السبت، 7 ديسمبر 2024

عمرو عجينة


وأنا بتخيل نفسي عجينة، بحس إن رحلتي تبدأ بخطوات بسيطة لكنها مليانة معنى. أول خطوة بتكون الدقيق، زي الأساس اللي حياتي مبنية عليه. الدقيق ده ممكن يكون أحلامي، أفكاري، أو حتى ذكرياتي. بعد كده، ييجي الميه. المياه دي بتضيف ليّ حياة، زي الأشخاص اللي بيعدوا في حياتي، اللي بيعلموني ويغيروني من غير ما يحسوا.
بعد كده، أضيف شوية ملح. الملح ده يمكن صغير في كميته، لكنه ضروري، زي الدروس اللي أتعلمها من التحديات والمواقف الصعبة. الدروس دي بتديني طعم مختلف، حاجة تخلي شخصيتي مميزة.
ييجي دور الخميرة، وده الجزء اللي بيعبر عن الفرص اللي بتحصل لي. ممكن تبقى فرصة شغل، لقاء غير متوقع، أو حتى فكرة جديدة تخليني أنمو وأعلى، زي ما الخميرة بتعلي العجينة.
بعد ما أخلط كل ده، يبدأ العجن. العجن هو الضغط، التوتر، الأيام اللي بتشدني وتخليني أحس إني مش قادر أكمّل. بس في وسط العجن ده، بلاقي نفسي بتماسك أكتر، بشوف إزاي الضغط ده مش بيكسرني، بل بيجهزني للمرحلة اللي جاية.
بعد كده أسيب نفسي (العجينة) ترتاح. الراحة دي مش رفاهية، لكنها ضرورة. وقت للتفكير، للتأمل، لإعادة ترتيب أولوياتي. الراحة دي هي اللي بتديني القوة أكمل وأواجه اللي جاي.
وأخيرًا، أتحط في الفرن. النار دي صعبة، حرارتها شديدة، لكنها هي اللي بتحوّل العجينة من مجرد كتلة لخبز ناضج. دي اللحظة اللي بعرف فيها قد إيه أنا قوي، وقد إيه التجارب دي كلها كانت لازمة عشان أوصل للشكل النهائي، مستعد أدي أفضل ما عندي.
كل خطوة في العجن بتعلمني حاجة، وكل ضغطة بتحفر جوايا درس جديد. وفي الآخر، بأخرج من الفرن، عيش جاهز، بسيط في شكله لكن مليان معاني.

الخميس، 5 ديسمبر 2024

ارفض أن أجري وراء ظلي

 

أوقات الواحد بيحس إنه بيجري ورا حاجات زي خياله، حاجة مفيش منها فايدة فعلية، مجرد وهم بيوهم نفسه إنه لازم يوصل له. بس ليه؟ ليه كل السعي ده ورا حاجة مالهاش وجود أو مش بتستاهل؟

في حياتنا فيه حاجات بنكون شايفينها هدف، حلم، حاجة عايزين نحققها بأي طريقة، لكن الحقيقة ساعات بتكون خيالات بنخدع نفسنا بها. زي ما تكون بتجري ورا ضلك، حاجة عمرك ما هتوصلها لإنها مجرد انعكاس، حاجة مش ملموسة، وهم بنستنزف عمرنا وطاقتنا عشانه.

الفكرة بتيجي من رغبتنا إننا نحقق حاجة، نبقى مميزين، نثبت لنفسنا وللعالم إننا قادرين. بس للأسف، لو الهدف ده مش مبني على أساس واضح ومش مرتبط بواقعنا واحتياجاتنا الحقيقية، يبقى مجرد سراب. بنمشي وراه لحد ما نضيع في الطريق وننسى أصلاً إحنا مين وعايزين إيه بجد.

في وقت لازم الواحد يقف مع نفسه ويشوف إذا كان فعلاً بيجري ورا حاجة تستحق ولا مجرد خيالات. هل الضل اللي بتطارده ده بيديك قيمة، بيفيدك، بيسعدك؟ ولا هو مجرد وهم خايف تواجهه وتكتشف إنه كان مجرد حاجة فاضية؟

القرارات دي صعبة، مش أي حد عنده الجرأة إنه يسيب حاجة كان بيجري وراها فترة طويلة. بس لو قررت تسيب الوهم ده وتركز على حاجات حقيقية، هتلاقي نفسك في مكان أحسن، بتحقق حاجة حقيقية بتفيدك وتكبرك.

الأربعاء، 4 ديسمبر 2024

ليس للأشجار هرم اداري

  

الأشجار، رغم بساطتها الظاهرة، بتخبي في طيّاتها حكمة عميقة، بتخلينا نفكر: ليه الشجر ما عندوش هرم إداري؟ مفيش رئيس، مفيش مرؤوس، وكل ورقة وكل فرع شغالين بتناغم غريب. الشجرة بتكبر في صمت، الجذور بتغوص في الأرض تدور على المياه، الفروع بتتمد للسماء، وكل جزء فيها عارف دوره من غير أوامر.

لو بصينا للشجرة هنلاقيها بتشتغل بنظام مختلف تمامًا عن اللي احنا متعودين عليه في عالمنا. مفيش ورقة بتحس إنها أهم من غيرها، ولا فرع بيقول إنه القائد، ومفيش جزء بيتباهى إنه الأساس. الكل بيشتغل مع بعض علشان الشجرة تفضل عايشة. حتى لو ورقة وقعت، مش بتشتكي، بالعكس، بتسيب مكانها بهدوء علشان تدي مساحة للورقة الجديدة.

التناغم ده بيعلمنا حاجة مهمة جدًا: الإدارة مش دايمًا محتاجة تسلسل هرمي وتعقيدات. ساعات البساطة والتناغم الطبيعي هما الحل. كل ورقة، كل فرع، وكل جذر عارف مهمته، وده بيخلي الشجرة تكبر في صمت، بإصرار وثبات. مفيش صراعات، مفيش منافسة غير صحية، كله بيشتغل لمصلحة الكل.

لو فكرنا شوية، هنلاقي إن الحياة بتاعتنا ممكن تبقى أبسط وأجمل لو تعاملنا زي الأشجار. نشتغل مع بعض بتفاهم، من غير تنافس مؤذي، وكل حد فينا يبقى عارف دوره ويؤديه بحب وإخلاص. الشجرة بتقول لنا إن النجاح الحقيقي هو إن الكل يكمل بعض، مش حد يعلو على حد.

فيمكن، في عالم الإدارة، نحتاج نتعلم شوية من الشجر: البساطة، التفاهم، والتعاون الحقيقي اللي ما بيعرفش الغيرة ولا السلطة.

الثلاثاء، 3 ديسمبر 2024

سجين السرطان ... إستبداد أم إستبعاد

 

السرطان كائن يستطيع بكل بساطه أن يغزو كل مخيلاتك، يشغل ذكرياتك، و يتغلغل في ثنايا جميع محادثاتك. إنه يستنفذ منك الحياة. هذا حال من يعمل معه، أما من يمرض به فهو سجين بمعنى الكلمه.

حياة سجين السرطان كحياة أي سجين آخر ( محبوس)، مستبعد عن الحياة، محكوم عليه بالوحده. عند دخول المريض لعالم السرطان فقد دخل لمعسكر إستبداد. معسكر فيه مشاعر العجز الجسدي و الإنهاك الفكري لا حدود لهما.

يحاول كثيرا من يعمل في علاج السرطان كيفية رعاية مريض السرطان، و لكنه لن يتعلم في البداية إلا كيف يكون سجانا، ثم يختار البعض منهم الرحمه، فيكون سجانا رحيما، فيبتعد عن الإستبداد و لكنه يأمر بالإستبعاد.

السرطان كائن قوي، له حبلا سميكا، يرتبط بالمريض و الطبيب و يربطهم معا، يسحبهم حوله، يجعلهم يدورون حوله. يفرض سيطرته عليهم، يغرقهم تماما في عالمه و في دوامته.

السرطان ككائن متسلط، يمسك بزمام الأمور ويفرض سيطرته على جميع من حوله. حياة المريض تتغير بالكامل، وكأنها أصبحت تدور في فلك جديد مليء بالتحديات والآلام. حتى الأطباء، الذين يُفترض أن يكونوا القادة في هذه المعركة، يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان متحكمين بتوجيهات المرض أكثر من كونهم قادة في مسيرة العلاج.

في هذا السياق، نجد أن العلاقة بين المريض والطبيب معقدة للغاية. الطبيب يسعى جاهدًا لفهم آليات السرطان وتقديم أفضل العلاجات، لكنه أيضًا محكوم بحدود العلم والتكنولوجيا الحالية. يتعلم الطبيب كيف يكون رحيمًا مع مريضه، يحاول تخفيف معاناته الجسدية والنفسية، لكن تبقى الحقيقة أنه يعمل ضمن نظام صارم، نظام يستبعد أحيانًا الأمل.

السرطان كإمبراطور لا يكتفي فقط بتأثيره على الجسد، بل يمتد ليشمل الحياة الاجتماعية والنفسية للمريض. المريض يشعر بالعزلة، وكأنه مستبعد عن الحياة الطبيعية، حيث يصبح كل شيء يدور حول المرض والعلاج. الأصدقاء والعائلة قد يجدون صعوبة في فهم المعاناة الكاملة، مما يزيد من شعور المريض بالوحدة.

معركة السرطان ليست فقط معركة جسدية، بل هي معركة نفسية واجتماعية أيضًا. المجتمع الطبي يسعى جاهدًا لتقديم الدعم والرعاية، ولكن التحدي يبقى كبيرًا. السرطان يفرض واقعه القاسي، ولكن بإرادة قوية وتفهم من الجميع، يمكن التخفيف من وطأة هذا الاستبداد وتحقيق بعض من الراحة والأمل للمريض.

السرطان قد يكون سجانًا قاسيًا، لكن العزيمة والإرادة والتضامن يمكن أن تكون الأسلحة الأقوى في مواجهة هذا العدو. الأمل يكمن في استمرار الأبحاث والتطورات الطبية التي قد تقودنا يومًا ما إلى كسر قيود هذا السجن، وتحرير من يعاني من هذا المرض اللعين.

و يبقى الأمل ...

الاثنين، 2 ديسمبر 2024

من ضحية إلى شريكة ... من ثقة مفقودة إلى أمل متجدد

  

في مجتمع مليان ضغوط وتوقعات، بتظهر أحيانًا شخصية "الضحية"، خصوصًا عند الزوجة اللي بتعاني من فقدان الثقة في نفسها، وده بيكون نتيجة لتربية قاسية أو بيت مفكك، وأحيانًا المجتمع نفسه بيكون جزء من المشكلة. الزوجة اللي حاسة إنها ضحية بتبقى شايلة جواها إحساس بالضعف والكسر، وده بيأثر مش بس عليها، لكن كمان على جوزها وبيتها كله.

الزوجة الضحية هي اللي حبت وخلصت لجوزها، لكن جوه عقلها وقلبها دايمًا في صوت بيقولها إنها مش كفاية، وده بيخليها في حالة عطش مستمر للثقة والاهتمام، بتدور عليهم كأنهم مش موجودين أصلاً. النتيجة؟ جوزها اللي بيحبها بيلقي نفسه قدام تحدي كبير، هو شايف جمالها وطيبتها، لكن مش قادر يريحها من شكوكها، وبيفضل دايمًا يحاول ويفشل.

المشكلة إن العلاقة دي بتتحول لدائرة مقفولة من الألم، الزوجة بتكون متعطشة للاهتمام، والزوج بيحاول بكل طاقته، لكن برضه بيحس إنه مقصر. وفي الآخر، كل طرف بيتحول لضحية، وبدل ما البيت يبقى مكان للراحة والحب، بيتحول لساحة مليانة توتر وقلق.

علشان نكسر الدائرة دي، لازم الطرفين يكون عندهم وعي وجهد مشترك. الزوجة محتاجة تشتغل على نفسها، تتعلم تحب ذاتها وتصدق إنها تستحق الحب والاهتمام اللي جوزها بيقدمهم. والزوج بدوره لازم يكون صبور، ويبقى الدعم اللي محتاجاه وهي بتتعلم تعيد بناء ثقتها بنفسها.

بالتفاهم والصبر، العلاقة ممكن تتحول لشراكة حقيقية، فيها احترام متبادل وثقة، وده اللي هيخلي البيت مليان حب وهدوء، بدل ما يكون مليان خوف وقلق.

الأحد، 1 ديسمبر 2024

خَرجْت مني و تَفرجْت عليا



عندما أصبحت أبًا، كنت أعتقد أن الأبوة تعني القيادة والسيطرة، وأن دوري هو أن أكون الشخص الذي يحمل جميع الإجابات. وضعت لنفسي توقعات عالية، ورسمت صورة مثالية عن القدوة التي يجب أن أكونها. لكن مع مرور الوقت، وجدت أن الأبوّة ليست كذلك. أدركت أنها ليست مجرد توجيه أو فرض للقواعد، بل هي رحلة تعلم مستمرة، مليئة بالتحديات والمفاجآت.

خرجت من جسدي يومًا، ونظرت إلى أبوتي كأنني مشاهد. رأيت أخطائي، لحظات ضعفي، وتلك اللحظات التي شعرت فيها بالقصور. لم يكن هدفي أن أكون مثاليًا، بل أن أتعلم كيف أستمع، ليس فقط لما يقال، بل لما لا يقال. تعلمت أن الأبوّة ليست سبيلًا للسيطرة، بل هي مساحة للنمو المشترك بيني وبين أطفالي. كل يوم أتعلم كيف أكون حاضراً بصدق، كيف أترك لهم مساحة ليكتشفوا العالم بأنفسهم، وكيف أكون سندًا لهم عند تعثرهم.

الأبوة هي درس مستمر في التموضع والتفهم، رحلة تتطلب الصبر والإصغاء. ليس المطلوب أن أكون كاملاً، بل أن أقبل ضعفي وأتعلم منه. أدركت أن الأبوّة ليست نهاية المطاف، بل هي فرصة يومية لأكون أفضل، وأكثر صبرًا وتفهمًا، وأكثر قدرة على تقديم الحب دون شروط.