الأحد، 5 يناير 2025

العفاريت تكره المراوح

 

الشتا دايمًا كان ليه طابع خاص عندنا، مش بسبب البرد أو المطر، لكن بسبب البيت اللي عايشين فيه. بيتنا القديم، الكبير، اللي كان شكله من برة زي أي بيت عادي، لكنه جواه بيحكي قصة مختلفة تمامًا. قصة عن ضيوف غير مرحب بيهم، بيظهروا مع أول نسمة برد، بيتحركوا في الظلام، وبيخلوا كل ليلة مليانة رهبة وغموض.

في البداية، كنا بنحاول نتجاهل الإحساس ده، نقنع نفسنا إنه خوف من الخيال. لكن مع كل شتا كان الإحساس بيكبر، كأنه حاجة بتكبر مع البرد. أول مرة حسينا بالخطر الحقيقي كانت في ليلة مظلمة، البرد فيها كان بيقرص والبيت كله ساكت بشكل مريب. سمعنا أصوات خطوات، كأن حد بيتحرك حوالينا، والهواء كان بيمر من بين الشبابيك بطريقة غريبة، كأنه بيهمس. الأبواب كانت بتتحرك ببطئ وتتفتح لوحدها، وبدأنا نحس إن البيت مش ملكنا لوحدنا.

ما كانش فيه طريقة ننام، وكل واحد فينا كان متكتف في مكانه، خايف يروح أو حتى يتحرك. لحد ما قررنا نواجه اللي بيحصل. جربنا نقفل كل الشبابيك، نقرأ قرآن، لكن الأصوات ما بطلتش. كأن اللي موجود جوه البيت كان بيقول لنا إنه أقوى، وإنه مش ناوي يسيب المكان.

واحد من الكبار في العيلة، اللي عاش في البيت ده قبلنا، قرر يتكلم. قال بهدوء: "العفاريت بتحب السكون و تكره الرياح. لازم نستغل الفكره." كانت الفكرة غريبة، لكن لازم نجرب. شغلنا كل المراوح في البيت، من أول الريسيبشن لحد أوض النوم. صوت المراوح كان عالي، والهوا اللي بيعمله كان بارد و مستمر. فجأة، البيت كله بقى في حركة مستمرة، وكأننا بنطرد أي إحساس بالهدوء.

الأصوات اختفت، الخطوات سكتت، وكل حاجة بقت أهدى. لكن كان فيه أوضة واحدة، بابها مقفول، قررنا نسيبها من غير مراوح. كانت شبه اتفاقية بيننا وبينهم. الأوضة دي بقت مكانهم، والمراوح كانت حدودنا.

الليالي بعد كده كانت غريبة. كل ما تعدي إمام الأوضة، تحس بالبرد بيدخل جسمك، وبرغم إن الباب مقفول، كان في إحساس إن فيه عيون بتبص عليك من وراه. مفيش حد بيدخل الأوضة دي، ولا حتى بالنهار. وبرغم إننا حسينا بالأمان أكتر بعد الخطة دي، كلنا كنا عارفين إن العفاريت مش محبوسين للأبد. المراوح شغالة، لكن لو النور إتقطع و المراوح انطفت حتى لحظة... الله أعلم إيه اللي ممكن يحصل.

أول مرة وقّعت عقد شغل



#لما_كنت_موظف #الحياة_المهنية #البدايات_الوظيفية

فاكر اللحظة دي بكل تفاصيلها كأنها كانت مبارح. أول مرة وقّعت عقد وظيفة كانت لحظة من النوع اللي بتثبت في المخ، مليانة مشاعر مختلطة بين الحماس، الفخر، والخوف من المجهول.

قعدت قدام المدير في مكتبه، وهو بيتكلم بثقة وبيشرح لي بنود العقد بند بند. كنت بحاول أركز، بس الحقيقة إن جزء كبير من كلامه كان بالنسبة لي كأنه بلغة تانية. حاجات زي "ساعات العمل"، "المزايا"، و"الشروط الجزائية" كنت لسه ما دخلتش في تفاصيلها قبل كده. ومع ذلك، كنت بهز راسي وأقول: "تمام"، كأني خبير في العقود.

لما جالي القلم عشان أمضي، حسيت بثقل اللحظة. دي مش مجرد إمضاء على ورقة، دي خطوة بتربطني بمسؤوليات جديدة، خطوة بتقول إن أنا مش بس شخص بيدوّر على فرصة، لكني دلوقتي بقيت جزء من حاجة أكبر.

بصيت على اسمي مكتوب في العقد، وشعرت بفخر. حاجة كده زي: "أهو، رسميًا بقيت موظف. عندي شغل وعقد مكتوب باسمي!" اللحظة دي خلتني أحس إن كل تعب السنين اللي فاتت، سواء دراسة أو بحث عن شغل، ابتدى يثمر.

بعد ما مضيت، المدير ابتسم وقال: "مبروك، انت رسميًا جزء من فريقنا." الجملة دي كانت بالنسبالي أكتر من مجرد تهنئة. كانت زي ختم رسمي على البداية الجديدة.

خرجت من المكتب وأنا ماسك العقد في إيدي، أحساسي وقتها كان مزيج من الفخر والرعب. "طب يا ترى هقدر أثبت نفسي؟ هقدر أكون قد التوقعات؟" كلها أسئلة كانت بتلف في دماغي. بس في نفس الوقت، كنت متحمس جدًا للتجربة الجديدة، وللشغل اللي هيخليني أكبر وأتعلم.

أول توقيع على عقد شغل هو أكتر من مجرد لحظة في الحياة. هو بداية فصل جديد مليان تحديات، دروس، وفرص. ومهما حصل بعد كده، اللحظة دي بتفضل محفورة في الذاكرة، لأنها شهادة على أول خطوة حقيقية في عالم الشغل.

هتلاقي كل مقالات السلسلة في صفحتي في لينكدان
https://www.linkedin.com/in/amr-elnashar/

و كمان في صفحتي في الفيسبوك مع بقيت التجارب و المقالات
https://www.facebook.com/amr.adel.elnashar

و كمان في البلوج الشخصي 
https://amradelelnashar.blogspot.com/

السبت، 4 يناير 2025

لا تنتقد من ستكون مثلهم يومًا


#طريقتي_في_تربية_أولادي 

كلمة "تربية" دي كلمة كبيرة، ومش معناها بس اللي الأهل بيعملوه مع ولادهم، لأ دي طريقة حياة، وأسلوب تعامل مع الدنيا والناس. ومن أكتر الحاجات اللي ممكن نتعلّمها في التربية هي إننا ما ننتقدش الناس اللي ممكن نكون زيّهم يوم من الأيام.

تخيل إنك شاب صغير، كلّ اللي في دماغك إنك "مش عايز تبقى زي أهلك". بتحس إنهم مش فاهمينك، بتحس إنهم غلطانين في كل حاجة. بتكبر والانتقاد هو محور حياتك: "ليه أبويا بيعمل كده؟"، "ليه أمي بتفكّر بالطريقة دي؟".

بس بعد كام سنة، لما الزمن يدور والعُمر يجري، تلاقي نفسك بتقول نفس الكلام اللي هما قالوه، وبتعمل نفس التصرفات اللي كنت بتنتقدهم عليها. هنا تحس بحاجة غريبة: "أنا بقيت زيّهم!"

التربية بتقولك: مش معنى إنك شايف حد بيغلط دلوقتي، إنك أحسن منه. يمكن تجربته وظروفه هم اللي شكّلوه كده. وأهو الزمن ماشي، والدنيا بتعلّمنا إننا كلنا بنغلط، وكلنا بنتأثر باللي حوالينا.

قبل ما تنتقد حد، فكّر إنك في يوم ممكن تكون مكانه. الأب اللي بيتعصب على ولاده كان في يوم من الأيام زيك، شايف إن العصبية دي "مالهاش لازمة". الأم اللي بتحس إنها "مخنوقة" من بيتها كانت زمان بتحلم بالجواز والحب والبيت الدافي.

لما تبدأ تحس إنك عايز تنتقد حد، حاول الأول تفهم وجهة نظره. اسأله ليه بيعمل كده؟ إيه اللي وصله للمرحلة دي؟ يمكن تلاقي نفسك متعاطف معاه بدل ما تحكم عليه.

الحياة زي دائرة، وكلنا ماشيين فيها. ممكن النهارده تبقى برا الدائرة دي، بس بُكرة الزمن يخليك جوّاها. وعشان كده، خليك رحيم بالناس، زي ما تحب إنهم يكونوا رحماء بيك يوم ما تضعف أو تغلط.

كلامي مش مجرد نصيحة، دي فلسفة حياة. التواضع في حكمنا على الناس والتعاطف مع تجاربهم هما اللي بيخلونا نعيش في سلام أكتر. لأننا ببساطة.. بشر زيهم.

أول يوم عمل لي

أول يوم شغل لي كان زي بداية فيلم مليان أحداث وشخصيات جديدة، وكل مشهد فيه مخليني على أعصابي. قبل اليوم ده، كنت محضر كل حاجة بحرص شديد: اللبس، الكلام اللي ممكن أقوله، وحتى الابتسامة اللي لازم أظهر بيها. كنت عايز أسيب انطباع قوي من أول لحظة.
وصلت الشغل بدري جدًا، يمكن قبل معظم الموظفين، وقعدت في الاستقبال أستنى. الجو كان هادي جدًا، بس جوايا كان في عاصفة. كل حاجة حواليا كانت بتقول إني في مرحلة جديدة: ناس مختلفة، مكان مهيب بشكله الرسمي، ومكاتب مفيهاش مكان للتسيب.
لما المدير جالي وقال لي: "أهلا بيك، نتمنى تكون إضافة قوية للفريق"، حسيت بمزيج من الحماس والخوف. الكلمات بسيطة، بس وقعها كان تقيل عليّ. دي كانت لحظة الحقيقة.
أول مهمة استلمتها كانت تبدو سهلة: مراجعة بيانات في جدول وتسليمها. قلت لنفسي: "دي بداية لطيفة، أهو نبدأ بحاجة مش معقدة." بس وأنا شغال، التوتر لعب لعبته، ووقعت في غلطة بسيطة. نسيت أحفظ التعديلات اللي عملتها، ودي حاجة خلتني أعرق و أحس إن الأرض بتتهز تحت رجلي.
زميلي اللي كان قاعد جنبي لاحظ إني مرتبك، وجالي بابتسامة لطيفة وقال: "ما تقلقش، دا أول يوم، عادي جدًا تغلط. المهم إنك تاخد بالك المرة الجاية." الكلمة دي كانت كأنها حبل إنقاذ في بحر من التوتر. شكرته وكملت شغلي بحماس أكبر، مع وعد لنفسي إني أتعلم من كل تفصيلة.
في نهاية اليوم، وأنا ماشي، كان إحساسي مختلف. كنت فخور إن أول خطوة في مشواري المهني اتحققت، حتى لو كان فيها شوية تعثر. البدايات عمرها ما بتكون مثالية، لكنها بتكون مليانة دروس وأمل.
أول يوم شغل بيكون بداية الحلم، الخطوة الأولى على طريق طويل مليان تحديات ونجاحات. أول يوم شغل متخلهوش يعدي من غير إحتفال.
هتلاقي كل المقالات في صفحتي في لينكدان
و في صفحتي في الفيسبوك
و كمان هتكون موجوده في البلوج الشخصي

الجمعة، 3 يناير 2025

مقابلة العمل الأولى


#لما_كنت_موظف #الحياة_المهنية #البدايات_الوظيفية


أول مقابلة عمل، دي اللحظة اللي بتحدد فيها أول خطوة في مسيرتك المهنية. فاكر اليوم ده بكل تفاصيله كأنه كان مبارح. كنت متوتر جدًا، وكل حاجة حواليّ كانت محسوبة. لبست لبس رسمي، متأكد إن كل حاجة فيه مظبوطة، وربطت الكرافتة كأنها سر النجاح.


وصلت قبل الموعد بربع ساعة زي ما كل النصايح بتقول. قعدت في الاستقبال، وبقيت أراقب الناس حواليّ: الموظفين رايحين جايين، وشايلين ملفات، كأنهم جزء من نظام كبير وأنا لسه برة. كل شوية أبص على الساعة، أحاول أرتب الكلام اللي ممكن أقوله لو اتسألت. بس كل ما أرتب فكرة، ألاقيها تطير من دماغي مع أول نبضة توتر.


لما نادوا اسمي، حسيت قلبي بيدق أسرع. دخلت المكتب، وكان قدامي لجنة صغيرة من 3 أشخاص. بدأوا بابتسامات خفيفة، لكن ده ما شالش الرهبة اللي جوايا. أول سؤال كان: "عرفنا بنفسك." يمكن أبسط سؤال، لكن حسيت إن كل كلمة بتطلع مني لازم تكون دقيقة. بدأت أتكلم، ومشيت على الخط الفاصل بين الحماس والتوتر.


بعدها بدأوا يسألوا أسئلة أصعب. "ليه اخترت الوظيفة دي؟" و"إزاي ممكن تضيف قيمة لفريق العمل؟" كل سؤال كان كأنه امتحان مفاجئ، وأنا بحاول أجاوب بثقة حتى لو جوايا مش متأكد. لما سألوه عن تحدي واجهني وازاي إتعاملت معاه، حكيت عن موقف حصل معايا في الكلية، وكان واضح إنهم مهتمين يشوفوا إزاي بحل المشاكل.


في لحظة، حسيت إن المقابلة مش مجرد اختبار، لكنها فرصة. بدأت أتكلم براحة أكتر، وأركز على إن كلامي يبين شخصيتي بصدق. ولما قربت المقابلة تخلص، سألتهم عن تفاصيل أكتر عن طبيعة الشغل والمهام اليومية. ده خلاني أظهر اهتمام فعلي، وكان واضح إنهم قدروا النقطة دي.


خرجت من المكتب بحس متناقض: شوية توتر، شوية رضا، وشوية خوف من النتيجة. فضلت مستني الرد كأنه نتيجة امتحان ثانوية عامة. ولما وصلني الرد الإيجابي، الفرحة اللي حسيت بيها ما تتوصفش. حسيت إن أول خطوة في مسيرتي المهنية بقت حقيقة.


مقابلة العمل الأولى علمتني حاجات كتير: إنك مش لازم تكون مثالي، لكن لازم تكون صادق وواثق في نفسك. هي تجربة بتكسر حاجز الخوف وبتفتح الباب لفرص أكبر.


هتلاقي كل المقالات في صفحتي في لينكدان

https://www.linkedin.com/in/amr-elnashar/


و على صفحتي في الفيسبوك

https://www.facebook.com/amr.adel.elnashar


و كمان هتكون موجوده في البلوج الشخصي 

https://amradelelnashar.blogspot.com/


الخميس، 2 يناير 2025

الزمن المنقذ، لماذا نعود ... أليس هناك مكان وراء الوجود



الزمن المنقذ، هو زمن ليس هو المستقبل و ليس هو الغد. الزمن المنقذ هو حلم او محاولة حلم بالعودة للطفولة و السير ناحية الأمس.

و مع ثقل هذا الأمس، و محاولة هروبنا منه، إلا أنه يبدو اخف وقعا من الغد، ذلك المجهول، الذي لا يطاق. انتظار الغد يعني التفكير في برودة الايام او النظر ناحية الحفر.

نحتاج فعلا للهروب من مستقبلنا أكثر من الهروب من ماضينا. هي دائرة من اللازمان و اللامكان، دائرة يسميها الشعراء يوتوبيا الدنيا. منطقة يتخذ فيها الكمال و الخلود موضعا، و يتوقف فيها الزمان عن التأثير. هي الأفق الأزلي، و المكان الذي فيه شمس و لكن يموت فيه كل الضوء.

بين الأمس الساخن و الغد البارد يقع هذا الحاضر الرهيب، منطقة الفراغ، مكان يعبر فيه الزمن البليد ببطئ. تمتد فيه الدقائق لساعات، و تمثل فيه الساعات كأنها بهلوان بغيض، ثقيل الدم، يتململ بكره و برود و سط ضحكات البراءة الصغيره.

تسمو عندي فكرة الخروج من هذا الإطار الميت، بركوب القطار. فسرعته تخرج الوقت من بطئه، فيسير أسرع من عقاربه. كم مرة ركبته هربا من الساعات و من ملاحقة الأفكار و من ثقل الإنتظار.

هل الحل الوحيد للتغلب على الحاضر هو السير المستمر في اللامكان؟ و لكن بدون الوصول، فالوصول يعني النهاية. فهل الحل هو السير في مكان يتجاهل عامل الزمن؟

و لكن من ينقذنا من الزمن، اذا كان هو الوحيد القادر على كشف الحقيقة امام اعيننا، هو الوحيد القادر على إعادتنا لواقعنا و لأيامنا التي مضت.

فهل هذا المكان موجود، فلماذا نعود أم أنه مكان وراء الوجود.