الثلاثاء، 3 سبتمبر 2024

الملاذ اللذيذ في الكواليس ... بين فاربر و لويس

 

في اواخر العشرينات في القرن الماضي، كانت تعيش واحده من أكثر الطبيبات غرابة و مغامرة و سعيا في بريطانيا. طبيبة، تدعى لويس ويلز، و هي واحده من أشهر أطباء أمراض الدم في وقتها.

كان قبلها بقليل إستطاع عالم آخر إسمه مينوت من إكتشاف علاج لنوع من لأنيميا مقاوم لجميع العلاجلات المتاحة وقتها، و لكنه بعد سلسلة من تجارب التغذية الغريبة و المقرفه إستطاع السيطرة عليها و علاجها حتى يومنا هذا.

أخذت ويلز على عاتقها هذا الإكتشاف المذهل في الطب، و سافرت لأبعد نقطة عنها لدراسة نوع آخر من الأنيميا المميتة (وقتها) و هي أنيميا بومباي.

كان هذا النوع من الأنيميا لا تستجيب لعلاج أنيميا مينوت و لا لأي علاج آخر، و فشلت جميع محاولاتها العادية و الغير عادية في علاجها. و لكن يشاء القدير وقتها أنها كانت تأكل نوع من الطعام المعد خصيصا للنباتين يسمى المارمايت marmite. و هو نوع من الطعام الانجليزي و يتم دهنه على خبز مع الجبن و يؤكل جاهزا، فتأخذه منها مريضة من مريضاتها، و بقدرة القادر العليم، شفيت هذه المريضه.

إنقلب تفكير لويس و إنقلبت دنياها و أصبح هذه الساندويتش ملاذا لذيذا لمرضى أنيميا بومباي. و أطلق على المادة المعاجلة هي مادة ويلز، حتى تم إكتشاف الماده الفعاله بداخله و تم تسميتها بعد ذلك بحمض الفوليك.

و من هنا بدأ المجتمع الطبي يتقبل فكرة علاج أمراض مستعصية و مميته عن طريق عنصر غذائي واحد. فأنيميا بومباي و أنيميا مينوت تم علاجهم بعنصر واحد فقط. و أصبحوا نوعا من الأمراض التي تمت هزيمتها.
 
و لكن ما حدث بعد ذلك وراء الكواليس أدى لبداية علاج أشد و أخبث مرض عرفته البشرية على الإطلاق و هو لوكيميا الدم. بحيث أصبحت صورة نخاع العظام لمرضى أنيميا بومباي هي الصورة التي يتأملها فاربر يوميا، و هو دكتور الباثولوجية الدم الشهير و يعتبر أبو علاج اللوكيميا.

 و يبقى الأمل ...

الاثنين، 2 سبتمبر 2024

هل اللي اتكسر ممكن يتصلح؟


السؤال المطروح: هل الشركاء يقدروا يبنوا طرق تواصل جديدة توصلهم للثقة بعد الطلاق؟

طبعا الموضوع صعب و معقد، و اللي عاشه بس هو اللي ممكن يفهمه، أو اللي شاف حد حواليه يمر بالتجربة دي. الوضع مش مألوف، و الأسئلة كتير و بتشتت التفكير، و كأنك لازم تعيد تعريف الحاجات من أول و جديد.

ناس كتير شايفة إن الموضوع من الأساس فاشل، و السبب هو الأذى النفسي اللي حصل و الشروخ اللي ضربت شخصياتهم وقت المشاكل. و في ناس تانية - مش كتير - شايفين الفكرة من زاوية مختلفة. رغم كل الخلافات اللي حصلت، في جزء كبير من حياتهم اتقاسموا فيه الذكريات بحلوها و مرها، ضحكوا و بكوا مع بعض، كانوا بيتواصلوا بطرق كتير، و بعد الطلاق و هدوء العاصفة بقت الأوقات بتمشي ببطء و فراغ.

في ناس بتعتقد إن الصداقة ممكن ترجع بينهم، بس مش من منطلق الصداقة العادية، لكن من منطلق "إحنا فاهمين بعض أكتر دلوقتي، و مستعدين نتناقش بهدوء و نحمي بعض و نقف جنب بعض" زي ما قالتلي واحدة مرة.

الطريق الجديد ده ممكن يستغربه كتير من الناس خصوصا كبار السن، لكن اللي مروا بالتجربة دي عندهم استعداد يجربوا العلاقة دي من جديد.

الناس شايفة إن الكره مش ممكن يتحول لصداقة، بس في مثل بيقول "ما محبة إلا من بعد عداوة". المثل بيصدق الفكرة، لكن الناس بترفضها.

المجتمع و الأهل و الأصحاب بيضغطوا بشكل كبير لمنع إعادة الروابط بين المتخاصمين، و دايما بيكون في فجوة كبيرة بينهم عشان كل واحد بيرمي فشل العلاقة على التاني. ولو الطرفين حبوا يرمموا العلاقة من جديد، هيلاقوا رفض غير طبيعي و مش منطقي من المجتمع و الأهل، بحجة إن "اللي اتكسر مش بيتصلح"، و كمان بسبب الشعور بالهزيمة و الرغبة في الانتقام.

أنا هنا بقول إن نضج الأفراد محتاج قوة كبيرة عشان تحرك جبال العادات الفاسدة و التقاليد اللي مترسخة في قلوب و عقول الناس، و كمان عشان يقدروا يمحوا آثار التجريح من فشل العلاقة و يبتدوا من جديد. لأن المسؤولية مشتركة بين الشريكين.

الباحثين في الموضوع ده لقوا عدة أسباب ممكن الشريكين يرجعوا لبعض بسببها:

1. الثقة إن طالما الشريك تحمل عقبات و إجراءات الانفصال و عنده استعداد للكلام من جديد و جاهز نفسيا، فهو أكيد هيكون أهل لإعادة بناء الثقة.

2. الأشخاص مش بيقدروا يفقدوا العاطفة تجاه الطرف التاني بسهولة، و ساعات بيحسوا إنهم عايزين يرجعوا للظل بتاع شريكهم بعد ما شافوا المجتمع على حقيقته.

3. صديق مشترك واحد ممكن يكون ليه القدرة إنه يجمع خيوط الود من جديد بينهم، و يقرب وجهات النظر اللي اختلفوا عليها.

4. لما الطرفين يفهموا إن المسؤولية في نجاح العلاقة أو فشلها بتكون مشتركة بينهم.

5. الاقتناع إن العلاقة لازم تكون بدون أي توقعات أو شروط، إلا حماية الشريك و سمعته و حياته.

لو قرر الشريكين يكملوا من جديد، لازم يبقوا على وعي إن الطريق مش سهل، و لازم يكون عندهم استعداد يعيدوا بناء الثقة من البداية، و يكونوا مستعدين يواجهوا تحديات المجتمع و العادات اللي مش بترحم. الفكرة إن العلاقة الجديدة دي هتكون مختلفة عن اللي فاتت، ممكن تكون أهدى، أنضج، و أكتر واقعية. الفكرة مش في الرجوع لنفس النقطة اللي كانوا فيها قبل الطلاق، لكن في بناء حاجة جديدة مبنية على فهم أعمق لبعض و تجربة مروا بيها.

عايزين نكون واقعيين و نفهم إن اللي اتكسر ممكن يتصلح، بس بمجهود و وعي من الطرفين، و بالرغم من الضغط اللي ممكن يواجهوه، في ناس بتنجح في ده و بتعيد بناء علاقة أقوى و أكتر نضجا.

الأحد، 1 سبتمبر 2024

نفسك تطلع إيه لما تكبر؟

 

سألت إبني يوم، "نفسك تطلع إيه لما تكبر؟" بصلي بعينه الواسعة الجميلة وفكر لحظة، وقال لي: "بابا، نفسي أكون زيك!" ضحكت وقلت له: "وأنا بقى نفسي تشوف نفسك وتختار اللي تحبه."

الأطفال ساعات بيكونوا شايفين دنيتهم من خلالنا، وبيقلدونا في حاجات كتير. لكن المهم نديهم المساحة إنهم يكتشفوا نفسهم ويختاروا الطريق اللي يناسبهم. ممكن إبنك يقول لك إنه عايز يبقى دكتور، مهندس، أو حتى رائد فضاء. المهم نسمع له ونشجعه، ونفهمه إن مفيش حاجة مستحيلة طالما هو مؤمن بنفسه وبيسعى لتحقيق حلمه.

ولازم كمان نفتكر إن الطريق للنجاح مش لازم يكون مرسوم من الأول، ساعات أحلامنا بتتغير مع الوقت. خلينا ندعم ولادنا إنهم يجربوا حاجات جديدة، وميخافوش من الفشل، لأن كل خطوة هيتعلموا منها حاجة جديدة.

مهما كان الاختيار، اللي يهمنا إنهم يكونوا مبسوطين وراضين عن اللي بيعملوه. وإحنا هنا علشان نساعدهم، نشجعهم، ونقول لهم دايماً إننا فخورين بيهم. لأن في النهاية، مش المهم إحنا نفسنا يطلعوا إيه، لكن الأهم هما نفسهم في إيه.

السبت، 31 أغسطس 2024

الأشجار لا تعرف القبلات!!



كل صباح أجلس في شرفتي الصغيرة التي تغطيها شجرة كبيرة، بأوراقها الكبيرة وأغصانها الكثيرة. تمتلئ بالعصافير، وعندما أنظر لها وأمعن النظر أستطيع أن أراهم متلاصقين بجانب بعضهم ومختفين وسط الأوراق والأغصان. أتابع أصواتهم وأرى جمال الكون فيهم.

لفت انتباهي عصفوران بين مجموعة عصافير على غصن، يتلاقيان بمنقاريهما وكأنهما يتصافحان أو يتبارزان، أو ربما يتبادلان القبلات. عجيب أمر العصافير، فهل وجدت مناقيرهم للتبارز وهم رمز الحب؟ لا أعتقد. تابعت الأمر باهتمام أكبر، فرأيت العصفورين يطيران معًا وكأنهما وقعا في العشق، يطيران بتناغم وانسجام. إذن فالعصافير تعرف القبلات. كيف لا تعرف وهي كل الجمال.

أخذت أبحث عن طيات الجمال والحب في كل مكان في الشجرة. فجذبني تلاحم أغصانها. نعم، إن أساس محبة العصافير نابع من حب الأغصان لبعضها. لو لم تكن الأغصان تحب بعضها لما استطاعت العصافير أن تقف عليها وتظهر حبها وتتبادل قبلاتها.

لكن الأشجار لا تعرف القبلات، بل تعرف ما هو أعظم منها؛ حبها ينبع من كثرة العناق الحادث تحت ظلالها. العناق هو المرحلة الأسمى في الحب، حيث يتم التلاقي الحقيقي. وإذا تأملت الطبيعة، ستجد أن حبها المتبادل قائم على العناق. فالسحاب في حالة عناق، والأمواج في حالة عناق، وأشعة الشمس تعانق كل الأرض.

الحب في كل الموجودات يكمن في حب العناق. وعندما تقتنع بذلك، ستجد أشكالًا كثيرة من العناق، كعناق الأقلام مع الكلمات، وعناق الألوان مع الفرش، وعناق الأصوات مع الألحان.

في تلك اللحظة، شعرت بأنني بحاجة إلى أن أكون جزءًا من هذا التناغم الطبيعي. بدأت أتمعن أكثر، وأجد أن هناك درسًا عميقًا في هذا العناق الكوني، ليس فقط في الأشجار والعصافير، بل في كل شيء حولي. تساءلت: كيف يمكن للإنسان أن يتعلم من الطبيعة هذا الفن البسيط والعميق في آن واحد؟

العناق ليس مجرد اقتراب بين جسدين، بل هو تلاقٍ بين الأرواح. هو تواصل صامت يحمل في طياته مئات الكلمات التي تعجز عنها الألسن. إنه الفهم العميق والصمت المتبادل الذي لا يحتاج إلى تبرير. وتمامًا كما تعانق الأغصان بعضها البعض لتمنح العصافير مكانًا للحب والعيش، يجب علينا نحن البشر أن نعانق بعضنا البعض بالحب، بالدعم، بالفهم.

وفي خضم هذه التأملات، أدركت أن العناق يمكن أن يكون شفاءً. في لحظة العناق، يمكن أن تذوب الأحزان، وتتلاشى المخاوف. يصبح العالم أقل قسوة، والحياة أكثر دفئًا. إنه تذكير بأننا لسنا وحدنا، وأن هناك دائمًا من يقف بجانبنا.

وهكذا، بينما أراقب الأشجار والعصافير في صمتها المتناغم، أدركت أن الطبيعة تحمل في طياتها أسرارًا تتجاوز الكلمات. أسرارًا يمكنها أن تعلمني كيف أعيش بسلام مع نفسي ومع الآخرين. فالحب ليس مجرد كلمات أو قبلات، بل هو عناق الروح للروح، والإنسان للطبيعة، والطبيعة للكون بأسره.

الخميس، 29 أغسطس 2024

التفاؤل بالحياة والتعايش مع الصعوبات

 

الحياة رحلة مليانة تحديات ومواقف صعبة، وكل يوم بيجيب لنا حاجة جديدة نحتاج نتعامل معاها. علشان نقدر نعدي من التحديات دي، لازم يكون عندنا نظرة إيجابية، وحب حقيقي للحياة. التوجه ناحية الحياة مش مجرد كلمة، ده موقف بنعيشه يوم بيوم، يعني تكون دايمًا مستعد تواجه أي حاجة بعزيمة وإصرار، وتخلي التفاؤل جزء من حياتك.

لما الواحد يكون متفائل، بيشوف الدنيا بشكل مختلف. مش بس بيحس إن حالته النفسية أحسن، لكن كمان بيبقى بعيد عن المشاكل النفسية والجسمانية اللي ممكن تأثر عليه. التفاؤل بيخلي الواحد يحب نفسه وحياته أكتر، وده بينعكس على تصرفاته وأفكاره بشكل إيجابي. وعلى الناحية التانية، لو التفاؤل قل، القلق والاكتئاب بيزيدوا، وده بيأثر على كل حاجة في حياتنا.

التعايش مع الصعوبات بقى موضوع مهم جدًا. التعايش معناه إنك تقدر نفسك وتعرف إزاي تتحمل وتواجه الصعوبات. كل واحد فينا عنده قدرات مختلفة بيقدر من خلالها يتعامل مع المشاكل اللي بتواجهه. الحكاية دي بتعتمد على طبيعة المشاكل وطبع الشخص نفسه. كمان، التعايش بيعني إنك تكون صادق مع نفسك، وتقدر تعيش في سلام ورضا مع حياتك مهما كانت الظروف.

الهدف من كل ده إننا نحاول دايمًا نرفع من مستوى التفاؤل اللي جوانا، ونربطه بالإقبال على الحياة. التفاؤل هو اللي بيدينا القوة إننا نستمر، والتعايش بيخلينا نقدر نتعامل مع الصعوبات بدون ما نفقد تقديرنا لذاتنا. لما نحقق ده، هتبقى نفسيتنا أقوى، والقلق هيقل، وهنقدر نعيش حياتنا بحب وسعادة أكتر.

الأربعاء، 28 أغسطس 2024

من البداية لحد النهاية



الحياة زي الزرع، كل حاجة بتبدأ صغيرة، بتكبر وتتطور مع الوقت. لما بنزرع بذرة في الأرض، بتحتاج صبر وعناية. نفس الحكاية في حياتنا، كل حاجة كبيرة كانت في يوم من الأيام صغيرة، محتاجة وقت وجهد عشان تكبر وتطرح ثمار.

البذرة بتتحط في الأرض، وتاخد وقت عشان تنبت. بتقابل صعوبات في التربة، بتحارب عشان توصل للشمس، نفس الحكاية في حياتنا، الطريق مش دايماً سهل، بنواجه تحديات، بس دي اللي بتقوينا وتخلينا نقدر نكمل.

بعد ما البذرة تنبت، بتبدأ تكبر شوية بشوية، وتطلع أوراق وأغصان. الحياة بتمشي بنفس الطريقة، كل يوم بنتعلم حاجة جديدة، بنتغير، وبنكبر. الشجرة ما بتكبرش في يوم وليلة، وكمان إحنا مش بنوصل لكل حاجة بسرعة، بنحتاج صبر، تركيز، وإصرار.

وفي النهاية، الشجرة اللي بدأت ببذرة صغيرة بتطرح ثمار، وبتطلع بذور جديدة. الحياة برضه كده، كل حاجة بنعملها، كل مجهود بنبذله، بيسيب أثر، بيدي نتيجة، وبيخلق فرص جديدة. 

الزراعة بتعلمنا إن مافيش حاجة بتيجي بسهولة، وإن اللي بينمو ببطء، بينمو بقوة. الحياة بتحتاج صبر وعناية، زي الزرع بالضبط. وكل مرحلة فيها ليها جمالها، من البداية لحد النهاية، ومن النهاية لبداية جديدة.