الخميس، 25 يوليو 2024

ديستوبيا المستقبل: تفاؤل أم عبرة أم يأس؟

 

في زمن الراحة والرفاهية، يميل الناس إلى التفاؤل، إذ يجدون في الأمن والشبع دافعاً لرؤية المستقبل بألوان مشرقة. ينتعش فيهم الأمل وتزدهر الأفكار الخلاقة، ويتسابق المفكرون والكتّاب إلى استشراف مستقبل زاهر يعمّه الرخاء والسعادة.

لكن في خضم هذا التفاؤل، يقف قلة من فلاسفة التاريخ على حافة الحذر، مشككين في دوام الراحة، وخصوصاً عندما يلوح في الأفق طيف الكبت الاجتماعي. إذ يرون أن التفاؤل والرخاء وحسن الظن ليست سوى أوهام بعيدة عن جوهر الغريزة الإنسانية.

فما إن يستقر الناس ويشبعون، ويطمئنون على حياتهم وأموالهم، حتى تتسلل إلى نفوسهم روح شريرة تدفعهم نحو الاحتلال والقتال والخراب. هذه الروح ليست إلا انعكاساً لرغبتهم في حماية أمنهم وتأكيد هيمنتهم على حضارتهم.

الإنسان، على عكس سائر المخلوقات، هو الوحيد الذي يمنح نفسه الحق في افتراس بني جنسه وأكل لحومهم. لا يوجد حيوان مفترس يقتل من جنسه لمجرد القتل، بل ينتهي صراعهم عادةً باستسلام الأضعف. الحيوانات تتقاتل لتأكل وتتزاوج، أما الإنسان فيقتل ليسرق، ويظهر التفوق، وللحسد واللهو، والتلذذ بالإذلال. وعندما نزلت الأديان لتحقيق الرخاء والتفاؤل والسعادة، عاد الإنسان ليقاتل من أجل تفسيراته الدينية ليثبت تفوقه.

في أوقات الحروب والقتال، تسود الدناءة والانحطاط الأخلاقي. تُنتهك الأعراض، وتُسفك الدماء، وتُدنس الأراضي، ويُمحى الحق والشرف والكرامة. تزدهر التجارة السوداء وتجارة الأسلحة والعبيد، وما تاريخ الهنود الحمر وعبيد أفريقيا، وحروب فيتنام، والقنابل النووية على اليابان، وحروب العراق وسوريا والسودان واليمن وليبيا وكوسوفو والشيشان، إلا عبرات شاهدة على هذه الحقائق.

الأكثر يأسا أن نجد معاهد علمية، تحت مظلة الأخلاق البحثية، تضع نظريات لأفضل الطرق في انتهاك الحريات واستعباد الناس واستغلال ثروات بلادهم وإهانة معتقداتهم وأديانهم. ومن يقاوم أو يرفض، يجد نفسه في السجون والمعتقلات التي يشرف عليها هؤلاء العلماء، ليجرّبوا فيها أحدث الأساليب العلمية والأخلاقية في التعذيب.

إنّ ديستوبيا المستقبل ليست مجرد نبوءة تشاؤمية، بل هي عبرة تستدعي التأمل والتفكير في جوهر الإنسان وطبيعة غريزته، ودعوة للتعلم من أخطاء الماضي، علّنا نجد طريقاً نحو مستقبل أكثر إنسانية وعدلاً.

الأربعاء، 24 يوليو 2024

الحشائش ... مجهود من الداخل و مساعده من الخارج

 

الحشائش، تلك النباتات الصغيرة التي تبدو غير مؤذية في البداية، قد تتحول إلى كابوس حقيقي للمزارعين وأصحاب الحدائق. إنها العدو الخفي الذي يستنزف الموارد ويعكر صفو الزرع. تخيل أن تبدأ مشروع زراعي بحماس وتفاؤل، ثم تكتشف أن جزءًا كبيرًا من مجهودك يذهب لرعاية وتنظيف حشائش لا تنفك تتكاثر بسرعة مخيفة. سواء كانت بذور الحشائش تأتيك من طينة جديدة أو بفعل فاعل غير ضميري، فإن التعامل معها يتطلب جهدًا مستمرًا وإرادة لا تلين.

الشجر عنده طرق مختلفة للتعامل مع الحشائش، وكأنها طرق دفاعية طبيعية. أول طريقة هي إن الشجر بيظلل على الحشائش، يعني بيحجب عنها الشمس اللي هي أساس نموها. لما تلاقي الشجر الكبير بأغصانه الكثيفة بيمنع وصول الضوء للأرض، الحشائش بتلاقي صعوبة في النمو والتكاثر.

ثاني حاجة هي الجذور العميقة والقوية بتاعة الشجر. الجذور دي بتسحب المغذيات والمياه من التربة بشكل أكثر فعالية من الحشائش. بالتالي، الحشائش بتلاقي نفسها من غير موارد كافية عشان تنمو بشكل كبير.

كمان الشجر بينتج مواد كيميائية في التربة بتسمى الأليلوبياثي (allelopathy)، المواد دي بتعمل على منع نمو الحشائش حوالين جذور الشجر. دي وسيلة دفاعية طبيعية بتساعد الشجر في الحفاظ على موارده ومنع الحشائش من السيطرة على المنطقة المحيطة بيه.

بالإضافة لده، في طرق ممكن المزارعين يستخدموها عشان يساعدوا الشجر في مواجهة الحشائش. مثلاً، ممكن يزرعوا النباتات الغطائية (cover crops) اللي بتغطي الأرض وتمنع الحشائش من النمو. برضه ممكن يستخدموا المهاد (mulch) اللي بيحافظ على رطوبة التربة وبيمنع الحشائش من الظهور (و دا عبارة عن اوراق شجر يابس).

في النهاية، التعامل مع الحشائش بيكون مزيج من الدفاع الطبيعي للشجر والجهد المستمر من المزارعين. وبالتعاون ده، تفضل الأرض نظيفة والشجر ينمو بصحة وقوة.

الثلاثاء، 23 يوليو 2024

جبروت خلية ... الإخلاص إلى الظلال



من الطبيعي أن جسد الكائن الحي يحكمه صفات و خواص لا يستطيع أن يخرج منها أو حتى يحيد عنها. و هذه الصفات تكون مغروزة في جينات الخلية المؤسسه للجسد.

ستحكم هذه الخلية حكم مطلق و سائد حتى نهاية حياتها. و لن تقبل أن يكون لها وريث فتتغير الجينات الأصلية و الحاكمة للصفات و الخواص.

فتدخل الخلية في مرحلة من تكرار نفسها و لتظل مسيطرة على أنسالها أو ظلالها. و لتكون لها السيادة الدائمة حتى بعد وفاتها، قامت بتوزيع مهام معينة لكل خلية مكررة منها و وضعت قوانين تحكم كل إنقساماتهم لتتكون الأعضاء و تكون مستقلة بذاتها. 

و لكي يحافظ كل عضو على حياته، يجب عليه أن يظل مخلصا لسيادتها و مخلصا لظلها الموجود القابع في وسطه. فيكون في إحتياج دائم لبقية الأعضاء و يكون في تكامل معهم.

و لكن مهما طال الزمان أو بعد المكان فالظلال ستتلاشى و الأنسال ستفنى و تحدث طفرة. ستظهر الطفرة التي تجعل الأنسال تتغير، فيظهر من يكون فكره مغاير لفكر القدماء، و إذا ملك القوة، و إستطاع التغلب على المقاومة، ستُمحى الذاكرة الأساسية للخلية السائدة و تُدمج ذاكرة جديدة للفائز القوي، و سينشر ظلاله في كل الأعضاء و سيجعل جنيع الخلايا تحت رحمته أو إنتقامه. 

و يبقى الأمل ...

الاثنين، 22 يوليو 2024

الأحد، 21 يوليو 2024

أحبكم بكل ما في قلبي ... حب الأب

 


الحب بين الأب وأولاده هو نوع خاص وفريد من نوعه، ينبع من أعماق القلب ويترسخ في الروح. إنه حب لا يعتمد على الشروط ولا يتغير بمرور الزمن. عندما ينظر الأب في عيون أطفاله، يشعر بشعور قوي بالمسؤولية والحماية، مشاعر تملأ قلبه بالدفء والسكينة.


العلم يخبرنا أن حب الأب لأبنائه يتجاوز العاطفة البسيطة؛ إنه شعور محفور في جيناتنا. عند قول الأب "أحبكم"، يطلق جسمه هرمون الحب الذي يعزز الروابط العائلية ويخفف من التوتر. هذه التفاعلات الكيميائية تساعد في بناء علاقة قوية ومتينة بين الأب وأولاده، علاقة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل.


الحب الأبوي هو قرار واعٍ بالاهتمام والرعاية المستمرة. إنه ليس مجرد شعور عابر، بل هو التزام يومي بتقديم الحب والدعم بكل الطرق الممكنة. الأب يظهر حبه من خلال أفعاله، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، مما يعكس تفانيه واستعداده للتضحية من أجل سعادة أبنائه.


السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكنني أن أحب أولادي بنفس القوة والعمق في كل الأوقات؟ الإجابة هي نعم. الحب الأبوي هو قوة دافعة تملأ حياة الأب بالهدف والمعنى. إنه يشكل جزءاً أساسياً من هويته، ويعطيه القوة لمواجهة تحديات الحياة.


أدركت أن جمال الحب الأبوي يكمن في البساطة والصدق، في قول الأب لأبنائه: "أحبكم بكل ما في قلبي". هذا الحب هو النور الذي يضيء حياتهم ويوجههم نحو مستقبل مشرق ومليء بالحب والسعادة.


انما عن حب الأم، فهذا موضوع تالي ...


السبت، 20 يوليو 2024

واحد من سبعة


في يوم من أيام الصيف الحار جدًا، كانت الشمس تسطع في السماء وكأنها بركان يلقي الحمم. كانت شظايا الحر والحرارة تلفح الجميع، حتى من لجأ إلى الظلال ليبحث عن الراحة عانى من سخونة الهواء.

كان الرجل مستغربًا بشدة؛ في العادة كان يعرق مثل بقية الأيام، ولكنه اليوم لم يشعر بالحر ولم يعرق جسده. رفع نظره إلى السماء فوجد سحابة بيضاء صغيرة تتحرك معه وتظلله. كانت تلك السحابة تتبعه أينما ذهب وتحجب عنه شعاع الشمس الساقط عليه فقط.

مشى مسرعًا فطارت السحابة مسرعة، جرى فتبعته ولم تسمح للشمس بملامسته. توقف فجأة فتوقفت السحابة معه. تعجب الرجل بشدة وشعر بأن هذا اليوم سيكون يومًا استثنائيًا. دخل المسجد ليصلي، ولما خرج وجد السحابة منتظرة عند الباب. الأغرب من ذلك، أن بقية السحب لم تقترب منها أو أنها كانت تستطيع شق طريقها وسطهم.

لم يفهم الرجل ما سر هذه السحابة، ثم تذكر أن السحابة تحجب عنه أشعة الشمس فكيف لها أن تحجب عنه حرارة الهواء الساخن؟ عزم على معرفة السر. وقف أمام صنبور الماء وأغرق نفسه تمامًا بالماء على أمل أن يبقى رطبًا، لكن ملابسه جفت بسرعة كبيرة. وعندما لمسها وجدها باردة.

تعجب أكثر وقال كيف تكون ملابسي باردة والهواء من حولي ساخن؟ جلس ورفع رأسه ليتابع سحابته. دقق النظر فيها وتخيل أشكالًا، ثم أحس بالنعاس وغرق في نوم عميق.

في منامه، رأى أنه يصعد سلمًا إلى السماء، وصعد على السحابة وجلس عليها. شعر ببرودتها ونعومتها ووجد عليها ورقة مكتوب عليها اسمه. فتح الورقة وقرأ ما كان مكتوبًا فيها.

كان المكتوب: "لا تحزن، فأنت واحد من السبعة". ثم استيقظ.