السبت، 13 يوليو 2024

عندما تزوج الأبيض مع الأسود فوُلِد لونا ليس له لون



كان رجلا غريبا، هذه هي الصفة التي تخرج من وجهه، غير مريح، نظراته، طباعه، ملابسه، حتى رائحته. هذا الرجل يعشق الكلام عن النار و يرفض بشدة أي كلام عن الجنة. لطالما نظر للدين و الحياة على أنها الطريق للنار و أن عليه بكل مقدرته أن يبتعد عنها، فلا طموح لديه إلا إتقاء شرها.

هو رجل وحيد فالصداقات مدخل للغلطات و الصديق ساحب للنار، غير مثقف فلا يقرأ حتى لا يتغير فكره و يتأثر بالملحدين. لا يحب المستشرقين و المتكلمين في الدين، صلب غير محب فلا يفتح قلبه لأحد حتى لا يجد الشيطان طريقا له.

تزوج من امرأة حنونة، عطوفة، كريمة، و لكنها حزينة، مكسورة، حاولت النجاح في زواجين و لكنها لم تستطع، تزوجته لتمسكه بتعاليم دينه فلا مرجع لأفعاله و كلامه إلا ما يفقه عن دينه.

عاشت معه في البداية و هي راضية و لكن مع مرور الأيام بدأت تفهم طباعه. إبتعدي، قاطعي لا تصاحبي، إصمتي لا تتكلمي، لا تخرجي، لا تعرفي، لا تشاهدي. ثم وصل إلى صومي لا تأكلي، صلي لا تنامي. تعبدي و تعبدي و تعبدي، فدخول النار أسهل من دخول الجنة.

نظرت لنفسها و نظرت لنفسه، تريد أن تدخل الجنه و هو يريد أن يبتعد عن النار، هما مختلفين و لكل منهم مبدأ حياة مختلف. فالوصول للجنة لا تعني الإبتعاد عن النار.

دام هذا الزواج بين اللونين حتى إمتزجوا و وصل أول لون بينهم، طفل ذكر، طبعا هو أراد أن يكون خليفته في الإبتعاد عن النار و هي إعتبرته ملاذها في الوصول للجنة. فهو سيربيه ليكون قاسيا لا يُعصر و هي ستربيه ليكون لينا لا يُكسر.

كبر الولد و أصبح يلازم والده خارج البيت و يشرب من طباعه و قول قوله و أصبح يشاركه في أفكاره. طبعا تضايقت الأم و أصرت بين نفسها على تغير إبنها و تعليمه أصول اللين. فالوصول للجنة في نظرها يتمثل في إظهار المحبة.

أصبح الولد رجلا بارا لأبيه و يشارك في عمله و بارا بأمه و يشاركها في أعمال المنزل. إختار لنفسه طريقا وسطا بينهم. إنه يسعى جاهدا للوصول للجنة و يسعى جاهدا الإبتعاد عن النار. و لكن في لحظة، دخل الشيطان في حياته فجعله يبتعد عن جنته و يجري مسرعا ناحية ناره.

وجد الأب نفسه يصبح أكثر خوفا و أكثر قساوة معه، يا إبني لا تسير ناحية النار. و وجدت الأم نفسها أكثر خوفا و أكثر لينا، يا إبني لا تبتعد عن الجنة. و لكن الإبن أصبح ضالا، لا يريد الإهتداء. فقد عاش عمره ممزقا بين طرفين بعيدين في تفكيرهما و المسافه كبيره بين وجهتي نظرهما. أصابه الشك في تفكيرهما و أراد أن يكون مختلفا عنهما.

رأى لنفسه طريقا أقل ضغطا و أقل مسؤولية، طريق الحرية. سيبتعد، سيظل بعيدا عن أبيه و عن أمه و عن كل تعاليم دينهم في البيت. سيجرب بنفسه، سيحارب الأفكار، سيترك ما يجبره، و سيتحرر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق