كان رجلا غريبا، هذه هي الصفة التي تخرج من وجهه، غير مريح، نظراته، طباعه، ملابسه، حتى رائحته. هذا الرجل يعشق الكلام عن النار و يرفض بشدة أي كلام عن الجنة. لطالما نظر للدين و الحياة على أنها الطريق للنار و أن عليه بكل مقدرته أن يبتعد عنها، فلا طموح لديه إلا إتقاء شرها.
هو رجل وحيد فالصداقات مدخل للغلطات و الصديق ساحب للنار، غير مثقف فلا يقرأ حتى لا يتغير فكره و يتأثر بالملحدين. لا يحب المستشرقين و المتكلمين في الدين، صلب غير محب فلا يفتح قلبه لأحد حتى لا يجد الشيطان طريقا له.
تزوج من امرأة حنونة، عطوفة، كريمة، و لكنها حزينة، مكسورة، حاولت النجاح في زواجين و لكنها لم تستطع، تزوجته لتمسكه بتعاليم دينه فلا مرجع لأفعاله و كلامه إلا ما يفقه عن دينه.
عاشت معه في البداية و هي راضية و لكن مع مرور الأيام بدأت تفهم طباعه. إبتعدي، قاطعي لا تصاحبي، إصمتي لا تتكلمي، لا تخرجي، لا تعرفي، لا تشاهدي. ثم وصل إلى صومي لا تأكلي، صلي لا تنامي. تعبدي و تعبدي و تعبدي، فدخول النار أسهل من دخول الجنة.
نظرت لنفسها و نظرت لنفسه، تريد أن تدخل الجنه و هو يريد أن يبتعد عن النار، هما مختلفين و لكل منهم مبدأ حياة مختلف. فالوصول للجنة لا تعني الإبتعاد عن النار.
دام هذا الزواج بين اللونين حتى إمتزجوا و وصل أول لون بينهم، طفل ذكر، طبعا هو أراد أن يكون خليفته في الإبتعاد عن النار و هي إعتبرته ملاذها في الوصول للجنة. فهو سيربيه ليكون قاسيا لا يُعصر و هي ستربيه ليكون لينا لا يُكسر.
كبر الولد و أصبح يلازم والده خارج البيت و يشرب من طباعه و قول قوله و أصبح يشاركه في أفكاره. طبعا تضايقت الأم و أصرت بين نفسها على تغير إبنها و تعليمه أصول اللين. فالوصول للجنة في نظرها يتمثل في إظهار المحبة.
أصبح الولد رجلا بارا لأبيه و يشارك في عمله و بارا بأمه و يشاركها في أعمال المنزل. إختار لنفسه طريقا وسطا بينهم. إنه يسعى جاهدا للوصول للجنة و يسعى جاهدا الإبتعاد عن النار. و لكن في لحظة، دخل الشيطان في حياته فجعله يبتعد عن جنته و يجري مسرعا ناحية ناره.
وجد الأب نفسه يصبح أكثر خوفا و أكثر قساوة معه، يا إبني لا تسير ناحية النار. و وجدت الأم نفسها أكثر خوفا و أكثر لينا، يا إبني لا تبتعد عن الجنة. و لكن الإبن أصبح ضالا، لا يريد الإهتداء. فقد عاش عمره ممزقا بين طرفين بعيدين في تفكيرهما و المسافه كبيره بين وجهتي نظرهما. أصابه الشك في تفكيرهما و أراد أن يكون مختلفا عنهما.
رأى لنفسه طريقا أقل ضغطا و أقل مسؤولية، طريق الحرية. سيبتعد، سيظل بعيدا عن أبيه و عن أمه و عن كل تعاليم دينهم في البيت. سيجرب بنفسه، سيحارب الأفكار، سيترك ما يجبره، و سيتحرر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق