الخميس، 10 أبريل 2025

مِشِّها كما تشاء ... فقط لا تتوقف عن السير

منذ أن كنت صغيرا، كنت أرافق والدي دائمًا عند توزيع الزكاة والصدقات على الفقراء والمحتاجين. كنا نذهب إلى أسر بسيطة نحمل معهم الطعام والشراب، ونزور مرضى نحمل إليهم المال والفواكه.
وحين كبرت وعملت في مجال الأورام، أصبحت الزكاة والصدقات تأخذ شكلاً مختلفًا: أدوية، أكياس دم، ومصاريف عمليات.
وقبل أيام قليلة، ذهبت مع أحد الأصدقاء إلى مستشفى العباسية للأمراض النفسية والعصبية، فوجدت عالمًا لم أعهده من قبل.
هؤلاء لا يُمكن وصفهم بأنهم فقط فقراء، أو فقط مرضى، أو فقط محتاجين… إنهم مزيج من الثلاثة.
رأيت صديقي يوزّع المال، والأدوية، وحتى الملابس. وأدركت كم أن أبسط الأشياء كحقيبة مطرزة، أو طرحة، أو حتى بنطال نظيف يمكن أن ترسم بسمة حقيقية على وجوه المرضى هناك.
وهنا دخلت في دوامة من الأسئلة:
هل تُصرف الأموال لسد احتياج أسرة للطعام وسداد فواتير المعيشة؟، أم لرسم بسمة على وجه محتاج؟، أم لإزالة ألم مريض لا يملك ثمن عملية؟، أم لعلاج مريض سرطان يتوق لجلسة كيماوي أو إشعاع؟
أتذكر حين بدأت حياتي المهنية، كنت أعمل مع مدير يرى أن الأغنياء، ممن يملكون مال الزكاة والصدقات، كالأشجار التي تُسقِط فاكهتها ليستفيد منها من يمر تحتها. ربما كانت نظريته صائبة من حيث المعنى، لكنها تفتقر لبعض الرحمة والإنسانية.
لكن، ماذا لو نفدت فاكهة الشجرة؟
هل يكون لظلها حينها قيمة تُذكَر للمحتاج؟
توزيع الزكاة والصدقات أصبح أمرًا في غاية التعقيد، لكثرة المحتاجين وارتفاع التكاليف.
وكم من مرة سألت نفسي: من أحق؟ ومن أولى؟
هل الطعام يسبق العلاج؟
هل الملابس والحقائب تسبق فواتير الكهرباء؟
هل مستلزمات المدارس تأتي في المقدمة أم في المؤخرة؟
ربما لا توجد إجابة واحدة صحيحة.
الأمر ببساطة: "مِشِّها كما تشاء"… فقط لا تتوقف عن السير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق