الثلاثاء، 3 ديسمبر 2024

سجين السرطان ... إستبداد أم إستبعاد

 

السرطان كائن يستطيع بكل بساطه أن يغزو كل مخيلاتك، يشغل ذكرياتك، و يتغلغل في ثنايا جميع محادثاتك. إنه يستنفذ منك الحياة. هذا حال من يعمل معه، أما من يمرض به فهو سجين بمعنى الكلمه.

حياة سجين السرطان كحياة أي سجين آخر ( محبوس)، مستبعد عن الحياة، محكوم عليه بالوحده. عند دخول المريض لعالم السرطان فقد دخل لمعسكر إستبداد. معسكر فيه مشاعر العجز الجسدي و الإنهاك الفكري لا حدود لهما.

يحاول كثيرا من يعمل في علاج السرطان كيفية رعاية مريض السرطان، و لكنه لن يتعلم في البداية إلا كيف يكون سجانا، ثم يختار البعض منهم الرحمه، فيكون سجانا رحيما، فيبتعد عن الإستبداد و لكنه يأمر بالإستبعاد.

السرطان كائن قوي، له حبلا سميكا، يرتبط بالمريض و الطبيب و يربطهم معا، يسحبهم حوله، يجعلهم يدورون حوله. يفرض سيطرته عليهم، يغرقهم تماما في عالمه و في دوامته.

السرطان ككائن متسلط، يمسك بزمام الأمور ويفرض سيطرته على جميع من حوله. حياة المريض تتغير بالكامل، وكأنها أصبحت تدور في فلك جديد مليء بالتحديات والآلام. حتى الأطباء، الذين يُفترض أن يكونوا القادة في هذه المعركة، يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان متحكمين بتوجيهات المرض أكثر من كونهم قادة في مسيرة العلاج.

في هذا السياق، نجد أن العلاقة بين المريض والطبيب معقدة للغاية. الطبيب يسعى جاهدًا لفهم آليات السرطان وتقديم أفضل العلاجات، لكنه أيضًا محكوم بحدود العلم والتكنولوجيا الحالية. يتعلم الطبيب كيف يكون رحيمًا مع مريضه، يحاول تخفيف معاناته الجسدية والنفسية، لكن تبقى الحقيقة أنه يعمل ضمن نظام صارم، نظام يستبعد أحيانًا الأمل.

السرطان كإمبراطور لا يكتفي فقط بتأثيره على الجسد، بل يمتد ليشمل الحياة الاجتماعية والنفسية للمريض. المريض يشعر بالعزلة، وكأنه مستبعد عن الحياة الطبيعية، حيث يصبح كل شيء يدور حول المرض والعلاج. الأصدقاء والعائلة قد يجدون صعوبة في فهم المعاناة الكاملة، مما يزيد من شعور المريض بالوحدة.

معركة السرطان ليست فقط معركة جسدية، بل هي معركة نفسية واجتماعية أيضًا. المجتمع الطبي يسعى جاهدًا لتقديم الدعم والرعاية، ولكن التحدي يبقى كبيرًا. السرطان يفرض واقعه القاسي، ولكن بإرادة قوية وتفهم من الجميع، يمكن التخفيف من وطأة هذا الاستبداد وتحقيق بعض من الراحة والأمل للمريض.

السرطان قد يكون سجانًا قاسيًا، لكن العزيمة والإرادة والتضامن يمكن أن تكون الأسلحة الأقوى في مواجهة هذا العدو. الأمل يكمن في استمرار الأبحاث والتطورات الطبية التي قد تقودنا يومًا ما إلى كسر قيود هذا السجن، وتحرير من يعاني من هذا المرض اللعين.

و يبقى الأمل ...

الاثنين، 2 ديسمبر 2024

من ضحية إلى شريكة ... من ثقة مفقودة إلى أمل متجدد

  

في مجتمع مليان ضغوط وتوقعات، بتظهر أحيانًا شخصية "الضحية"، خصوصًا عند الزوجة اللي بتعاني من فقدان الثقة في نفسها، وده بيكون نتيجة لتربية قاسية أو بيت مفكك، وأحيانًا المجتمع نفسه بيكون جزء من المشكلة. الزوجة اللي حاسة إنها ضحية بتبقى شايلة جواها إحساس بالضعف والكسر، وده بيأثر مش بس عليها، لكن كمان على جوزها وبيتها كله.

الزوجة الضحية هي اللي حبت وخلصت لجوزها، لكن جوه عقلها وقلبها دايمًا في صوت بيقولها إنها مش كفاية، وده بيخليها في حالة عطش مستمر للثقة والاهتمام، بتدور عليهم كأنهم مش موجودين أصلاً. النتيجة؟ جوزها اللي بيحبها بيلقي نفسه قدام تحدي كبير، هو شايف جمالها وطيبتها، لكن مش قادر يريحها من شكوكها، وبيفضل دايمًا يحاول ويفشل.

المشكلة إن العلاقة دي بتتحول لدائرة مقفولة من الألم، الزوجة بتكون متعطشة للاهتمام، والزوج بيحاول بكل طاقته، لكن برضه بيحس إنه مقصر. وفي الآخر، كل طرف بيتحول لضحية، وبدل ما البيت يبقى مكان للراحة والحب، بيتحول لساحة مليانة توتر وقلق.

علشان نكسر الدائرة دي، لازم الطرفين يكون عندهم وعي وجهد مشترك. الزوجة محتاجة تشتغل على نفسها، تتعلم تحب ذاتها وتصدق إنها تستحق الحب والاهتمام اللي جوزها بيقدمهم. والزوج بدوره لازم يكون صبور، ويبقى الدعم اللي محتاجاه وهي بتتعلم تعيد بناء ثقتها بنفسها.

بالتفاهم والصبر، العلاقة ممكن تتحول لشراكة حقيقية، فيها احترام متبادل وثقة، وده اللي هيخلي البيت مليان حب وهدوء، بدل ما يكون مليان خوف وقلق.

الأحد، 1 ديسمبر 2024

خَرجْت مني و تَفرجْت عليا



عندما أصبحت أبًا، كنت أعتقد أن الأبوة تعني القيادة والسيطرة، وأن دوري هو أن أكون الشخص الذي يحمل جميع الإجابات. وضعت لنفسي توقعات عالية، ورسمت صورة مثالية عن القدوة التي يجب أن أكونها. لكن مع مرور الوقت، وجدت أن الأبوّة ليست كذلك. أدركت أنها ليست مجرد توجيه أو فرض للقواعد، بل هي رحلة تعلم مستمرة، مليئة بالتحديات والمفاجآت.

خرجت من جسدي يومًا، ونظرت إلى أبوتي كأنني مشاهد. رأيت أخطائي، لحظات ضعفي، وتلك اللحظات التي شعرت فيها بالقصور. لم يكن هدفي أن أكون مثاليًا، بل أن أتعلم كيف أستمع، ليس فقط لما يقال، بل لما لا يقال. تعلمت أن الأبوّة ليست سبيلًا للسيطرة، بل هي مساحة للنمو المشترك بيني وبين أطفالي. كل يوم أتعلم كيف أكون حاضراً بصدق، كيف أترك لهم مساحة ليكتشفوا العالم بأنفسهم، وكيف أكون سندًا لهم عند تعثرهم.

الأبوة هي درس مستمر في التموضع والتفهم، رحلة تتطلب الصبر والإصغاء. ليس المطلوب أن أكون كاملاً، بل أن أقبل ضعفي وأتعلم منه. أدركت أن الأبوّة ليست نهاية المطاف، بل هي فرصة يومية لأكون أفضل، وأكثر صبرًا وتفهمًا، وأكثر قدرة على تقديم الحب دون شروط.

الجمعة، 29 نوفمبر 2024

أسى أسيرة في أسرة ميسورة

 

في المجتمعات الميسورة، أحيانًا بنلاقي تناقض بين الرفاهية المادية والحرية الشخصية. رغم إن البنات في العائلات دي بيكون عندهم كل وسائل الراحة، زي الفلوس والتعليم الجيد والسفر، بيظهر نوع تاني من القيود اللي مش باين للوهلة الأولى. القيود دي بتتمثل في التقاليد الاجتماعية والأفكار اللي بتفرضها الأسرة على بناتها، وبتمنعهم من التعبير عن نفسهم بحرية.

الأسرة، في كتير من الحالات، بتكون مصدر حب ودعم، لكن في نفس الوقت بتكون كمان مصدر لتوقعات وضغوط بتحدد "الطريق الصح" للحياة من وجهة نظرهم. الأهل بيكونوا مقتنعين إنهم عارفين الأفضل لبنتهم، وإنهم بيوجهوها لتحقيق النجاح والسعادة، لكن الحقيقة، مش دايمًا اللي هم شايفينه "صح" بيكون مناسب لكل واحدة.

اللي بيحصل إن البنت الأسيرة ممكن تحس إنها محبوسة جوه إطار مرسوم لها، مش قادرة تاخد قراراتها بنفسها أو تعيش بالطريقة اللي هي عايزاها. الأفكار دي ممكن تخليها تحس إنها مش بتحقق ذاتها، وإن حياتها مش بتعبر عن رغباتها وأحلامها، لكن عن توقعات الأسرة والمجتمع.

الصراع هنا بيظهر لما تبدأ تحاول تخرج عن الأفكار اللي اتحطت لها. المواجهة مش سهلة، لأن دايمًا فيه خوف من فقدان دعم الأسرة أو الشعور بالذنب تجاههم. لكن في نفس الوقت، بتبدأ تفهم إن الحرية الحقيقية هي إنها تعيش حياتها زي ما هي عايزة، مش زي ما أهلها عايزينها تعيش.

التحرر من القيود دي مش معناه رفض الأسرة أو تقاليدها بشكل كامل، لكن هو محاولة لتحقيق توازن بين احترام العائلة وبين بناء حياة خاصة بيها، حياة تعبر عن رغباتها واختياراتها الشخصية.

الأربعاء، 27 نوفمبر 2024

الشجر لا يطلب الشكر

 

الشجر كائن صامت، لكنه يحمل حكمة عميقة تُعلّمنا عن الصبر والعطاء بلا مقابل. الشجرة بتقف وحيدة في قلب الطبيعة، ثابتة في مكانها، لا بتشتكي ولا بتطلب حاجة، لكن رغم الوحدة والإهمال، بتظل تعطي ثمارها في هدوء. كأنها بتقول لنا: "أنا موجودة عشان أعطي، مش عشان آخد".

في أوقات كتير، ممكن نمرّ بفترات بنحس فيها إننا لوحدنا، محدش مهتم، ولا حد شايف اللي بنعمله. زي الشجرة، ممكن نحس إن مفيش حد بيعتني بينا، لكن الحقيقة إن العطاء مش محتاج مقابل دايمًا. الشجرة بتطرح ثمارها، سواء حد اعتنى بيها أو سابها، لأنها بتفهم إن قيمتها في اللي بتقدمه، مش في اللي بتاخده.

التربة الجافة، والشمس الحارقة، والرياح القاسية، كلها عوامل بتواجه الشجرة، لكنها بتفضل واقفة، جذورها غايرة في الأرض، وأغصانها ممدودة للسما. كأنها بتعلّمنا إن القوة الحقيقية مش في الحماية الخارجية، لكن في الجذور اللي بتثبتنا مهما كانت الظروف.

الشجرة الوحيدة مش بتحتاج حد يقولها شكرًا، لأنها بتفهم إن الحياة مش دايمًا عادلة، لكن ده مش سبب يمنعها عن إنها تطرح وتزهر وتدي. يمكن ده يكون درس لنا كبشر، إننا نقدر نكمل ونطرح ثمار جهودنا حتى لو مفيش حد شايف أو مقدر. العطاء في حد ذاته سعادة، ولو فضلنا ننظر لثمارنا على إنها دليل على قوتنا، هنلاقي إن الحياة دايمًا فيها معنى حتى لو كنا لوحدنا.

الشجرة بتقول لنا بصمتها: "ما تيأسش. طول ما انت بتعطي، انت عايش، انت قوي، وانت أكتر من مجرد حد محتاج حد."

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

جاذبية سرطانية

 

كل حاجة على الأرض بتتأثر بالجاذبية، وده قانون ما حدش يقدر يهرب منه. أي حاجة عايشة هنا لازم تلتزم بالقانون ده، سواء جسمك، الأشجار، الحيوانات، وحتى الأشياء اللي مش بتتحرك. طيب ده على مستوى الأرض كلها، لكن هل ممكن جوه جسمنا يكون الوضع مختلف؟

تخيل معايا إن جوه جسمك فيه أماكن كأنها خارج النظام ده. أماكن مش بتخضع لقانون الجاذبية اللي كل خلية تانية بتلتزم بيه. لو في خلية جوه جسمك بدأت تنمو بطريقة غريبة، مختلفة عن باقي الخلايا، ممكن ده يحصل بسبب إنها عايشة في ظروف مختلفة عن باقي الجسم.

الخلية دي ممكن تكون بتتصرف بشكل متمرد. بدل ما تنمو و"تمشي" مع باقي الخلايا في نظام واحد، تبدأ تخزن معلومات عن نفسها، وتنسخ نفسها بسرعة، وتكبر بشكل غير طبيعي. طيب ليه ده بيحصل؟ ممكن الجاذبية اللي بتأثر عليها تكون أقل أو أكتر من الطبيعي، أو إنها خلقت لنفسها "بيئة" خاصة بيها جوه جسمك.

المشكلة بقى إن الخلايا دي لما تبدأ تنتشر في باقي الجسم، بتلاقي نفسها في أماكن بتطبق قوانين مختلفة عنها. بدل ما تتأقلم وتشتغل زي باقي الجسم، بتتمرد أكتر. تبدأ تنقسم بسرعة شديدة، تحاول تبني بيئة حواليها تناسبها هي، وتخلق لنفسها نظام جديد. وده اللي بنسميه السرطان: خلايا بتخرج عن السيطرة الطبيعية، وبتبني لنفسها عالم خاص جوه الجسم.

العلاج هنا ممكن يكون فكرة ثورية. بدل ما نحارب الخلايا دي مباشرة، نفكر نغير البيئة اللي حواليها. نحاول نعيد ضبط "الجاذبية" أو الظروف اللي بتعيش فيها، بحيث ترجع تشتغل زي الخلايا الطبيعية. لكن ده مش سهل طبعًا، لأنك محتاج تفهم الخلايا دي بتفكر إزاي، بتتأثر بإيه، وإيه اللي ممكن يخليها تستجيب للتغيير.

الفكرة كلها إن السرطان مش مجرد مرض، لكنه تمرد على قوانين الجسم. ولو قدرنا نفهم التمرد ده بشكل أعمق، ممكن نوصل لطريقة جديدة لعلاجه.

و يبقى الأمل ...