الثلاثاء، 10 ديسمبر 2024

من كبد الدجاج لعلاج السرطان: هل الحل في التفاصيل الصغيرة

 

في واحدة من أغرب الدراسات الطبية اللي حصلت في القرن العشرين، جورج مينوت، عالم متخصص في أمراض الدم، قدر يحل لغز مرض كان بيقتل الناس وقتها وهو الأنيميا الخبيثة. الاسم لوحده يوحي إنها حاجة سرطانية أو معقدة جدًا، لكن الحقيقة إن سبب المرض كان حاجة بسيطة جدًا: نقص فيتامين ب12.

مينوت كان بيشتغل لسنين طويلة على علاج الأنيميا بكل أنواعها، وكان دايمًا بينجح لحد ما وقف قدام النوع ده اللي فضل يقاوم أي علاج لدرجة إنه تسمى على اسمه (أنيميا مينوت). وقتها كان الطب بيعتمد على الحديد لعلاج الأنيميا، لكن المرة دي المشكلة ماكانتش فيه. الفكرة كلها كانت في نقص عنصر واحد بس، وعلشان يكتشف ده عمل حاجة غريبة جدًا.

قرر مينوت يطعم المرضى كبد دجاج نِيّ ولحوم غير مطهية. حاجة طبعًا كانت تعتبر مجازفة وقتها، لكن النتيجة كانت مذهلة. المرضى خفوا، واتضح إن الكبد مليان بفيتامين ب12 اللي الجسم كان محتاجه. العلاج كان بسيط جدًا مقارنة بحجم المشكلة.

طيب السرطان ممكن نعالجه إزاي؟

لما نفكر في القصة دي، بنلاقي إن الحل ساعات بيكون في تفاصيل صغيرة. مينوت شاف المشكلة من زاوية تانية وركز على عنصر واحد كان مفقود، وده اللي خلى المرض اللي كان قاتل يتعالج ببساطة. السرطان يمكن يكون فيه نفس الفكرة: مش لازم دايمًا الحل يكون معقد أو مستحيل.

الطب دلوقتي ماشي في اتجاهات زي العلاج المناعي والجيني، وفيه أبحاث كتير بتدور حوالين ازاي نلاقي نقطة ضعف في الخلايا السرطانية ونهاجمها. القصة دي بتعلمنا إن الحل ممكن يكون قدامنا، بس محتاجين شوية تفكير برة الصندوق وشجاعة نجرب حاجة جديدة.

لو الأنيميا الخبيثة اللي كانت بتقتل الناس زمان اتحلت بكبد دجاج، مين عارف؟ يمكن السرطان يوم ما يجي علاجه نلاقيه حاجة بسيطة برضه، بس محتاجين نفهم جسمنا أكتر ونركز على التفاصيل الصغيرة اللي ممكن تكون مفتاح الحل.

و يبقى الأمل ...

الاثنين، 9 ديسمبر 2024

خطوبة متزوقة

 

الخطوبة بالنسبة لكثير من الناس هي المرحلة الأولى لبناء حياة جديدة مع شريك العمر. لكنها كمان ممكن تكون أكتر مرحلة مليانة تمثيل وتجمل، لأن كل طرف بيحاول يظهر بأحسن صورة قدام التاني. وهنا بتيجي المشكلة: هل الصورة دي هي الحقيقة؟ ولا مجرد قناع متزوق ممكن يقع في أي لحظة؟

فترة الخطوبة في الحقيقة زي مرحلة تزويق كده، كل واحد فيهم بيحاول يظهر بأحسن صورة قدام التاني. تلاقيه بيزوق لبسه، طريقته في الكلام، طريقته في التفكير وحتى نظراته بتبقى متزوقة، وكل ده عشان يسيب انطباع حلو.

في الوقت ده، كل طرف بيجتهد يكون الشخص اللي التاني نفسه يشوفه، مش الشخص الحقيقي اللي هو عليه. يعني باختصار، فترة الخطوبة ممكن تبقى شوية تمثيل وتلميع وتزييف للواقع.

لكن اللي بيحصل غالبًا إن لو الفترة طالت شوية، الأقنعة بتبدأ تقع. لأن مش منطقي تفضل متمسك بالقناع ده طول الوقت. بيجي وقت والتعاملات اليومية والمواقف المختلفة بتبدأ تكشف الحقيقة. الصفات الحقيقية للشخصية بتظهر، وكمان المشاكل اللي كان الواحد بيحاول يخبيها بتبدأ تبان.

علامات الشخصية المضطربة أو المشاكل اللي كانت مستخبية بتبدأ تطلع على السطح. الخلافات بتزيد، والمواقف بتوضح إذا كان الشخص ده على حقيقته فعلاً شخص مناسب وجيد ولا مجرد صورة متزوقة مفيش فيها أي أصالة.

المواقف الحقيقية هي اللي بتحدد جودة الشخصية. إما يبقى في توافق حقيقي وصادق أو تظهر الحقيقة اللي ساعات بتبقى صادمة جدًا.

خلي فترة الخطوبة فرصة للتعارف الحقيقي، مش للتمثيل. حاول تكون صادق مع نفسك ومع الطرف التاني. لأن الحب الحقيقي أساسه الصدق، ولو البداية كانت على حقيقتك، النهاية دايمًا هتكون أسعد وأثبت.

الشخص اللي حبك على حقيقتك هو اللي هيقدر يكمل معاك الطريق، أما اللي حب الصورة اللي انت زوقتها، هيمشي أول ما الصورة تتغير.

الأحد، 8 ديسمبر 2024

أبني إبني



تخيل إن أجسامنا عبارة عن قطع تركيب، زي البازل، وكل يوم بيعدي بنفكك نفسنا ونقدم جزء من القطع لأولادنا عشان يبنوا حياتهم. كأننا بنقدم نفسنا قطعة قطعة، بحب وبإرادة، وبنشوف قدام عنينا كيف بيتشكلوا ويكبروا باستخدام اللي احنا بنسيبه ليهم.

كل يوم، بتدي لطفلك قطعة جديدة منك، يمكن تكون عينك، اللي شايف بيها العالم بوضوح، بتفكها من عندك وتديها ليه عشان يشوف بيها بعيونه، وكل ما يكبر، عيونه تقوى على حساب عينك اللي بدأت تضعف. قلبك برضه، كأنك بتطلع منه قطعة وبتحطها فيه، عشان دقاته تقوى، ويكون قلبه صلب وقادر يواجه الحياة، بينما قلبك إنت بيشيل أثقال الأيام.

وكل ما تمر الأيام، بتبدأ تلاحظ إن جسمك بيبقى فاضي شوية شوية، وكل قطعة نقصت منك، بتظهر فيهم، بتكبر جواهم. وبتيجي لحظة تلاقيهم كبروا، بقى عندهم الكتير من اللي كان فيك، وساعات يمشوا في طريق مختلف. بس ساعتها، هتفتكر إنهم شايلين كل اللي انت ضحيت بيه، لأن حياتك بقت مبنية جوه أجسامهم.

ورغم التعب، ورغم إنك بقيت تحس نفسك بتتفتت، بتبقى عارف إن كل قطعة راحت لهم كانت جزء من حبك. انت مش بس بنيت حياتك، لكن رسمت مستقبلهم بقطع من جسدك، وفضلت عايش جواهم حتى لو هم بعدوا.

السبت، 7 ديسمبر 2024

عمرو عجينة


وأنا بتخيل نفسي عجينة، بحس إن رحلتي تبدأ بخطوات بسيطة لكنها مليانة معنى. أول خطوة بتكون الدقيق، زي الأساس اللي حياتي مبنية عليه. الدقيق ده ممكن يكون أحلامي، أفكاري، أو حتى ذكرياتي. بعد كده، ييجي الميه. المياه دي بتضيف ليّ حياة، زي الأشخاص اللي بيعدوا في حياتي، اللي بيعلموني ويغيروني من غير ما يحسوا.
بعد كده، أضيف شوية ملح. الملح ده يمكن صغير في كميته، لكنه ضروري، زي الدروس اللي أتعلمها من التحديات والمواقف الصعبة. الدروس دي بتديني طعم مختلف، حاجة تخلي شخصيتي مميزة.
ييجي دور الخميرة، وده الجزء اللي بيعبر عن الفرص اللي بتحصل لي. ممكن تبقى فرصة شغل، لقاء غير متوقع، أو حتى فكرة جديدة تخليني أنمو وأعلى، زي ما الخميرة بتعلي العجينة.
بعد ما أخلط كل ده، يبدأ العجن. العجن هو الضغط، التوتر، الأيام اللي بتشدني وتخليني أحس إني مش قادر أكمّل. بس في وسط العجن ده، بلاقي نفسي بتماسك أكتر، بشوف إزاي الضغط ده مش بيكسرني، بل بيجهزني للمرحلة اللي جاية.
بعد كده أسيب نفسي (العجينة) ترتاح. الراحة دي مش رفاهية، لكنها ضرورة. وقت للتفكير، للتأمل، لإعادة ترتيب أولوياتي. الراحة دي هي اللي بتديني القوة أكمل وأواجه اللي جاي.
وأخيرًا، أتحط في الفرن. النار دي صعبة، حرارتها شديدة، لكنها هي اللي بتحوّل العجينة من مجرد كتلة لخبز ناضج. دي اللحظة اللي بعرف فيها قد إيه أنا قوي، وقد إيه التجارب دي كلها كانت لازمة عشان أوصل للشكل النهائي، مستعد أدي أفضل ما عندي.
كل خطوة في العجن بتعلمني حاجة، وكل ضغطة بتحفر جوايا درس جديد. وفي الآخر، بأخرج من الفرن، عيش جاهز، بسيط في شكله لكن مليان معاني.

الخميس، 5 ديسمبر 2024

ارفض أن أجري وراء ظلي

 

أوقات الواحد بيحس إنه بيجري ورا حاجات زي خياله، حاجة مفيش منها فايدة فعلية، مجرد وهم بيوهم نفسه إنه لازم يوصل له. بس ليه؟ ليه كل السعي ده ورا حاجة مالهاش وجود أو مش بتستاهل؟

في حياتنا فيه حاجات بنكون شايفينها هدف، حلم، حاجة عايزين نحققها بأي طريقة، لكن الحقيقة ساعات بتكون خيالات بنخدع نفسنا بها. زي ما تكون بتجري ورا ضلك، حاجة عمرك ما هتوصلها لإنها مجرد انعكاس، حاجة مش ملموسة، وهم بنستنزف عمرنا وطاقتنا عشانه.

الفكرة بتيجي من رغبتنا إننا نحقق حاجة، نبقى مميزين، نثبت لنفسنا وللعالم إننا قادرين. بس للأسف، لو الهدف ده مش مبني على أساس واضح ومش مرتبط بواقعنا واحتياجاتنا الحقيقية، يبقى مجرد سراب. بنمشي وراه لحد ما نضيع في الطريق وننسى أصلاً إحنا مين وعايزين إيه بجد.

في وقت لازم الواحد يقف مع نفسه ويشوف إذا كان فعلاً بيجري ورا حاجة تستحق ولا مجرد خيالات. هل الضل اللي بتطارده ده بيديك قيمة، بيفيدك، بيسعدك؟ ولا هو مجرد وهم خايف تواجهه وتكتشف إنه كان مجرد حاجة فاضية؟

القرارات دي صعبة، مش أي حد عنده الجرأة إنه يسيب حاجة كان بيجري وراها فترة طويلة. بس لو قررت تسيب الوهم ده وتركز على حاجات حقيقية، هتلاقي نفسك في مكان أحسن، بتحقق حاجة حقيقية بتفيدك وتكبرك.

الأربعاء، 4 ديسمبر 2024

ليس للأشجار هرم اداري

  

الأشجار، رغم بساطتها الظاهرة، بتخبي في طيّاتها حكمة عميقة، بتخلينا نفكر: ليه الشجر ما عندوش هرم إداري؟ مفيش رئيس، مفيش مرؤوس، وكل ورقة وكل فرع شغالين بتناغم غريب. الشجرة بتكبر في صمت، الجذور بتغوص في الأرض تدور على المياه، الفروع بتتمد للسماء، وكل جزء فيها عارف دوره من غير أوامر.

لو بصينا للشجرة هنلاقيها بتشتغل بنظام مختلف تمامًا عن اللي احنا متعودين عليه في عالمنا. مفيش ورقة بتحس إنها أهم من غيرها، ولا فرع بيقول إنه القائد، ومفيش جزء بيتباهى إنه الأساس. الكل بيشتغل مع بعض علشان الشجرة تفضل عايشة. حتى لو ورقة وقعت، مش بتشتكي، بالعكس، بتسيب مكانها بهدوء علشان تدي مساحة للورقة الجديدة.

التناغم ده بيعلمنا حاجة مهمة جدًا: الإدارة مش دايمًا محتاجة تسلسل هرمي وتعقيدات. ساعات البساطة والتناغم الطبيعي هما الحل. كل ورقة، كل فرع، وكل جذر عارف مهمته، وده بيخلي الشجرة تكبر في صمت، بإصرار وثبات. مفيش صراعات، مفيش منافسة غير صحية، كله بيشتغل لمصلحة الكل.

لو فكرنا شوية، هنلاقي إن الحياة بتاعتنا ممكن تبقى أبسط وأجمل لو تعاملنا زي الأشجار. نشتغل مع بعض بتفاهم، من غير تنافس مؤذي، وكل حد فينا يبقى عارف دوره ويؤديه بحب وإخلاص. الشجرة بتقول لنا إن النجاح الحقيقي هو إن الكل يكمل بعض، مش حد يعلو على حد.

فيمكن، في عالم الإدارة، نحتاج نتعلم شوية من الشجر: البساطة، التفاهم، والتعاون الحقيقي اللي ما بيعرفش الغيرة ولا السلطة.