ماذا لو لم يكن السرطان مجرد مرض، بل كائناً ظهر صدفة، وجد نفسه في معركة أزلية ضد الفناء؟ كأن خلية قررت التمرد على ناموس الموت، فسلكت طريقاً مستقلاً، تأكل، تشرب، تتكاثر، وتبحث عن امتداد وجودها بأي ثمن.
هو لا يسعى لتدمير الجسد، بل ربما يجهل أنه سبب هلاكه. كل ما يريده هو البقاء، أن يطيل عمر خلاياه، أن يحصنها ضد الفناء. لكنه، في سعيه هذا، لا يدرك أن الجسد الذي يمنحه الحياة هو نفسه الأرض التي ينهار فوقها كيانه. موت عضو ليس مجرد حدث، بل بداية لانهيار المنظومة كلها، فيسقط معها السرطان، رغم محاولاته المستميتة للخلود.
وكأي كائن حي، لا يكتفي بالمكان الذي نشأ فيه، بل يهاجر، يبعث بخلاياه إلى أراضٍ جديدة داخل الجسد، يبحث عن ملاذ آمن حيث يمكن لنُسله أن يستمر. لكنه يظل أسير السؤال الأبدي: لماذا يسعى للخلود؟ الكائنات العاقلة تؤمن بحياة أخرى بعد الموت، أما هو فلا يملك يقيناً، فقط إحساس غريزي يدفعه لتجنب الفناء.
الخوف من الموت ينبع من الجهل به. السرطان لا يعرف سوى أنه موجود، أنه خلق لنفسه حيزاً داخل الجسد، وأن الموت يعني زواله بالكامل. فيتمسك بالحياة، ليس لأنه واعٍ بها، بل لأنه لا يرى بديلاً عنها