السبت، 21 ديسمبر 2024

حبيسته، حبيبته، نسمته


نظر ليلا إلى السماء و مال برأسه على جانبه ميلا شديدا حتى كاد أن يسقط. غاب في السواد الشديد، أثاره الشجن و تذكر حبيبته. حاول أن يتكلم مع الهواء، و حاول إقناعه بتوصيل رسالة لها. في البداية رفض الهواء و لكنه بعد أن عرف إسمها ضحك و وافق على التوصيل.
نسمة، هذا هو إسمك، هو بعض من الهواء العليل، يشفي القلب و يمحي الحزن و يملئ الروح بالحنين. سامحيني، لقد كنت جاهلا لا أعلم، لقد ظلمتك و ظلمت معكي نفسي. كم أنت صابرة و عطوفه، أرجوكي تذكريني و تذكري معي حياتنا السابقة. لقد كنتي لي كل شئ.
أطلق عنان تفكيره فتخيلها من ساكنات السماء. سبح معها في الفضاء بين ذرات النجوم و الهواء. كل شئ هنا جميل و نظيف، نظام مرتب و ألوان بديعه. لا أريد أن أعود للأرض، لا أريد أن أفقد متعتي معك مرة أخرى. أنت وَنَسي و أنت أُنسي و أنت رائحة حبي.
أمسك بيديه الحديد الموجود على شباك غرفته و تعلق به بشدة. صرخ عاليا و بكى بحرقة، أريد أن أخرج من هنا، أريد أن أراها، لن أعيش سواها، لا أستطيع العيش.
فُتح بابا غرفته سريعا و دخل إثنين بأجساد كالثيران و ألصقوه في الحائط و حقنوه بمخدر ليهدأ و ينام و ينسى و لكن هيهات أن ينسى. إنها حبيسته، حبيبته، نسمته.

الخميس، 19 ديسمبر 2024

لولا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس


في حياتنا اليومية بنقابل ناس كتير وعلاقات مختلفة، بس مش دايمًا كل الناس دول بيكونوا على نفس الدرجة من الصدق والوضوح. كلنا بنشوف ونسمع عن الغدر والخيانة، سواء في الشغل أو بين الأصحاب أو حتى في العلاقات العاطفية. بنقول لنفسنا ساعات "ليه الناس بتغدر؟" والإجابة ممكن تكون إن الغدر أحيانًا بيكون أسهل طريق للوصول للأهداف اللي الناس عايزاها.
بس الحقيقة اللي الكل لازم يفهمها إن الغدر مش طريقة صح للوصول لأي حاجة في الحياة. رغم إنه ممكن يجيب نتائج على المدى القصير، إلا إنه على المدى الطويل بيدمر العلاقات وبيدمر الثقة. وده لأن الثقة، لما بتنكسر، صعب ترجع تاني زي الأول.
في ناس كتير ممكن يكونوا أذكياء جدًا ويقدروا يلعبوا على الكروت المستخبية ويخدعوا اللي حواليهم، لكنهم بيختاروا ما يعملوش كده لأنهم بيكرهوا الغدر والخيانة. القيم والمبادئ اللي بتخلي الواحد يحترم نفسه والناس اللي حواليه، هي اللي بتحميه من إنه يكون شخص غدار.
الشخص اللي بيكره الغدر بيكون عنده احترام لنفسه وللآخرين، وده بيخليه يبني علاقات قوية وصادقة، وده اللي فعلاً بيديله القوة والتأثير في حياته.
ممكن نقول إن الأذكياء فعلاً هم اللي بيختاروا يكونوا صادقين ونبلاء في تعاملاتهم، حتى لو كان الغدر ممكن يديهم فرصة إنهم يكونوا أدهى الناس. القيم والمبادئ أهم من أي مكسب ممكن ييجي عن طريق الخداع والغدر. الحياة مش سباق للفوز بأي طريقة، لكن هي سباق إن الواحد يكون أحسن نسخة من نفسه، ويحترم اللي حواليه. و زي ما الحسين بن علي قال "لولا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس".

الأربعاء، 18 ديسمبر 2024

الشجر لا يستسلم

 


كنت ماشي في طريق طويل مليان شجر. الشجر حواليّ واقف كإنه جنود في معركة، عالي ورُغم الرياح اللي بتلعب بأغصانه، واقف مش بيتحرك من مكانه. وقفت قدام شجرة قديمة، جزعها مليان شروخ، وأوراقها قليلة قوي، لكن رغم كل ده، لقيت غصن صغير طالع جديد. غصن أخضر، فيه حياة.


فكرت: الشجرة دي عايشة سنين طويلة، عدّت عليها عواصف، حرّ، مطر، ويمكن حتى حاولوا يقطعوها. لكن هي صامدة، بتحارب بطريقتها. بتعرف إزاي تلم نفسها وتكمل، حتى لو فقدت فروع وأوراق. الجزع بتاعها مليان علامات المعارك، لكن العلامات دي مش دليل ضعف، دي دليل إنها ما استسلمتش.


الشجر ما بيستسلمش، لأنه فاهم حاجة إحنا ساعات كتير بننساها: الحياة فيها وجع وخساير، لكن فيها برضو فرص جديدة للنمو. الشجر بيتعلم يمتص الألم ويحوّله لغذاء ينفعه. حتى الشجرة اللي بتتقطع، بتسيب بذورها للأرض عشان تزرع حياة جديدة.


طب ليه إحنا ساعات بنستسلم؟ ليه لما نقع بنفتكر إننا مش هنعرف نقوم؟ يمكن الشجر بيحاول يقولنا حاجة. بيقولنا إن الكسر مش النهاية، وإن الوجع مش معناه الموت. دائماً فيه فرصة للنمو، دايماً فيه غصن جديد ممكن يطلع.


لو حسيت إنك واقع أو ضعيف، افتكر الشجر. اتعلم منه. جدد جواك الغصن الأخضر، حتى لو كنت شايف نفسك شجرة مليانة شروخ. مش مهم شكلك إيه دلوقتي، المهم إنك تكمل. لإن الحياة مش بتقف لحد، والحكاية ما بتنتهيش مع أول عاصفة.


الثلاثاء، 17 ديسمبر 2024

السرطان لا يفكر في مستقبله

 

السرطان مرض قاسي، بيدخل حياة الناس بدون استئذان، يغير كل حاجة فجأة، وبيجبرك تعيد ترتيب أولوياتك. لكن لو فكرنا فيه ككائن حي، هنلاقي إنه مش بيخطط، ولا بيفكر في المستقبل زي ما إحنا بنعمل. السرطان عايش اللحظة، شغال على هدف واحد بس: النمو والسيطرة.

هو مش مهتم إذا كان اللي بيعمله هيؤدي لنهايته أو حتى لنهاية الجسم اللي هو جزء منه. عايش كأنه عنده شهوة حياة بس حياة قصيرة الأمد، ودي يمكن أكتر حاجة بتفرق بينه وبين الكائنات التانية. إحنا بنخطط، بنبني، بنفكر في بكرة، لكن السرطان مجرد اندفاع أعمى.

الغريب إن تفكيره البسيط ده هو اللي بيخليه مدمر جدًا. لأنه لو فكر، لو حسب العواقب، كان هيعرف إنه لما يدمر الجسم اللي عايش فيه، هو كمان هينتهي. لكن طبيعته كده، مبرمج على فكرة واحدة: استغل الموارد من غير تفكير.

لو بصينا للسرطان كرمز، ممكن نتعلم حاجة مهمة. كل مرة بنعيش فيها يومنا بس من غير تخطيط، بنسيب مشاكلنا تكبر زي السرطان. كل مرة بنهدر مواردنا أو وقتنا من غير ما نحسب تأثير ده على المستقبل، بنكرر نفس الفكرة: النمو الأعمى اللي في الآخر هيخلينا ندفع تمن غالي.

السرطان مش بيفكر في مستقبله لأنه ببساطة مش هيعيش عشان يشوفه. السؤال هنا: إحنا بنفكر في مستقبلنا؟ ولا سايبين الحياة تاخدنا زي موجة ماشيه على طريقة السرطان؟

الاثنين، 16 ديسمبر 2024

أبراج داخل أنفاق

 

داخل نفق طويل مليان حكايات ونصايح، واحدة بتحكي للتانية بحماس وكأنها ماسكة مفتاح أسرار الحياة. بتقولها: "بصي يا حبيبتي، قبل ما تفكري تدخلي أي علاقة جدية، لازم تذاكري الأبراج كويس جدًا. الأبراج في الأول بتوفر عليكي وقت كبير ومجهود، لأنها بتخليكي تعرفي كتير عن الشخص اللي قدامك من غير ما تسأليه ولا تحطيه في مواقف."

بتكمل كلامها وكأنها عالمة في الموضوع: "الأبراج مش مجرد كلام فاضي، دي تجارب متكررة بتثبت أن الشخصيات بتتشابه على حسب البرج. تعرفي تصرفاته، طريقة تفكيره، وحتى ردود أفعاله في المواقف المختلفة. بس طبعًا، لكل قاعدة شواذ."

وتبدأ تقدم نصايح عملية: "إتمرني على معرفة الأبراج من طريقة كلام الناس، حركاتهم، وحتى أسلوبهم. ولو قدرتي تعرفي برجه من غير ما تسأليه وطلع صح، يبقى كسبتي قلبه قبل ما تكسب عقله. قولي له كام صفة حلوة عن برجه، وشوفي الفرح في عينيه. هيصدقك على طول ويطلب منك تقولي أكتر. بس خليكي ذكية، ركزي على المميزات، وسيبي العيوب على جنب."

بتضحك وهي تضيف: "الصفات الحلوة دي هتشبع غروره وتخليه يحس إنه مميز جدًا في عيونك، وإنك الوحيدة اللي شايفة جماله الحقيقي، الجمال اللي حتى أهله وأصحابه مش شايفينه. بس خلي بالك، متصدقيش الكلام ده كله إلا لما يثبته بنفسه، لأن الرجال أوقات بيكونوا... عارفين، مش مضمونين. دي أصول اللعبة يا قمر!"

وأنا واقف، مستغرب، مش لاقي كلام أرد بيه. بس طالما قالت إنه "علم" و"تجارب وخبرات"، شكلي هسكت وأتفرج.

الأحد، 15 ديسمبر 2024

زنقة الأطفال بين خناقات الكبار

 

ممكن الطفل يلاقي نفسه خايف ومش فاهم لما يشوف أبوه وأمه بيتخانقوا، وده حاجة طبيعية جدًا. الطفل بطبعه حساس، وبيشعر بكل حاجة بتحصل حواليه، وخصوصًا لما يتعلق الأمر بالناس اللي بيحبهم وبيحس بالأمان معاهم. لما الأب والأم يتخانقوا، الطفل بيحس إن فيه حاجة غلط، وده بيخليه خايف على عيلته وبيته.

الطفل بيخاف إن الخناقات دي ممكن تؤثر على حياته اليومية، زي إنه مش هيحس بالراحة في البيت، أو إن أبوه وأمه ممكن ينفصلوا، وده ممكن يغير حياته كلها. الخوف ده بيجي من إنه مش فاهم الخناقات دي ليه بتحصل أو هتنتهي إزاي.

لما الطفل يشوف الخناقات دي، ممكن يترجمها بطريقته الخاصة ويبدأ يحس بالقلق على أبوه وأمه. ممكن يفكر إنهم مش بيحبوا بعض زي الأول، أو إن البيت ممكن يبقى أقل أمانًا بالنسبة له. كل الحاجات دي بتعمل له قلق وتوتر، وبيكون محتاج حد يطمنه.

من المهم جدًا إن الأب والأم ياخدوا بالهم من شعور طفلهم لما يحصل أي خلاف بينهم. لازم يوضحوا له إن الخلافات دي حاجة طبيعية بتحصل بين الكبار، وإنهم بيحبوا بعض مهما حصل. كمان مهم يطمنوه إن البيت هيكون دايمًا مكان آمن له، وإنهم موجودين معاه وبيحبوه.

الطفل محتاج يسمع كلام مطمئن من أهله، زي إنهم بيحاولوا يحلوا المشاكل بطريقة كويسة، وإن الخناقات دي مش هتأثر عليه أو على حياتهم سوا. التواصل مع الطفل بشكل صريح ومباشر بيقدر يخفف من خوفه وقلقه، ويخليه يحس بالراحة والأمان في بيته وعيلته.

لازم نفهم إن الخوف ده طبيعي جدًا، ومهم إننا نحاول نتعامل معاه بالطريقة الصح، عشان نساعد الطفل يحس بالأمان والراحة في وسط عيلته مهما كانت الظروف.