الثلاثاء، 17 ديسمبر 2024

السرطان لا يفكر في مستقبله

 

السرطان مرض قاسي، بيدخل حياة الناس بدون استئذان، يغير كل حاجة فجأة، وبيجبرك تعيد ترتيب أولوياتك. لكن لو فكرنا فيه ككائن حي، هنلاقي إنه مش بيخطط، ولا بيفكر في المستقبل زي ما إحنا بنعمل. السرطان عايش اللحظة، شغال على هدف واحد بس: النمو والسيطرة.

هو مش مهتم إذا كان اللي بيعمله هيؤدي لنهايته أو حتى لنهاية الجسم اللي هو جزء منه. عايش كأنه عنده شهوة حياة بس حياة قصيرة الأمد، ودي يمكن أكتر حاجة بتفرق بينه وبين الكائنات التانية. إحنا بنخطط، بنبني، بنفكر في بكرة، لكن السرطان مجرد اندفاع أعمى.

الغريب إن تفكيره البسيط ده هو اللي بيخليه مدمر جدًا. لأنه لو فكر، لو حسب العواقب، كان هيعرف إنه لما يدمر الجسم اللي عايش فيه، هو كمان هينتهي. لكن طبيعته كده، مبرمج على فكرة واحدة: استغل الموارد من غير تفكير.

لو بصينا للسرطان كرمز، ممكن نتعلم حاجة مهمة. كل مرة بنعيش فيها يومنا بس من غير تخطيط، بنسيب مشاكلنا تكبر زي السرطان. كل مرة بنهدر مواردنا أو وقتنا من غير ما نحسب تأثير ده على المستقبل، بنكرر نفس الفكرة: النمو الأعمى اللي في الآخر هيخلينا ندفع تمن غالي.

السرطان مش بيفكر في مستقبله لأنه ببساطة مش هيعيش عشان يشوفه. السؤال هنا: إحنا بنفكر في مستقبلنا؟ ولا سايبين الحياة تاخدنا زي موجة ماشيه على طريقة السرطان؟

الاثنين، 16 ديسمبر 2024

أبراج داخل أنفاق

 

داخل نفق طويل مليان حكايات ونصايح، واحدة بتحكي للتانية بحماس وكأنها ماسكة مفتاح أسرار الحياة. بتقولها: "بصي يا حبيبتي، قبل ما تفكري تدخلي أي علاقة جدية، لازم تذاكري الأبراج كويس جدًا. الأبراج في الأول بتوفر عليكي وقت كبير ومجهود، لأنها بتخليكي تعرفي كتير عن الشخص اللي قدامك من غير ما تسأليه ولا تحطيه في مواقف."

بتكمل كلامها وكأنها عالمة في الموضوع: "الأبراج مش مجرد كلام فاضي، دي تجارب متكررة بتثبت أن الشخصيات بتتشابه على حسب البرج. تعرفي تصرفاته، طريقة تفكيره، وحتى ردود أفعاله في المواقف المختلفة. بس طبعًا، لكل قاعدة شواذ."

وتبدأ تقدم نصايح عملية: "إتمرني على معرفة الأبراج من طريقة كلام الناس، حركاتهم، وحتى أسلوبهم. ولو قدرتي تعرفي برجه من غير ما تسأليه وطلع صح، يبقى كسبتي قلبه قبل ما تكسب عقله. قولي له كام صفة حلوة عن برجه، وشوفي الفرح في عينيه. هيصدقك على طول ويطلب منك تقولي أكتر. بس خليكي ذكية، ركزي على المميزات، وسيبي العيوب على جنب."

بتضحك وهي تضيف: "الصفات الحلوة دي هتشبع غروره وتخليه يحس إنه مميز جدًا في عيونك، وإنك الوحيدة اللي شايفة جماله الحقيقي، الجمال اللي حتى أهله وأصحابه مش شايفينه. بس خلي بالك، متصدقيش الكلام ده كله إلا لما يثبته بنفسه، لأن الرجال أوقات بيكونوا... عارفين، مش مضمونين. دي أصول اللعبة يا قمر!"

وأنا واقف، مستغرب، مش لاقي كلام أرد بيه. بس طالما قالت إنه "علم" و"تجارب وخبرات"، شكلي هسكت وأتفرج.

الأحد، 15 ديسمبر 2024

زنقة الأطفال بين خناقات الكبار

 

ممكن الطفل يلاقي نفسه خايف ومش فاهم لما يشوف أبوه وأمه بيتخانقوا، وده حاجة طبيعية جدًا. الطفل بطبعه حساس، وبيشعر بكل حاجة بتحصل حواليه، وخصوصًا لما يتعلق الأمر بالناس اللي بيحبهم وبيحس بالأمان معاهم. لما الأب والأم يتخانقوا، الطفل بيحس إن فيه حاجة غلط، وده بيخليه خايف على عيلته وبيته.

الطفل بيخاف إن الخناقات دي ممكن تؤثر على حياته اليومية، زي إنه مش هيحس بالراحة في البيت، أو إن أبوه وأمه ممكن ينفصلوا، وده ممكن يغير حياته كلها. الخوف ده بيجي من إنه مش فاهم الخناقات دي ليه بتحصل أو هتنتهي إزاي.

لما الطفل يشوف الخناقات دي، ممكن يترجمها بطريقته الخاصة ويبدأ يحس بالقلق على أبوه وأمه. ممكن يفكر إنهم مش بيحبوا بعض زي الأول، أو إن البيت ممكن يبقى أقل أمانًا بالنسبة له. كل الحاجات دي بتعمل له قلق وتوتر، وبيكون محتاج حد يطمنه.

من المهم جدًا إن الأب والأم ياخدوا بالهم من شعور طفلهم لما يحصل أي خلاف بينهم. لازم يوضحوا له إن الخلافات دي حاجة طبيعية بتحصل بين الكبار، وإنهم بيحبوا بعض مهما حصل. كمان مهم يطمنوه إن البيت هيكون دايمًا مكان آمن له، وإنهم موجودين معاه وبيحبوه.

الطفل محتاج يسمع كلام مطمئن من أهله، زي إنهم بيحاولوا يحلوا المشاكل بطريقة كويسة، وإن الخناقات دي مش هتأثر عليه أو على حياتهم سوا. التواصل مع الطفل بشكل صريح ومباشر بيقدر يخفف من خوفه وقلقه، ويخليه يحس بالراحة والأمان في بيته وعيلته.

لازم نفهم إن الخوف ده طبيعي جدًا، ومهم إننا نحاول نتعامل معاه بالطريقة الصح، عشان نساعد الطفل يحس بالأمان والراحة في وسط عيلته مهما كانت الظروف.

السبت، 14 ديسمبر 2024

نداء الفأر الصامت

 

كان هناك فأر صغير، يعيش طوال حياته في الجحور المظلمة والشوارع المكتظة. كان يشعر بالملل من حياته الروتينية والبحث الدائم عن الطعام. كل يوم كان يبدو مثل الآخر، ومع مرور الوقت، بدأ يشعر بالكآبة واليأس. لم يكن هناك شيء يثير إهتمامه، ولا مغامرة يمكن أن تغير من حاله. كان يبحث عن نهاية مختلفة، نهاية تليق بشعوره المتزايد بعدم الجدوى.

في يوم من الأيام، بينما كان يتجول في أحد الأحياء، رأى مختبرًا علميًا. كانت النوافذ الكبيرة تضيء بالأضواء الساطعة والأجهزة الغريبة التي تملأ المكان. قرر الفأر أن هذه قد تكون فرصته للخروج من حياته الرتيبة. أراد شيئًا جديدًا، حتى لو كان يعني نهايته. لم يكن يبحث عن الموت فقط، بل كان يبحث عن مغامرة أخيرة، عن تجربة تعطي لحياته معنى في لحظاتها الأخيرة.

تسلل الفأر الصغير إلى المختبر عبر فتحة صغيرة جدا في الجدار. شعر بالخوف والتوتر، لكن الفضول تغلب عليه. داخل المختبر، رأى العلماء يعملون بجد على تجاربهم، وأدرك أن هذا هو المكان الذي يمكن أن يجد فيه شيئًا مختلفًا. ربما كانت هذه التجارب العلمية هي ما سيمنحه نهاية ملحمية، نهاية تجعله يشعر بأنه فعل شيئًا مختلفًا عن باقي فئران مجموعته.

بينما كان يتجول بين الطاولات والأجهزة، لاحظ قفصًا يحتوي على مواد غريبة ومختلفة. قفز إلى الداخل وبدأ يفحص ما حوله. كانت هناك حقنة صغيرة تحتوي على سائل لامع. قرر أن يجرب حظه وأخذ الحقنة بين أسنانه وحقن نفسه بالسائل.

بدأ يشعر بتغيرات غريبة في جسده. في البداية، كان هناك إحساس بالراحة، ثم بدأت الأضواء حوله تتلاشى. أدرك أنه حصل أخيرًا على ما كان يبحث عنه، موتًا مختلفًا ونهاية لحياة لم يكن سعيدًا بها. كان يشعر بأنه بطل في قصة علمية، وأن نهايته ستكون مميزة كما كان يحلم.

استلقى في القفص، وابتسم للمرة الأولى منذ زمن طويل. وأغمض عينيه بهدوء، تاركًا وراءه عالم الجحور المظلمة والحياة المتعبة، ومتجهًا إلى المجهول بنهاية جديدة وغير متوقعة.

عندما اكتشف العلماء ما حدث للفأر، أصيبوا بصدمة كبيرة. لم يكن أحد يتوقع أن فأرًا يمكن أن يتصرف بهذه الطريقة. بدأت الأسئلة تتراكم حول أخلاقيات استخدام الفئران في التجارب العلمية. أدرك العلماء أنه لم يكن مجرد فأر عادي، بل كان رمزًا لكل الفئران التي تعاني في صمت.

الخميس، 12 ديسمبر 2024

الأسد لا يليق بك

 

الأسد دايمًا رمز للقوة والهيبة، بس الحقيقة قوته الحقيقة مش في حجمه ولا شكله، إنما في صوته. زئير الأسد هو اللي بيزرع الرهبة في قلب كل اللي حواليه، وبيخلي حضوره طاغي رغم إن فيه حيوانات أسرع وأقوى منه. الصوت ده هو اللي بيعمل التأثير وبيخلينا نشوفه كملك الغابة.

لكن لو شلنا صوت الأسد، هيبقى مجرد حيوان كبير. قوته هتقل لأن الزئير هو مصدر الرهبة اللي بيسيطر بيها. وده يخلينا نفكر، هل القوة الحقيقة محتاجة تكون شكل معين أو صوت عالي؟ مش شرط. القوة ليها أشكال كتير، مش بس اللي بنشوفه أو بنسمعه.

زي ما الأسد قوته في صوته، فيه ناس قوتها في صمتها، في عقلها، أو في مواقفها اللي بتسيب أثر. الإنسان القوي مش لازم يكون شبه الأسد، ولا لازم يكون صوته عالي علشان يتشاف. المهم إنه يعرف قوته الحقيقية، سواء كانت في كلمة حكيمة، صبر على المواقف الصعبة، أو تصرف في اللحظة الصح.

الأربعاء، 11 ديسمبر 2024

الشجرة الضخمة تعطي ظلا لا ثمرا

 


لما نبص للشجرة الضخمة من زاوية إدارية، هنلاقي إنها بتدينا مثال واضح على مشكلة شائعة في أي نظام أو مؤسسة: الحجم الكبير مش دايمًا دليل على الكفاءة أو الإنتاجية. الشجرة الضخمة صحيح بتدي ظل، وبتشكل مظهر مبهر، لكنها في نفس الوقت مش بتدي ثمار، وده بيخلينا نسأل سؤال مهم: هل الحجم وحده كفاية؟


في الإدارة، كتير بنشوف كيانات ضخمة، عندها موارد كبيرة وأعداد موظفين هائلة، لكن لما تيجي تقيم إنتاجيتها أو تأثيرها الحقيقي، تلاقيها أقل بكتير من المتوقع. السبب هنا بيكون في التركيز على الشكل الخارجي بدل الجوهر. زي الشجرة اللي صرفت كل طاقتها على النمو الجانبي والطول، لكنها نسيت دورها الأساسي: إنتاج الثمار.


الدرس الإداري هنا هو أهمية التوازن. الحجم الكبير مش عيب في حد ذاته، لكنه لازم يكون مدعوم بفعالية. المؤسسات، زي الشجرة، لو ركزت بس على التوسع والشكل من غير ما تطور من قدراتها الإنتاجية، هتلاقي نفسها مجرد كيان بيستهلك الموارد من غير عائد حقيقي.


كمان فيه نقطة تانية مهمة: الظل اللي بتوفره الشجرة الضخمة ممكن يكون مفيد لفترة، لكنه ما يحلش مكان الثمار. في عالم الإدارة، ده يشبه الكيانات اللي بتوفر راحة مؤقتة أو حلول ظاهرية، لكنها ما بتضيفش قيمة طويلة المدى.


عشان كده، الإدارة الناجحة لازم تسأل نفسها دايمًا: هل إحنا بنزرع ثمار؟ ولا بنكتفي بالشكل الخارجي؟ وهل الموارد اللي بنستهلكها بتترجم لعائد ملموس؟ من غير الإجابة عن الأسئلة دي، أي مؤسسة هتبقى زي الشجرة الضخمة: منظر جميل، لكن من غير فايدة حقيقية.