السبت، 31 أغسطس 2024

الأشجار لا تعرف القبلات!!



كل صباح أجلس في شرفتي الصغيرة التي تغطيها شجرة كبيرة، بأوراقها الكبيرة وأغصانها الكثيرة. تمتلئ بالعصافير، وعندما أنظر لها وأمعن النظر أستطيع أن أراهم متلاصقين بجانب بعضهم ومختفين وسط الأوراق والأغصان. أتابع أصواتهم وأرى جمال الكون فيهم.

لفت انتباهي عصفوران بين مجموعة عصافير على غصن، يتلاقيان بمنقاريهما وكأنهما يتصافحان أو يتبارزان، أو ربما يتبادلان القبلات. عجيب أمر العصافير، فهل وجدت مناقيرهم للتبارز وهم رمز الحب؟ لا أعتقد. تابعت الأمر باهتمام أكبر، فرأيت العصفورين يطيران معًا وكأنهما وقعا في العشق، يطيران بتناغم وانسجام. إذن فالعصافير تعرف القبلات. كيف لا تعرف وهي كل الجمال.

أخذت أبحث عن طيات الجمال والحب في كل مكان في الشجرة. فجذبني تلاحم أغصانها. نعم، إن أساس محبة العصافير نابع من حب الأغصان لبعضها. لو لم تكن الأغصان تحب بعضها لما استطاعت العصافير أن تقف عليها وتظهر حبها وتتبادل قبلاتها.

لكن الأشجار لا تعرف القبلات، بل تعرف ما هو أعظم منها؛ حبها ينبع من كثرة العناق الحادث تحت ظلالها. العناق هو المرحلة الأسمى في الحب، حيث يتم التلاقي الحقيقي. وإذا تأملت الطبيعة، ستجد أن حبها المتبادل قائم على العناق. فالسحاب في حالة عناق، والأمواج في حالة عناق، وأشعة الشمس تعانق كل الأرض.

الحب في كل الموجودات يكمن في حب العناق. وعندما تقتنع بذلك، ستجد أشكالًا كثيرة من العناق، كعناق الأقلام مع الكلمات، وعناق الألوان مع الفرش، وعناق الأصوات مع الألحان.

في تلك اللحظة، شعرت بأنني بحاجة إلى أن أكون جزءًا من هذا التناغم الطبيعي. بدأت أتمعن أكثر، وأجد أن هناك درسًا عميقًا في هذا العناق الكوني، ليس فقط في الأشجار والعصافير، بل في كل شيء حولي. تساءلت: كيف يمكن للإنسان أن يتعلم من الطبيعة هذا الفن البسيط والعميق في آن واحد؟

العناق ليس مجرد اقتراب بين جسدين، بل هو تلاقٍ بين الأرواح. هو تواصل صامت يحمل في طياته مئات الكلمات التي تعجز عنها الألسن. إنه الفهم العميق والصمت المتبادل الذي لا يحتاج إلى تبرير. وتمامًا كما تعانق الأغصان بعضها البعض لتمنح العصافير مكانًا للحب والعيش، يجب علينا نحن البشر أن نعانق بعضنا البعض بالحب، بالدعم، بالفهم.

وفي خضم هذه التأملات، أدركت أن العناق يمكن أن يكون شفاءً. في لحظة العناق، يمكن أن تذوب الأحزان، وتتلاشى المخاوف. يصبح العالم أقل قسوة، والحياة أكثر دفئًا. إنه تذكير بأننا لسنا وحدنا، وأن هناك دائمًا من يقف بجانبنا.

وهكذا، بينما أراقب الأشجار والعصافير في صمتها المتناغم، أدركت أن الطبيعة تحمل في طياتها أسرارًا تتجاوز الكلمات. أسرارًا يمكنها أن تعلمني كيف أعيش بسلام مع نفسي ومع الآخرين. فالحب ليس مجرد كلمات أو قبلات، بل هو عناق الروح للروح، والإنسان للطبيعة، والطبيعة للكون بأسره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق