السبت، 20 يوليو 2024

واحد من سبعة


في يوم من أيام الصيف الحار جدًا، كانت الشمس تسطع في السماء وكأنها بركان يلقي الحمم. كانت شظايا الحر والحرارة تلفح الجميع، حتى من لجأ إلى الظلال ليبحث عن الراحة عانى من سخونة الهواء.

كان الرجل مستغربًا بشدة؛ في العادة كان يعرق مثل بقية الأيام، ولكنه اليوم لم يشعر بالحر ولم يعرق جسده. رفع نظره إلى السماء فوجد سحابة بيضاء صغيرة تتحرك معه وتظلله. كانت تلك السحابة تتبعه أينما ذهب وتحجب عنه شعاع الشمس الساقط عليه فقط.

مشى مسرعًا فطارت السحابة مسرعة، جرى فتبعته ولم تسمح للشمس بملامسته. توقف فجأة فتوقفت السحابة معه. تعجب الرجل بشدة وشعر بأن هذا اليوم سيكون يومًا استثنائيًا. دخل المسجد ليصلي، ولما خرج وجد السحابة منتظرة عند الباب. الأغرب من ذلك، أن بقية السحب لم تقترب منها أو أنها كانت تستطيع شق طريقها وسطهم.

لم يفهم الرجل ما سر هذه السحابة، ثم تذكر أن السحابة تحجب عنه أشعة الشمس فكيف لها أن تحجب عنه حرارة الهواء الساخن؟ عزم على معرفة السر. وقف أمام صنبور الماء وأغرق نفسه تمامًا بالماء على أمل أن يبقى رطبًا، لكن ملابسه جفت بسرعة كبيرة. وعندما لمسها وجدها باردة.

تعجب أكثر وقال كيف تكون ملابسي باردة والهواء من حولي ساخن؟ جلس ورفع رأسه ليتابع سحابته. دقق النظر فيها وتخيل أشكالًا، ثم أحس بالنعاس وغرق في نوم عميق.

في منامه، رأى أنه يصعد سلمًا إلى السماء، وصعد على السحابة وجلس عليها. شعر ببرودتها ونعومتها ووجد عليها ورقة مكتوب عليها اسمه. فتح الورقة وقرأ ما كان مكتوبًا فيها.

كان المكتوب: "لا تحزن، فأنت واحد من السبعة". ثم استيقظ.

الثلاثاء، 16 يوليو 2024

العلم بين المختبر والعيادة... أميال طويلة مربعة و أطنان علمية مستطيلة


في عالمٍ يتسارع فيه التقدم العلمي بوتيرةٍ مذهلة، تتجلى المراكز البحثية العالمية كحصونٍ شامخة للمعرفة، تحتل مساحات شاسعة وتتخلل نسيج المدن الكبرى. هذه المؤسسات، التي تمتد لأميالٍ طويلة، ليست مجرد مبانٍ ضخمة بل هي عقول نابضة وقلوبٌ متفانية، تعمل بلا كلل لتفكيك أسرار الحياة وتعقيداتها. من هنا، ينبع العلم ويتجسد في أطباق مختبرية ومخططات معقدة وأجهزة دقيقة، تتحد جميعها لفهم أعماق الخلية الحية وإنتاج الأبحاث التي تُثري معرفة البشرية.

إذا تأملنا أفضل المراكز البحثية الأمريكية، مثل مركز إم دي أندرسون، ومعهد دانا فاربر للسرطان، وأبرشية بيث، ومستشفى ومركز ومعهد ماساتشوستس، ومعهد وايتهيد، ومعهد برود، وجامعة هارفارد، سنرى مشهدًا مهيبًا من الأطباق المختبرية، والمخططات الكروماتوغرافية الغازية، وأجهزة تحديد التتابع الجيني، والميكروسكوبات الإلكترونية. هذه المؤسسات تنتج كميات هائلة من الأبحاث والأوراق العلمية، تزن بالأطنان، مكرسة لفهم الاتصالات المعقدة داخل الخلية الحية.

ومع ذلك، فإن نتائج هذه الجهود الهائلة تستغرق وقتًا طويلًا لتجد طريقها إلى المستشفيات العلاجية. هناك، نجد أن العديد من العلاجات الكيميائية والإشعاعية السائدة تُعتبر وحشية وشرسة، إن لم تكن قاتلة. مرض السرطان يُعد مثالًا صارخًا على ذلك، حيث تتضمن معظم العلاجات التقليدية تأثيرات جانبية قاسية تتسبب في معاناة كبيرة للمرضى.

من هنا، انبثق نوع جديد من العلوم البحثية يُعرف بـ "البحث التحويلي" (translational research). هذا العلم يسعى إلى تحويل فيض العلوم البحثية المجردة إلى تطبيقات عملية في المستشفيات. الأطباء المعالجون يقسمون أوقاتهم بين تطوير طرق وأدوية جديدة في المعامل وبين تطبيق هذه الطرق في العيادات لتحقيق العلاج الفعلي.

البحث التحويلي يعبر عن الجسر الذي يمتد من المختبر إلى العيادة، حيث تتحول الأفكار إلى علاجات، والأبحاث إلى أمل. في حالة السرطان، نجد أن هذا النوع من الأبحاث قد أدى إلى تطورات ملموسة، مثل تطوير أدوية تستهدف الخلايا السرطانية بشكل دقيق وتقلل من التأثيرات الجانبية. بفضل البحث التحويلي، أصبح من الممكن تحويل الاكتشافات الجينية إلى علاجات مبتكرة تمنح المرضى فرصًا أفضل للشفاء والحياة.

العلم، بأمياله الطويلة المربعة وأطنانه العلمية المستطيلة و الثمينة، ليس مجرد سردٍ للأرقام والبيانات، بل هو رحلة مستمرة نحو الأفضل. وبينما نخطو خطواتنا على هذا الجسر الرفيع بين المعرفة والتطبيق، يتجلى أمامنا أفق جديد من الأمل والشفاء. البحث التحويلي ليس نهاية الطريق، بل هو البداية، حيث تتحول الأميال إلى إنجازات، والأطنان إلى إنجازات تُنير دروب البشرية. مرض السرطان، كدليل حي، يظهر لنا كيف يمكن للعلم أن يصنع فرقًا حقيقيًا في حياة المرضى، محولًا الرؤى العلمية إلى واقع ملموس، ومجسدًا الأمل في غدٍ أفضل.

و يبقى الأمل ...

الاثنين، 15 يوليو 2024

بناء بيئة أسرية صحية: أساسيات التفاهم والراحة

 

الإختلافات بين شخصياتنا تعكس تنوعنا كأفراد، وهي نتيجة لعدة عوامل متداخلة مثل الوراثة الجينية، العوامل الاجتماعية، والخلفية النفسية. هذه الاختلافات قد تكون عائقًا لحياة هادئة ومريحة إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح.

البيئة المنزلية تعتمد على التفاهم، الود، والرحمة لتعزيز الراحة والاستقرار. عندما تسود صفات سلبية مثل الشك، الغيرة، وسوء الظن، يمكن أن تؤثر سلبًا على هذه البيئة وتقلل من مستوى الراحة والاستقرار.

الصفات السلبية غالبًا ما تترافق مع حالات مستمرة من القلق، مما يولّد توقعات غير مريحة ويزيد من التوتر النفسي. في حالات مثل هذه، قد تتعارض الأفكار وتتصادم النفوس، مما يؤدي إلى تفاقم الصراعات والاحتكام إلى الصراعات الدائمة.

لتجنب هذه السيناريوهات، من المهم تعزيز التواصل الفعّال والاحترام المتبادل داخل الأسرة، والعمل على بناء الثقة والتفهم المتبادل. كما يمكن أن تساعد الاستراتيجيات المعتمدة على التسامح والصبر في التعامل مع التباينات بين الأفراد وتحقيق بيئة أسرية صحية ومريحة.

الأحد، 14 يوليو 2024

تعزيز الأنا عند طفلي و تكوين هوية مراهقته

 

تعزيز الأنا وتكوين هوية متماسكة لدى الأطفال هو أحد الأهداف الأساسية في التربية. يقول علماء التربية إن شخصية الطفل وأناه الداخلية تتشكل عبر أربع مكونات رئيسية: التفاؤل والمرونة، الإنتاجية والاستقلال، الدفء الأسري، والعلاقات الشخصية والمهارات الاجتماعية. هذه المكونات ترتبط بشكل وثيق بأداء الطفل اليومي واندماجه مع العالم من حوله.

الأطفال المرنون يظهرون توازناً في علاقاتهم وحضوراً اجتماعياً قوياً. هم قادرون على تقبل التغير بسهولة، ولديهم رغبة مستمرة في تعلم مهارات جديدة. هؤلاء الأطفال يسعون لتحقيق أهدافهم ولا يتخلون عنها إلا عند اقتناعهم بزوال أهميتها. يمتازون بالدفء الأسري والحنان، ولديهم قدرة عالية على فهم مردود سلوكياتهم، مما يسهل عليهم التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بوضوح.

الأطفال الذين يتمتعون بقدرة عالية على الإنتاجية والاستقلال يكونون قادرين على إتمام المهام والمشاريع بكفاءة. هذه القدرة تمنحهم شعوراً بالإنجاز والثقة بالنفس، مما يعزز من تقديرهم لذاتهم ويحفزهم على تحقيق المزيد.

الدفء الأسري يلعب دوراً محورياً في تعزيز الأنا لدى الأطفال. الشعور بالحب والدعم من الأهل يوفر للأطفال بيئة آمنة ينمون فيها عاطفياً ونفسياً. هذا الدعم يساعدهم على تطوير علاقات صحية مع الآخرين ويمنحهم الثقة اللازمة للتعبير عن أنفسهم.

تطوير المهارات الاجتماعية والعلاقات الشخصية يساعد الأطفال على التفاعل الإيجابي مع محيطهم. هذه المهارات تسهم في تعزيز شعورهم بالانتماء وتحسين قدرتهم على التكيف مع المواقف المختلفة.

يقسم علماء التربية الأطفال إلى نوعين بناءً على مكونات الأنا الأربعة: الأطفال المرنون والأطفال المنسحبون.

الأطفال المرنون: هؤلاء الأطفال لديهم توازن أكثر في علاقاتهم، وحضور اجتماعي قوي، وقدرة على تقبل التغيرات. يميلون إلى أن يكونوا مسؤولين ولديهم رغبة في تعلم مهارات جديدة وتحقيق الأهداف. يتسمون بالدفء الأسري والحنان، ويمتلكون استبصاراً عالياً بمردود سلوكياتهم، مما يجعلهم قادرين على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بسهولة.

الأطفال المنسحبون: في المقابل، الأطفال المنسحبون غالباً ما ينظرون للمستقبل بتشاؤم، ويتخلون عن أعمالهم بسهولة عند مواجهة أي مشكلة. يعانون من تقلبات مزاجية وغضب واضطراب في الأفكار، ولا يتحدثون لأحد عما يضايقهم.

عند وصول الأطفال إلى مرحلة المراهقة، تظهر هذه المكونات بشكل أوضح. الأطفال الذكور المرنون يزداد لديهم تعزيزهم لأناهم أكثر من الإناث، بينما المنسحبون منهم يكونون عرضة للإصابة بالاكتئاب بشكل أكبر. بالنسبة للإناث المنسحبات، فإنهن يميلن إلى التحكم الذاتي الشديد وعقاب أنفسهن بطرق صارمة.

السبت، 13 يوليو 2024

عندما تزوج الأبيض مع الأسود فوُلِد لونا ليس له لون



كان رجلا غريبا، هذه هي الصفة التي تخرج من وجهه، غير مريح، نظراته، طباعه، ملابسه، حتى رائحته. هذا الرجل يعشق الكلام عن النار و يرفض بشدة أي كلام عن الجنة. لطالما نظر للدين و الحياة على أنها الطريق للنار و أن عليه بكل مقدرته أن يبتعد عنها، فلا طموح لديه إلا إتقاء شرها.

هو رجل وحيد فالصداقات مدخل للغلطات و الصديق ساحب للنار، غير مثقف فلا يقرأ حتى لا يتغير فكره و يتأثر بالملحدين. لا يحب المستشرقين و المتكلمين في الدين، صلب غير محب فلا يفتح قلبه لأحد حتى لا يجد الشيطان طريقا له.

تزوج من امرأة حنونة، عطوفة، كريمة، و لكنها حزينة، مكسورة، حاولت النجاح في زواجين و لكنها لم تستطع، تزوجته لتمسكه بتعاليم دينه فلا مرجع لأفعاله و كلامه إلا ما يفقه عن دينه.

عاشت معه في البداية و هي راضية و لكن مع مرور الأيام بدأت تفهم طباعه. إبتعدي، قاطعي لا تصاحبي، إصمتي لا تتكلمي، لا تخرجي، لا تعرفي، لا تشاهدي. ثم وصل إلى صومي لا تأكلي، صلي لا تنامي. تعبدي و تعبدي و تعبدي، فدخول النار أسهل من دخول الجنة.

نظرت لنفسها و نظرت لنفسه، تريد أن تدخل الجنه و هو يريد أن يبتعد عن النار، هما مختلفين و لكل منهم مبدأ حياة مختلف. فالوصول للجنة لا تعني الإبتعاد عن النار.

دام هذا الزواج بين اللونين حتى إمتزجوا و وصل أول لون بينهم، طفل ذكر، طبعا هو أراد أن يكون خليفته في الإبتعاد عن النار و هي إعتبرته ملاذها في الوصول للجنة. فهو سيربيه ليكون قاسيا لا يُعصر و هي ستربيه ليكون لينا لا يُكسر.

كبر الولد و أصبح يلازم والده خارج البيت و يشرب من طباعه و قول قوله و أصبح يشاركه في أفكاره. طبعا تضايقت الأم و أصرت بين نفسها على تغير إبنها و تعليمه أصول اللين. فالوصول للجنة في نظرها يتمثل في إظهار المحبة.

أصبح الولد رجلا بارا لأبيه و يشارك في عمله و بارا بأمه و يشاركها في أعمال المنزل. إختار لنفسه طريقا وسطا بينهم. إنه يسعى جاهدا للوصول للجنة و يسعى جاهدا الإبتعاد عن النار. و لكن في لحظة، دخل الشيطان في حياته فجعله يبتعد عن جنته و يجري مسرعا ناحية ناره.

وجد الأب نفسه يصبح أكثر خوفا و أكثر قساوة معه، يا إبني لا تسير ناحية النار. و وجدت الأم نفسها أكثر خوفا و أكثر لينا، يا إبني لا تبتعد عن الجنة. و لكن الإبن أصبح ضالا، لا يريد الإهتداء. فقد عاش عمره ممزقا بين طرفين بعيدين في تفكيرهما و المسافه كبيره بين وجهتي نظرهما. أصابه الشك في تفكيرهما و أراد أن يكون مختلفا عنهما.

رأى لنفسه طريقا أقل ضغطا و أقل مسؤولية، طريق الحرية. سيبتعد، سيظل بعيدا عن أبيه و عن أمه و عن كل تعاليم دينهم في البيت. سيجرب بنفسه، سيحارب الأفكار، سيترك ما يجبره، و سيتحرر.

الخميس، 11 يوليو 2024

الإستثنائية و الإنتهازية

 

لقد لاحظت في الآونة الأخيرة أن الكثير من الشباب يسعى لتغيير بعض المفاهيم المعروفة إلى مفاهيم جديدة، تستدعي فهمهم الكامل لأهمية الاعتماد على النفس وكيفية تحقيق أحلامهم وفهم شخصياتهم.

يحاول الشباب بناء ثقافة شخصية أكثر استقلالية، وتجهيز أنفسهم للانخراط في مجال العمل بصورة فردية وأكثر تنافسية. نتيجة لهذه الثقافة، تم استحداث معاني جديدة للفشل تعتمد على: قلة الشغف، انعدام الطموح، وعدم القدرة على استغلال الفرص. وفق هذه النظرة، أصبح البحث عن الاستثنائية هو الطريق الوحيد الناجح لتحقيق مكانة في المجتمع وسوق العمل.

وبالتالي، أصبحت معاني الاستثنائية مجردة من القيم الأخلاقية والإنسانية، وأصبح من المسموح تسلق زملائك وأقرانك لاقتناص الفرص منهم. أصبحت الوصولية فضيلة يتشبع بها الشباب للتسابق نحو مراتب الترقي الوظيفي.

لم يعد مهمًا أن تكون لك سمعة طيبة بين الناس أو سيرة جيدة بين الزملاء، بل الأهم هو أن تكون استثنائيًا (أو انتهازيًا) لتثبت قدرتك على الوصول والتحدي واستحقاق الاستثمار في تطويرك، وهذا يعتمد كليًا على مدى قربك من رؤسائك وأصحاب الأعمال.

هذه النظرية تستند على فكرة أن الإنسان يتعرض لقوتين متضادتين في حياته يحاول التملص بينهما: القوة القهرية الجبرية من ناحية، والقوة الناعمة والإغراءات من ناحية أخرى. فأي من القوتين تستطيع أن تضغط لتشوه مفاهيم الشرف والأمانة لتحولها إلى انتهازية أو استثنائية؟ الشخص الناجح في التملص من بينهما يعيش حياته بهدوء، بعيدًا عن أن يكون قاهرًا لمتابعيه أو موظفيه أو حتى أولاده.

أتمنى أن نتذكر أن القيم الأخلاقية والإنسانية هي الأساس الذي نبني عليه حياتنا. النجاح الحقيقي يأتي عندما نحافظ على نزاهتنا ونحترم الآخرين في رحلتنا نحو تحقيق أحلامنا. و نبقى أوفياء لقيمكم، ويجب علينا ان نتذكر أن الاستثنائية الحقيقية تتجلى في قدرتكم على التمسك بالحق والعدالة في مواجهة التحديات.