت، البطة بقت تتحكم في كل حاجة في البيت، حتى في أبسط الأمور.
وفي يوم، جت لها فكرة غريبة وقررت إنها تنفذها. الفكرة كانت إن مية الشرب مش هتكون مجانية زي الأول، اللي عاوز يشرب مية باردة لازم يدفع. البطة بدأت تعرض الفكرة على بابا وماما بحماس، وقالت لهم إن دي طريقة علشان نقدّر تعبهم في ترتيب البيت وإدارة المصروفات. في البداية، بابا وماما كانوا مترددين، لكن مع كلام البطة المقنع وإصرارها، اقتنعوا بالفكرة. اتفرض علينا إننا ندفع علشان نشرب مية باردة، ولو رفضنا أو اعترضنا، البطة كانت تقول لنا إننا بنكون ناكرين لتعب بابا وماما، وإننا مش بنقدّر المجهود اللي بيتبذل علشان نحافظ على البيت. بابا وماما، اللي كانوا متأثرين بكلام البطة، بدأوا يشددوا علينا ويصروا إننا ندفع.
في يوم، واحد من أفراد العيلة رفض يدفع علشان يشرب المية، وقال إنه مش منطقي ندفع مقابل حاجة بسيطة زي المية. البطة على طول راحت لبابا وماما واشتكت. لما جه يشرب مية بعد كده، لقينا بابا وماما بيبصوله بنظرة غريبة، وكأنه غريب في البيت وجاي ياخد حاجة مش من حقه. الحالة بقت متوترة أكتر، وكل واحد فينا بدأ يحس إنه غريب في بيته. الفكرة اللي كانت مجرد لعبة بالنسبة للبطة، بقت حاجة مؤلمة بالنسبة لنا. بقى واضح إننا مش بس بندفع فلوس، لكن بنفقد جزء من إحساسنا بالانتماء للبيت اللي كنا بنحبه.
البيت اللي كان دايمًا مفتوح ومليان بالحب، بقى مليان بالقوانين الصارمة والقيود اللي فرضتها علينا البطة. وكنا بنشوف بابا وماما بيتعاملوا معانا كأننا ضيوف مش أصحاب البيت، وده خلانا نحس بالحزن والغربة في المكان اللي كان دايمًا ملجأنا ومصدر أمانا. في وسط كل الضغوط والتوتر اللي كنا بنعاني منه بسبب تحكم البطة في حياتنا، قرر بابا وماما يعملوا تغيير. فهموا إن الوضع في البيت بقى صعب، وقرروا يبنوا غرفة جديدة وأوسع لأكبر واحد فينا، علشان يدي له مساحة خاصة ويعوضه عن الإزعاج اللي كان بيواجهه.
بدأوا في بناء الغرفة، وكل واحد فينا كان متحمس و يتوقع أن الأكبر هيكون له مكانه الجديد ويقدر يرتاح فيه. لكن الأمور اتغيرت لما ماما قررت إن البطة هي الأولى في الاستفادة من الغرفة الجديدة. ماما قعدت مع بابا، وأقنعته إن البطة تستحق الغرفة الجديدة. قالت إن البطة، رغم كل شيء، كانت دايمًا بتساعدهم في البيت، وإنها استحقت الراحة في مكان مريح بعد كل الجهد اللي بذلته. بابا كان متردد في البداية، لكن ماما أقنعته بوجهة نظرها.
في النهاية، البطة هي اللي انتقلت للغرفة الجديدة. بقت الغرفة الواسعة مكانها الجديد، وده خلى البطة تستمتع بمساحة كبيرة وتبقى أكثر راحة. بينما الأكبر بينا، اللي كان متوقع يحصل على الغرفة، ظلّ في مكانه القديم، وحسّ إن كل الجهود والتوقعات اللي كانت مرتبطة بالغرفة راحت. الأكبر بينا، اللي شعر بالظلم والغربة، قرر إنه يمشي من البيت. حس إنه مبقاش له مكان هنا، وإنه مش قادر يستمر في وضعه الحالي. كان قرار مؤلم، لكنه كان الحل الوحيد قدامه بعد ما شعر إنه مبقاش له أي دور أو قيمة في البيت. ترك البيت، وتركنا معه في حالة من الحزن والتفكير. التجربة علمتنا درسًا مهمًا عن أهمية العدالة والتقدير، وإنه حتى في العيلة لازم يكون لكل واحد مكانه الخاص واللائق.
جاء اليوم إللي قرر فيه أخونا الكبير إنه يبدأ في جمع أغراضه ويترك البيت، وكنا كلنا متوترين ونشعر بالحزن. حاولنا نقنعه بالبقاء، لكن كان واضح إنه مصر على قراره. ماما، رغم كل الحزن اللي كانت حاسة بيه، اتخذت قرارها. لما شافت أخونا مستعد يمشي، قالت له بكل هدوء: "إذا ده هو اللي انت عايزه، أنا مش هقدر أوقفك. لو دي راحتك وقرارك، لازم نحترمه." ماما ما حاولتش تمنعه أو تقنعه بالعدول عن قراره، بل تركت له الحرية الكاملة. قالت إننا جميعًا عندنا الحق في اتخاذ قراراتنا الخاصة، وإنه إذا كان ده هو الحل الأنسب له، فهي مش هتكون عائق في طريقه.
بابا وماما كان عندهم مشاعر مختلطة، بين الحزن والقبول، لكن ماما كانت حازمة في قرارها. أخونا اتخذ خطوته، وترك البيت بينما كان بابا وماما واقفين في صمت، يشوفوه وهو يرحل. الحالة دي خلتنا جميعًا نعيد التفكير في حياتنا ونشوف إزاي ممكن نتعامل مع الوضع الجديد. كان واضح إننا لازم نشتغل على استعادة الروح العائلية وتفادي المشاكل اللي أوصلتنا للوضع ده.
بعد ما قرر أخونا الكبير يمشي من البيت، بدأ يبحث عن مكان جديد يناسبه ويعوضه عن التوتر والضغط اللي عاشه. وجد أخيرًا شقة جديدة، كانت أكبر بكثير من الغرفة اللي كان فيها في بيتنا، وكانت مريحة جدًا. الشقة الجديدة كانت مزودة بكل حاجة محتاجها، من مساحة واسعة وديكور مريح، لدرجة إنه كان يشعر إنه أخيرًا لقى مكانه الخاص. إضافة إلى ذلك، كان فيه جيران طيبين وجو حميم، وده خلاه يشعر بالراحة والأمان. أخونا الكبير بدأ يستمتع بحياته الجديدة، وكان قادر على ترتيب المكان بالطريقة اللي تعجبه وتناسبه. بقى يقدر يساعد في صيانة الشقة وتنظيمها، وكان دائمًا حاسس بالعدل والاحترام في المكان الجديد.
بعد ما أخونا الكبير انتقل إلى شقته الجديدة، كانت الأمور في البيت مختلفة تمامًا. كان واضح إنه بقى منفصل تمامًا عننا، ومبقاش له علاقة بينا. كل واحد فينا حاول يتأقلم مع الوضع الجديد، لكن الحياة في البيت بقت صعبة جدًا. البيت اللي كان مليان بالألفة والمحبة بقى مشوش ومرتبك. البطة، اللي بدأت تتحكم في كل تفاصيل حياتنا، بقت المصدر الرئيسي للتوتر. وكل حاجة بقت بتتغير، من نظام المعيشة إلى أبسط الأمور، زي الشرب.
أصبحت حياتنا في البيت عبارة عن صمت مستمر. كنا بنتكلم بصوت منخفض، وكأننا خايفين نزعج البطة أو نعكر صفو النظام الجديد. حتى الاعتراض على الوضع بقى شبه مستحيل، لأن كل محاولة للرفض أو التغيير كانت تقابل بالتجاهل أو التعنيف. البيت اللي كان يعبر عن الدفء والتواصل بقى مليان بالغربة. كل زاوية فيه بقت تذكرنا بالانقسام والفجوة اللي خلفها أخونا الكبير والضغط اللي فرضته البطة. بقينا نشعر بغربة داخلية، وكأننا مش قادرين نرجع للأيام اللي كانت مليانة بالراحة والحب.
بعد فترة من الزمن، بدأت الأمور تتدهور في البيت. الأخوة بدأوا يتصارعوا مع بعض بشكل متكرر، وصار الخلافات بينهم تتصاعد بشكل كبير. كل واحد فينا كان عنده مشكلات ومخاوف مختلفة، لكن كان في شيء مشترك بينهم: الغضب من الوضع اللي فرضته البطة. البطة، اللي بقت تتحكم في كل حاجة، بدأت تستغل الصراعات الموجودة بين الأخوة. كانت تبرر أي تصرفات أو قرارات لها بالحجة إنهم رافضين النظام الجديد وإنهم بيحاولوا يهدوا البيت. كلما كان يحصل خلاف أو مشكلة بيننا، البطة كانت تزيد الطين بلة، وتستخدم الصراعات كذريعة لتدعيم سلطتها وتأكيد سيطرتها.
بدأنا نشوف البطة وهي تدفع الأمور للأسوأ، مش بس بالتحكم في الأمور المالية أو تنظيم البيت، لكن كمان بتقوي الانقسامات بيننا. كانت تسهم في تفريقنا بدلاً من محاولة إصلاح الوضع. كل خلاف كان يزيد من حدة التوتر، والبطة كانت تراقب وتزيد من حدة المشاكل. الأجواء في البيت بقت مشحونة، وكنا بنشعر إن كل واحد فينا في معركة مستمرة. حتى أبسط الأمور كانت تتحول لصراعات، وكانت البطة تستخدم كل فرصة لزيادة الفجوة بيننا، بحجة إنها بتحاول الحفاظ على النظام.
كل الأحداث ده قدرنا نتحملها و نتعايش معاها، حتى حصل في يوم خلاف بين بابا و ماما. فمع مرور الوقت، التوترات والصراعات في البيت زادت لدرجة إنها بدأت تؤثر على العلاقة بين بابا وماما. كل الخلافات والمشاكل اللي كانت قائمة بين الأخوة، بالإضافة إلى تصرفات البطة اللي كانت تزيد الطين بلة، بدأت تؤدي إلى توتر كبير بين بابا وماما.
بدأ بابا وماما يتشاجروا بشكل متكرر، وكل واحد فيهم كان عنده شكاوى وأسباب لعدم رضاه عن الوضع. بابا كان شايف إن ماما مش متفاهمة بما فيه الكفاية وبتعقد الأمور، بينما ماما كانت تشعر إن بابا ما بيفهمش الضغط اللي بتعاني منه بسبب ضغوطات الحياة عليها. في وسط الخلافات دي، البطة دخلت على الخط مرة تانية. لما شافت إن الأمور بين بابا وماما مش على ما يرام، اختارت إنها تكون في جانب بابا. اعتبرت البطة إنها لازم تدعمه وتوفر له الراحة اللي كان محتاجها. الخلاف بين بابا وماما تفاقم، وفي النهاية، الأمور وصلت لمرحلة صعبة جدًا. ماما، اللي كانت مش قادرة تتحمل التوتر والتعامل مع الوضع الحالي، اتخذت قرارًا صعبًا وقررت تترك البيت.
رحيل ماما كان بمثابة ضربة قوية للعيلة، وبعد ما رحلت، البيت بقى فارغًا أكثر، والأجواء بقت أكتر حزناً وعمقاً. البطة، اللي كانت السبب في تفاقم المشاكل، بقت تراقب الوضع عن كثب. بعد رحيل ماما، الأمور في البيت بقت أصعب بكتير. بابا، اللي كان مش قادر يتحمل الوضع لوحده، بقى يقضي وقتًا أقل في البيت، وكان بتيجي فترات ما يجيش إلا قليلاً. وده خلانا إحنا، الأطفال، نواجه الوضع لوحدنا، ونحاول نتعامل مع السيطرة المتزايدة للبطة.
البطة، اللي كانت دايمًا حريصة على الحفاظ على سلطتها، لم ترضى بأي شكل من الأشكال أن يشاركها أحد في البيت. كانت مصممة على أن تكون هي المسيطرة الوحيدة، وبدأت تتخذ قرارات صعبة. مع تزايد الضغط والتوتر، قررت البطة قرارًا قاسيًا: طردنا من البيت. لم يكن هناك مجال للتفاهم أو التفاوض. قررت البطة أنها هي الوحيدة اللي تستحق المكان، وأنه من الأفضل لها أن تكون وحدها بدون أي منازع. كانت لحظة صعبة، لما جينا نواجه قرار الطرد، كنا بنشعر بالصدمة والحزن. البيت اللي كان يومًا ما مليان بالحب والدفء، بقى مكانًا نواجه فيه تحديات كبيرة ونعيش في قلق دائم. ومع قرار البطة، بقى واضح إننا ما عادناش نملك مكاننا في البيت اللي كنا نعتبره موطننا.
الغريب في الموضوع كان تصرف صاحب البيت. بعد ما قررت البطة طردنا من البيت، كان من المفترض أن يكون هناك تدخل أو اعتراض من صاحب العقار. لكن المفاجأة كانت في تصرفه غير المتوقع. البطة، بخبرتها في الإقناع وحكمتها في إدارة الأمور، استطاعت إقناع صاحب البيت بأنها هي الأفضل والأحق بإدارة الشقة، حتى مع عدم انتظام حضور بابا و تواجده في الشقة. شرحت له كيف أنها قادرة على إدارة المكان بشكل جيد وتوفير النظام اللي هو محتاجه. وبكل بساطة، اقتنع صاحب البيت بكلامها وسلمها حرية التصرف بشكل كامل.
بعد ما تسلمت البطة حق الشقة، بقت هي المسيطرة الوحيدة، وصار كل شيء تحت سلطتها. البيت اللي كان يومًا ما موطننا وحلمنا، بقى مكانًا ملكًا للبطة. على باب البيت، كتبت البطة: "من يرفض النظام ويخالف القوانين، لن يجد مكانًا في هذا البيت، و ممنوع الدخول إلا لمن لهم الحق في الدخول".
و لا عزاء لمن تركوا حقوقهم تُهدر ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق