الأحد، 12 مايو 2024

التربية ... بين الصدفة و التحكم في الأسباب



يحاول الطفل في كل تصرف أن يجد الأسباب التي يفسرها بها، و يحاول أن يجد لنفسه سبب مقنع حسب قدراته و خبراته و ثقته في نفسه و ثقته فيمن حوله. و نتيجة هذه المحاولات تتكون شخصيته و تتحدد حياته و مستقبله.

توجد ثلاث عوامل تتصل بمدى قدرة الطفل على إيجاد هذه الأسباب و هي: الأول و هو تفسيره لسير الأحداث و هل هي نتيجة فعل داخلي من عنده أم فعل خارجي، و الثاني هو الفعل نفسه فهل يكون قابلا للتغير أم لا، و الثالث قدرته الداخليه على التحكم في فعل الفعل.

فمثلا نجاحه في حل معادلة رياضية صعبه، هل هو نتيجة بذله لمجهود في المذاكرة فأصبحت سهلة في نظره، أم أنه إستطاع التخمين بطريقة صحيحة، أم أن الحل الصحيح كان مجرد صدفه.

و المثل الثاني هو قبوله الاجتماعي في المدرسة أو شهرته بمعنى آخر، هل هو نتيجة جاذبيته البدنية و شكله، أم سلوكه مع أقرانه و مدرسيه، أم درجاته في الإمتحانات.

في العموم فإن المتضمنات الإنفعالية عند الاطفال يكون لها دوافع مختلفه عنها عند البالغين، فأمالاهم بسيطة و أحلامهم قريبه و مشاعرهم سهل تغيرها. 

مثلا لو نظر الطفل لنجاحه في حل المعادلة الصعبة كان نتيجة قدرته و مجهوده فسوف يؤدي لمزيد من تقديره لذاته و بالتالي إستمراره. و لكن لو نظرته كانت نتيجة الصدفه فلن يهتم بمذاكرته و سيتحول لمتواكل. 

و لو نظر لشهرته على أنها بدنية سيكون عنيفا في فعله و لو نظر على أنها سلوكيه سيختار طريق الأخلاق.

طبعا أنا بتكلم عن النظرة الإيجابية للنفس و لا أتكلم عن لوم النفس و الطرق الملتوية - البغيضه في نظري - للضغط و التغيير.

و مع الوقت سينشأ الطفل على محاولة وزن الأسباب بالنتائج و سيكون قادرا على فهم لأفعال الآخرين و إيجاد أسباب لها. و هو ما سيبني عليه بعد ذلك علاقاته الاجتماعية و الأسرية.

السبت، 11 مايو 2024

أسير في كأس العفاريت


خرجت لألعب مع الأولاد، أصدقائي في الشارع، نجري و نضحك و نتبارز. لا نهدأ و لا نتعب و لا نمل. أصبح بيننا تحدي، من يمشي على المسامير يصبح هو الرابح. جلسنا نلم المسامير و نبحث عنها في أرجاء الشوارع، ثم فرشناهم على الأرض و تحدينا بعض. من يستطيع أن يمشي عليهم بدون أن يصرخ فهو الرابح.

كان دوري الأخير، فكل من سبقني لم يستطع الإستمرار في المشي، الكل صرخ من الألم، و لم يبقى غيري، فنظرت للمسامير بخوف و نظرت لأصدقائي كأني الوحش يأكل المسامير، فطالما أستطيع أكلهم فلم تستطيع أن تؤلمني.

هممت بالوقوف على حافة المسامير و خلعت حذائي و شمرت بنطالي إستعدادا للمشي، و عندما رفعت قدمي، تفاجئت بأصدقائي يحملونني و يرفعوني في الهواء ثم يتركوني أسقط على المسامير. إرتعبت بشدة و صرخت بأعلى صوتي، لاااااااااااا.

حاولت ألا اسقط على المسامير و لكني فشلت. نزلت عليها واقفا، فدخلت المسامير كاملة في رجليا. شعرت بألم رهيب يجتاحني و يذهب بروحي، فلا أستطيع النظر و لا أستطيع الصراخ و ينهمر العرق من جبهتي و رأسي.

إمتلئت الأرض بالدماء و سقطت على الأرض لا أتحرك. فزع الأولاد من منظر الدم و من صراخي و تركوني وحدي و لاذوا بالفرار. سندت على يدي و زحفت الشارع على بطني و كل ما هممت بالوقوف أشعر بصاعقة تخترق رجلي فأصرخ و أسقط.

وصلت بيتي و فتحت الباب و ناديت على والدي فلم أسمع صوتهم و لم أجدهم. خرج أبي و أمي من المنزل، فأنا أجلس وحدي و قدمي تؤلمني بشدة، لا أعرف ماذا أفعل. هدأت و شعرت بالصمت يجتاح البيت. شعرت بخوف شديد، فالأحلام لا تراودني إلا في وحدتي، نظرت إلى الحوائط و الأثاث و أنا أتخيل العفاريت تخرج منهم و تنظر لي. تخيلت أشباحا تخرج من تحت السرير و تحاول أن تمسك رجلي.

سمعت صوتا يغني و يصفر، تخيلته أحدا يمر في الشارع و يسلي نفسه، فنظرت من الشباك فلم أجد أحدا. ركزت في صوت المغني و طقطقت أذني لأحدد مكانه، و نظرت لباب المطبخ و شعرت بأن عيونا تنظر لي. إرتميت على الكنبة و أدخلت رأسي في وسادتها و صرخت إنه شبح، إنه يغني و يصفر.

دق قلبي بسرعه شديدة، و شعرت به يخترق صدري، لا أستطيع أن أنظر و لا أستطيع أن أجري من البيت، هل هي النهاية، هل سيأكلني العفريت، أم سيأخذني عنده رهينة لأخدمه طوال حياتي و يضعني في كأس و يغلقه و كلما أحب أن يلعب معي مسك الكأس و رجه لأقع بين هزاته فينظر إليا و يضحك. هل هذه نهايتي، أسير في كأس العفريت.

أحسست بالحركة في المطبخ تزداد و أن شيئا يتحرك ناحيتي،فأسمع صوت خطوات ثقيلة تقترب مني، ثم صمت رهيب. شعرت بهواء بارد على جسمي و كأن البرد إجتاح جسدي و إرتعششت و أغمضت عيني و غرقت في نوم عميق.

فتحت عيوني و أنا أقول لا لن تستطيع أكلي و لن تستطيع أخذي، ثم سمعت صوت أمي و هي تقول، إستيقظ يا حبيبي، مالك تنام في الصالة و لست على سريرك، نهضت مسرعا و إرتميت في أحضانها و نسيت أني كنت أحلم.




الخميس، 9 مايو 2024

سلحفاتي التي أحببتها بعدما كرهتها


منذ فترة تعتبر طويلة نسبيا أُهدى إليا سلحفاة. لم أحبها في البداية، و إستشعرت غرابة شخصيتها. فهي بطيئه في كل شئ، مشيتها، أكلها، نومها. شعرت بإشمئزاز كبير حين تأملت جسدها لأول مرة، كم هي ثقيلة و كم هي غريبة. فعظامها خارجها و لا يظهر منها إلا رأسها و رقبتها و أظافر أقدامها.

لم ارى بوضوح وقتها كم تعيش هذه السلحفاه حرية لم ألمسها قط، فحياتها هادئة و معيشتها بسيطة و ثقل صدفتها لا تمثل لها مشكله.

كيف وصلت هذه السلحفة لهذا القدر من الصمت فتعيش بلا كلام و بلا سمع على ما أعتقد. فلا تتأثر بكلام و لا بنظرات و لا بالقيل و القال. ليس لها طموح و لا تفكر في المستقبل و لا تهتم لتاريخ السلاحف العظيم. هي بداخل صدفه، محشورة و لكني أعتقد أنها سعيده.

في يوم من الأيام كنت حزينا للغاية، فرأيتها تأتي لب مسرعة بكل جهدها لكي تعضني في قدمي، فهل تستأنس بوجودي؟ أم انها مجرد جائعه و تريد الأكل؟

رفعتها على الطاولة و وضعت رأسي أمام رأسها و نظرت في عيونها، فرأيتها كبيره، مستديره، و سوداء، لا تعكس اي ضوء. حاولت ان أرى أفكارها و أعرف ماذا تريد، و لكني تيقنت وقتها أنها تريد الأكل.

وضعت يدي على صدفتها لأمنعها من التحرك ناحية الأكل البسيط، ثم بدأت أحكي لها لما أنا حزين لهذه الدرجة. سمعتني في صمت و لكنها تثائبت! نعم فتحت فمها و تثائبت! كم هذا الفعل أضحكني و أدهشني.

هل ما اقوله و أفعله ممل لهذه الدرجة التي تجعل سلحفاتي تتثائب. هذه السلحفاء البطيئة و الصامته و المملة تتثائب من مشاكلي. فيال العجب عندما فهمت للحظة كم ان مشاكلي فعلا صغيره و انها لا تحتمل كل هذا الحزن و الألم بداخلي. فكرت كم أنا فعلا محبوس داخل صدفتي، صدفة أفكاري و علاقاتي.

عندما انظر الي لسلحفاتي كل صباح، لم أعد ارى بطئها و لكني ارى قدرتها على حمل ثقل صدفتها و التحرك بها و التأقلم معها و عدم محاولة كسرها او الإبتعاد عنها.

كم أحبك الآن ايتها السلحفاه و كم كرهتك من قبل.

الثلاثاء، 7 مايو 2024

ناجين بجسد مسكين



من فترة ليست طويلة لم يعد يطلق على المصابين بالسرطان إسم مريض أو ضحية بل ناجي survival و كأنهم كانوا في حرب . في كل مكان تجدهم يلبسون قمصانا بلون موحد حسب نوع السرطان و مكتوب عليه كلمة " الأمل" .


و لما تنظر لهم و تتأمل أجسادهم بعمق تجد عظامهم قد لانت و عضلاتهم هانت و مفاصلهم مالت . تجد أعينهم قد إنغمست في محاجرها و شعرهم أصبح خفيفا بلون أصفر فاتح .


كأنهم تحولوا من الحياة المترفه العادية عند أغلب الناس إلى حياة التعب و الشقاء و المقاومة . تجد عندهم قناعة كامله بأنه العلاج الكيماوي و الإشعاعي أبدا لم يكن تسوية سيئة مقابل أن تظل على قيد الحياة .


كأنهم وجدوا أنفسهم في وسط معركة غريزية غرضها مقاومة الإنكسار و الإنحناء . وجدوا أنفسهم يواجهون و يجاهدون بأنفسهم و بأجسادهم لمواجهة أنفسهم و أجسادهم . تجدهم في بداية العلاج كأنهم قد إستسلموا للموت و فقدوا الأمل و ضاعوا بغياهب الصحراء و لكن عند ملاحظة الشفاء و لمس الأمل يدخل شعاع الطمأنينة بقلوبهم فتجدهم قد خلعوا قبعاتهم كاشفين رؤوسهم الصلعاء نتيجة الجراحه او الكيماوي او الإشعاع غير بالين بعيون و ألسنة الناس .

الاثنين، 6 مايو 2024

شخصية نرجسية لا تصلح



الشخص النرجسي هو المختال الفخور الذي يمشي على الأرض مرحا كأنه قادر على أن يخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولا. هو المغرور و المتعالي و المتكبر، عنده شعور طاغي بأهميته، هو الأوحد النادر صاحب أغلى المواهب. لا يضاهيه أحد و لا يوجد له منافس.


يرى نفسه عملاقا و الناس أقزام، مزهو بذاته، مجنون بنفسه، الويل لمن يحاول أن يبرز بجواره أو أن يتعداه. خياله غير محدود. هو في القمة و الناس ساجدين و مهنئين و معجبين و مباركين.


كل المحيطين يجب عليهم خدمته و يسخروا أنفسهم في راحته و العناية به، يعيش في صورة المبدع الخلاق العالم المفكر البارز. تعرفه من كلامه و مشيته و صوته و طريقة حديثه .


لا يتعاطف و لا يتألم و لا يضحي و لا يتنازل و لا يعطي و لا يتورع. 


هو المتميز و المتفضل و العلي، هو متضخم و متورم و خال و خاو، لا يحقق إبداعا و لا عنده أي إنجاز . لا يضيف شيئا، مقلد و مزور. محترف تلميع الأسطح و مهتم بالقشور، مبالغ في قدراته و يستغل الآخرين في قضاء أعماله. يتبع صدقته بالمن و الأذى. هو غاضب و ثائر و متوعد و مستغل و إنتهازي و أناني و مصاص دماء.


عدوه الوحيد هو الزمن فهو يعرف أنه يسير إلى الضعف، فسلطانه يزول و ماله يقل و قوته تضمحل و جماله يذوي و صحته تعتل.


الشخصية النرجسية لا تصلح لزواج و لا لأبوة و لا لصحبة و لا لجيره.

السبت، 4 مايو 2024

دماء في أوراق وردة





عند شروق الشمس خرج رجل مع كلبيه للتسكع و لينزههم. و من طبيعة الكلاب فإن تشم كل شئ تقابله، فذهبت لحديقة صغيره أمام بيت غريب، و شمت الزرع فيها و عندما إقتربت من زرعة معينة، صعقت الكلاب و قفزت من الخوف ثم هربت.


تعجب الرجل و أخذ كلبيه و إقترب من وردة جميلة و أمسكها بيده فشعر كأن بها عروقا نابضة، فأمسك زهرتها و كان لونها حمر فاقع و لامع كلون الدم بالتمام. أنزل أنفه ليشم الوردة ففتحت فمها و قضمت أنفه.


صرخ الرجل بشدة و أمسك أنفه و سقط على ظهره يتلوى من الألم. إستجمع قواه بعد فترة ثم نهض و أمسك الزرعة من ساقها و حاول خلعها فلم يستطع فكسرها و ألقى بها على الأرض.


تعلقت الزرعه بفمها من أسفل أحد الكلبين ووصلت معهم للبيت ثم ألقت نفسها عند المدخل و إنتظرت. و بعد فترة جاءت زوجة الرجل و رأت الوردة فأعجبت بلونها جدا و أخذتها و وضعتها في إبريق به ماء لتشرب و تروى.


و في صباح اليوم التالي، نظر الرجل إلى الطاولة فوجد الوردة موضوعه فوقها، فنظر إليها بدهشة و تعجب كيف وصلت لطاولته، فذهب إليها و حاول أن يمسك بها.


فمالت عليه و فتحت فمها و ظهرت أسنان حادة بداخله ثم قالت له بوضوح، لا تحاول قتلي، و لكن تمنى أمنية لأحققها لك. تردد الرجل بشدة، و قال هل تتكلمي؟ ثم قال أي أمنية، فأومئت الوردة برأسها و فتحت فمها بإبتسامه شريرة للغاية، و قالت أي شئ.


نظر لها الرجل لبضع ثواني ثم قال أريد القوة، أريد أن أكون أقوى رجل في العالم. رفعت الوردة رأسها و مالت نصف دائرة ثم قالت لك ما طلبت، و لكن لكل طلب مقابل، أريد دما، أريد أن أشرب الدم، مد يدك لأقضمك، ثم تكون لك القوة. فقال لها لن أمد يدي و لن تأكليني. فقالت آتني بأحد الكلبين فطعم دمائهم لذيذ كطعم دمك.


نظر لها بخوف و قال كيف ستمنحيني القوة مقابل دم كلبي، فردت و قالت عليك أن تأخذ ورقة من أوراقي و تمضغها فتكون لك أمنيتك. لم يتردد الرجل في إحضار كلبه ثم ذبحه و وجمع دمه و وضعه أمامه فمالت برأسها و جعلت تشرب من الدم و تتلذذ بصوت مخيف.


كان الرجل ينظر بشدة و رهبة منها و لكنه إنتظرها حتى إنتهت  فكبر حجمها و إزدادت طولا و جمالا و مدت له ورقة كبيرة منها ليأكلها. أخذ الورقة منها و شعر و كأنها مليئة بعصارة من الدم فلم يتردد في أكلها فشعر بطعم جميل و كأنه يأكل عسلا.


جلس الرجل على الأرض أمام الوردة و ينظر لها في صمت و هي أمامه تتمايل في رقصات و تصدر من فمها عدة أصوات. ثم أمسك بدماغه و أخذ يصيح بشدة من شدة الألم و تلونت عيناه بلون الدم و نظر إليها فقالت له إذهب لتكن الأقوى.


ركض الرجل مسرعا خارج بيته و هو يمسك رأسه بشدة، ثم رقد في حديقته و أخذ يحفر في التراب، حتى حفر حفرة تساوي حجم جسمه بالكامل، و رقد بداخلها و أخذ ينزل عليه التراب حتى إختفى.  


و قبل أن يغلق التراب عليه، مدّ لسانه خارج فمه و خرج منه ساق وردة جديدة، و مالت عليه و قضمته لتشرب من دمه، ثم إزداد حجمها و طولها بسرعه جعلتها تظهر من على الأرض لتغلق باقي الحفرة علي وجهه و تظهر هي كأنها أجمل وردة تنتظر فريستها الجديدة.