الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

السرطان ... مخير أم مسير أم مبرمج

 

السرطان، المرض اللي بيخوف الناس بمجرد ذكر اسمه، دايماً بيخلينا نتساءل: هو المرض ده مخير ولا مسير؟ أو ممكن كمان يكون مبرمج؟ هل هو نتيجة اختياراتنا وأسلوب حياتنا، ولا حاجة مكتوبة علينا ومقدر لنا؟ وهل فيه نظام معين بيشتغل عليه المرض ده زي ما يكون مبرمج جوه جسمنا؟

أولاً: فكرة "المخير"

في ناس بتقول إن السرطان نتيجة عاداتنا اليومية. يعني لو بنشرب سجاير كتير، بنأكل أكل مش صحي، أو بنعرض نفسنا لحاجات مضرة زي المواد الكيماوية أو الشمس لفترات طويلة، فإحنا بنختار طريقنا للمرض ده. العلم نفسه بيأكد إن فيه عوامل كتير بتزود فرصة الإصابة، زي مثلاً التدخين اللي مرتبط بسرطان الرئة أو الأكل اللي مليان دهون وسكريات اللي ممكن يسبب سرطان القولون. فلو بصينا من الزاوية دي، هنلاقي إن السرطان ممكن يكون "مخير" جزئياً على الأقل، لأننا إحنا اللي بنحدد أسلوب حياتنا.

ثانياً: فكرة "المسير"

لكن فيه ناس تانية بتؤمن إن السرطان مسير، حاجة مكتوبة في القدر ومش بإيدينا نغيرها. كتير من الناس اللي بيصابوا بالسرطان بيكونوا عايشين حياة صحية، بيأكلوا أكل كويس، رياضيين، وماعندهمش أي عادات مضرة، ومع ذلك المرض بيجي لهم. كمان فيه عوامل وراثية بتلعب دور كبير، يعني لو فيه تاريخ عائلي للسرطان، فرص الإصابة بتكون أعلى، حتى لو كنت بتعيش حياة مثالية. في الحالة دي، السرطان بيبان كأنه قدر محتوم.

ثالثاً: فكرة "المبرمج"

العلم الحديث بقى بيشوف السرطان بشكل أعمق. السرطان ممكن يكون مبرمج جوه الجسم بسبب أخطاء في الحمض النووي (DNA)، الأخطاء دي بتحصل نتيجة خلل في الشيفرة الجينية اللي بتتحكم في انقسام الخلايا ونموها. يعني، زي ما الكمبيوتر ممكن يعلق بسبب خطأ في الكود، الجسم ممكن يحصل فيه خلل بسبب مشكلة في البرمجة الجينية. أحياناً الأخطاء دي بتحصل بسبب عوامل خارجية زي الإشعاعات أو المواد السامة، وأحياناً بتحصل لوحدها من غير سبب واضح. ده بيخلينا نفكر إن السرطان ممكن يكون نتيجة برمجة اتكتبت جوانا من البداية، بس الظروف هي اللي بتشغلها.

الحقيقة في النص

الواقع يمكن يكون خليط بين التلاتة: المخير، المسير، والمبرمج. يعني فيه جزء كبير من المرض مرتبط باختياراتنا وأسلوب حياتنا، لكن فيه جزء تاني خارج عن إرادتنا زي العوامل الوراثية أو الخلل المبرمج في الجينات اللي مش بإيدينا نتحكم فيه.

السرطان مش مجرد مرض، هو رسالة بتخلينا نفكر في عمق الحياة: هل إحنا فعلاً أحرار في اختياراتنا؟ هل كل حاجة مكتوبة؟ وهل جوانا أسرار أكبر من اللي بنقدر نفهمه؟ في النهاية، الأهم مش نصنفه، لكن نواجهه بإرادة وعلم، ونحاول نتعلم من وجوده.

الاثنين، 18 نوفمبر 2024

إدارة الأخطاء في البيت ... صبر و لا ندم؟



البيوت اللي بتعيش بسلام وراحة دايمًا بيكون فيها أب وأم شايلين مسؤولية حياتهم وحياة ولادهم. مش بس بيتابعوا الأكل والشرب والدراسة، لكن كمان بيهتموا بتحسين كل حاجة في حياتهم، سواء ماديًا أو معنويًا. بيقعدوا مع بعض بهدوء، يناقشوا أي مشكلة تظهر، ويدوروا على حلول بدل ما يهربوا منها أو يكبروها. دي العيلة اللي عارفة معنى الإدارة الحقيقية.

الصبر هو أساس أي نجاح في البيت. الصبر على الأخطاء وعدم الاستعجال في اتخاذ قرارات ممكن نندم عليها بعدين. لازم نصبر على بعضنا، نصبر على التغيير اللي دايمًا بيبقى صعب في الأول، ونصبر على الطريق الصح حتى لو طويل وممل. كل حاجة في الدنيا بتحتاج وقتها، سواء كان تصحيح غلط، أو تغيير عادة، أو حتى بناء الثقة من جديد. مع الصبر والوقت، النفوس بتتغير، والطباع بتلين، لأن الإرادة لوحدها مش دايمًا كفاية. ومن هنا، إدارة الوقت كمان بتبقى حاجة أساسية، لأنها هي اللي بتحدد إحنا ماشيين في الطريق الصح ولا لأ.

لكن لو بصينا للنقطة العكسية، هنلاقي إن التسرع هو العدو الأول لأي بيت. التسرع في الحكم على الكلام، أو في ردود الأفعال، أو حتى في نقل كلام بين أفراد العيلة، ده بيخلق فجوات كبيرة بين الناس. والغلط مش بيتصلح بغلط تاني، وده اللي بيحصل لما نتسرع. التسرع دايمًا نهايته ندم ووجع قلب، وكتير بيكون فات الأوان إننا نرجع نصحح اللي اتكسر.

إدارة الأخطاء مش معناها إننا منغلطش، لكن معناها إننا نعرف نعالج الغلط بحكمة وصبر، ونحافظ على البيت اللي بنبنيه يوم بعد يوم، عشان يكون مكان للأمان والحب مش للخلاف والندم.

الأحد، 17 نوفمبر 2024

شيلني يا بابا

 

طلبت بنتي، وهي مبتسمة وعينيها مليانة شوق للحنان والاهتمام، نفس الطلب اللي كانت بتقوله زمان، وهي صغيرة وخفيفة "شيلني يا بابا". دلوقتي، البنت بقت شابة، طويلة، ثقيلة، وكلها طموح وحكايات كتيرة جوة قلبها الكبير.

وأنا بشيلها، حسيت بالفرق بين الزمن ده واللي فات، لكن برضو حسيت بنفسي كأني أبوها اللي لسه قادر أديها الأمان ده. بلف بيها وبضحك، و هي بتضحك معايا، كأن الزمن واقف، وبنرجع شوية لحظات للطفولة اللي جريت منا من غير ما نحس.

بصيت لها وأنا شايلها كأني شايل الدنيا كلها بين إيديا. بنتي اللي زمان كنت بشيلها بسهولة من غير ما أحس، بقت دلوقتي طويلة و ثقيلة.

لفيت بيها بسرعة وهي بتصوت وتضحك، وأنا بحاول أحس إنها لسه الطفلة اللي كانت بتجري عليا، تطلب مني أشيلها. وأنا بلف، قربت أكتر، سندت راسها على كتفي، كأنها بتجدد ذكريات الطفولة اللي عمرها ما بتختفي. كل لحظة وأنا شايلها حسيت كأني بعيش الماضي من تاني، وبشيل معاها الذكريات الجميلة اللي فاكرها كلها كويس.

ولما وقفت، لقيتها بتبص لي من غير ما تنطق. وأدتني بوسة. وقتها، حسيت بفرحة طلعت بدموع مالهاش نهاية، كأن اللحظة دي اتجمعت فيها كل الذكريات، وقتها قالتلي إن مهما كبرت، دايماً حتفضل حتة مني، ودايماً حفضل سندها وحضنها الثابت اللي بيرجع بيها لأيام الطفولة.

وقتها بصيت لها، وهي لسه دايخه من اللفة اللي عملتها، وقلبي اتشد. فكرت في نفسي: يا ترى مين هيجي يشيلك مكاني بعد كده؟ السؤال ده لوحده خلاني أغير عليها، غيرة الأب اللي شايف بنته بتكبر قدامه، وبيبقى صعب عليه يتخيل إن في يوم حد تاني هيكون مكانه في حياتها.

بنتي دخلت في مرحلة المراهقة، المرحلة اللي فيها بتبدأ تتغير وتاخد خطواتها ناحية الاستقلال. لكن مهما حصل، بالنسبة لي هي لسه الطفلة اللي بتجري تطلب مني أشيلها، اللي بتعيط لما تقع، واللي بتحس إنها في أمان أول ما تلاقي نفسها في حضني. دلوقتي بقت أطول، وكلامها فيه نضج ما كنتش متعود عليه، لكن ضحكتها لسه هي نفس الضحكة اللي كانت بتطمنني إن كل حاجة بخير.

حسيت إن الزمن اللي كنت مستني أشوفها فيه وهي كبيرة، جاي بسرعة أكبر من اللي تخيلتها. الغيرة دي مش عشان خايف من اللي جاي، لكن عشان عارف إن حياتها هتاخد شكل جديد، ويمكن حضني ما يبقاش أول اختيار تلجأ له. بس اللي متأكد منه إن علاقتنا مش هتتغير، وإنها دايماً هتفتكر اللحظات البسيطة دي، اللحظات اللي شالت فيها الذكريات نفسها لما أنا شلتها.

بصيت لها بعد ما نزلتها من حضني، وهي لسه مبتسمة وفرحانة باللحظة اللي عشناها. وقلت لها بهدوء:

"حبي بنتك زي ما أنا بحبك."

كلامي طلع بسيط، بس كان مليان معنى. عايزها تفهم إن الحب اللي بيني وبينها مش مجرد عاطفة، ده حب مليان تضحية، خوف، أمان، وذكريات بتتبني يوم بعد يوم. عايزها تعرف إن الحب الحقيقي هو اللي بيدي من غير ما يستنى مقابل، هو اللي بيشيلك لما تتعبي، واللي بيبقى معاك حتى وأنتي بتكبري وبتاخدي طريقك بعيد.

بصت لي، وابتسامتها اتحولت لضحكة خفيفة، وقالت: "أكيد يا بابا." كأنها فهمت كل اللي جوايا من غير ما أحتاج أشرح. اللحظة دي علمتني إن الكلام اللي طالع من القلب بيوصل، حتى لو بسيط.

وأنا ببصلها، كنت عارف إن مع الزمن هتتغير حاجات كتير، وإنها في يوم هتكون أم وهتفهم كل كلمة قلتها. لكنها دايمًا هتفضل بنتي، طفلة في عيني، حتى لو شالت الدنيا كلها على أكتافها.

السبت، 16 نوفمبر 2024

غبار مسحور

 

في أعماق الصحراء، حيث لا نهاية للرمال ولا ملجأ من الشمس، كانت الحكايات تتناقل عن غبار الصحراء المسحور. أساطير نسجتها العواصف ودفنتها الرياح، لكن الحقيقة دائمًا ما تجد طريقها وسط السراب.

كانت القافلة تسير بثبات عبر تلك المساحات اللامتناهية، عندما بدأت الرياح تتغير. في لحظة، اشتدت العاصفة، وتحولت الرمال إلى نصل حاد يجلد الوجوه. وسط الفوضى، كان هناك من سقط، جسده يكسوه بريق ذهبي غريب. بعد انقشاع العاصفة، كان الجميع يقفون مذهولين. جسده بدأ يتغير، بقع حمراء ظهرت على بشرته، وكأن شيئًا ما تحت جلده يلتهمه من الداخل.

لم يكن هناك ما يمكن فعله. كل محاولة لإنقاذه كانت عبثية، والغبار كان وكأنه كائن حي، يرفض التخلي عن ضحيته. ومع كل دقيقة تمر، كان جسده يذوب ببطء، كأن الصحراء تطالب بحقه. مع حلول الليل، توقف الركب بجانب واحة مهجورة، والجميع ينتظر النهاية المحتومة.

ولكن مع ظهور القمر، تغير كل شيء. نوره الفضي غمر الرمال، وهالة من الغبار بدأت تتصاعد من جسده المتآكل. أمام أعينهم، بدأ يعود. لحمه ينمو مجددًا، جروحه تلتئم، وعيناه تفتحان ببطء. لكنه لم يعد كما كان. صوته حين تحدث بدا أجوفًا، وكلماته حملت نبرة غريبة. "ما يُعاد ليس كما كان. الصحراء تأخذ جزءًا ولا تُعيده أبدًا."

بعد تلك الليلة، أصبح مختلفًا. جسده يبدو كاملًا، لكن تصرفاته كانت غريبة. كان يحدق في الرمال طويلًا، وكأنه يسمع ما لا يسمعه الآخرون. كان يستيقظ في منتصف الليل، يتمتم بكلمات غير مفهومة، ويتبع الظلال التي تتحرك مع ضوء القمر.

بمرور الأيام، أصبح وجوده عبئًا على القافلة. كان الخوف منه يتسلل في كل نفس، حتى قرروا مواجهته. تحت ضوء القمر، وقف أمامهم وقال:

"الغبار ليس مجرد رمال. هو ذاكرة هذه الأرض، يحمل أرواح من سبقونا. من يعود من الغبار لا يعود كاملًا. الحياة تُمنح بثمن، وهذا الثمن يدفعه من يجرؤ على العودة."

وفي الليلة التالية، اختفى. لم يترك سوى آثار أقدام على الرمال، تناثرت مع أول نفحة ريح. من حينها، لم يتوقف المسافرون عن الحديث عن الغبار. الشمس التي تقتل، والقمر الذي يعيد، والصحراء التي لا ترحم.

كانت الحكايات تستمر، وكلما ظهر شخص يدعي أنه عاد من الموت، كان السؤال يتردد:

هل عاد حقًا؟ أم أن ما عاد هو جزء مما أخذته الصحراء، وأبقت عليه في قبضتها إلى الأبد؟

الخميس، 14 نوفمبر 2024

الستين قوة روح

 

عندما يتعدى الرجل منهم عمر الستين، ينحسر عنه الشعر الأسود وتنحسر معه مشاعر الانطفاء والقلق. يبدأ يشعر بتوهج الزمن ويتلذذ بالحاضر ويستمتع بالخواطر والإلهامات، وتصبح قيمة الزمن أعلى وأكثر إمتاعاً. ينضج الوعي وتتفتح الحكمة، ويجد في كل يوم جديد فرصة للتأمل والتفكر، ويزداد إدراكه لجمال الحياة وبساطتها.

بعد الستين، تتراجع القوة الجسدية، لكن تزداد قوة أخرى، قوة غير محسوسة، قوة معبرة عن معنى الإنسان، هي قوة الروح. يصبح الإنسان بعد الستين أكثر شفافية ونقاءً ونفاذاً. يزداد إلمامه وإحاطته وإدراكه، وينفذ بأبصاره وأفكاره إلى أعماق الكون ويدرك سر الوجود.

في هذه المرحلة، يكتسب الرجل وقاراً يوحي بجمال وعقل وحكمة. وتزداد معه قوة كشف الحقائق وترك الصغائر، فلا غم يصيبه ولا كآبة ولا حسرة. ينظر إلى العمر الضائع والشباب اليانع بنظرة رضا وسلام. لا يدخل في سباقات خاسرة ولا يندم على ما فات، بل يعيش الحاضر بكامل وعيه وإدراكه.

بعد الستين، يجد الرجل سعادة في الأشياء البسيطة، ويرى الجمال في التفاصيل الصغيرة التي قد تمر على الآخرين دون أن يلاحظوها. تزداد قدرته على التمتع بالأوقات العائلية والاجتماعات مع الأصدقاء، ويصبح أكثر تفهماً وتسامحاً. يعيش بسلام داخلي ويشعر بالامتنان لكل لحظة يعيشها، مدرك أن الحياة ليست بطول السنوات بل بعمق التجارب.

تصبح لديه نظرة عميقة للحياة، فهو يدرك أن السعادة لا تأتي من الخارج بل تنبع من الداخل. يتحرر من الماديات ويسعى إلى تحقيق الرضا الداخلي والانسجام مع الذات ومع الآخرين. يصبح أكثر حكمة في اتخاذ القرارات وأكثر قدرة على تقديم النصائح المفيدة للجيل الأصغر.

بعد الستين، يعيش الرجل مرحلة من السلام الداخلي والنضج الروحي، حيث تزداد قدرته على الاستمتاع بالحياة بأبعادها المختلفة، وتصبح كل لحظة بالنسبة له كنزاً ثميناً يستحق الاحتفاء والتقدير.

كل هذا بعد الستين، و لكن ماذا يحدث لو كان قبلها ...

الأربعاء، 13 نوفمبر 2024

الأشجار لا تخاف ليلا

 

الأشجار فعلاً ما بتخافش بالليل. بالعكس، ممكن نعتبرها أكتر مخلوقات الطبيعة ثباتًا وقوة وقت الظلام. لو فكرنا شوية، هنلاقي إن الشجر طول اليوم واقف في مكانه، بيتعرض لشمس النهار وحرارته، ولرياح المساء وسكونه. ورغم كده، هو دايمًا ثابت، عارف طريقه، وعنده يقين إنه مهما حصل مش هيتهز.

بالليل، لما كل حاجة بتهدى، بتبان قوة الشجر الحقيقية. في العتمة، ما بيبقاش محتاج يخاف؛ لأن جذوره مغروسة في الأرض، وبيستمد منها الأمان والاستقرار. الأشجار عارفة إنها جزء من دورة طبيعية كبيرة، وده بيخليها مطمئنة، مفيش حاجة تقدر تخليها ترتجف أو تخاف، حتى لو مفيش نور يوضح لها اللي حواليها.

الشجر بيعيش اللحظات دي وكأنه بيفكر في كل اللي مر عليه، في الناس اللي مرت جنبه وسابته، والأحداث اللي حصلت حواليه ومأثرتش فيه. يمكن بيلاقي في الظلمة سلام وراحة، لأنه بيسيب أي حاجة خارجه ويركز في اللي جواه، في صموده، في جذوره اللي بتمده بالقوة.

يمكن لو خدنا من الشجر الدرس ده، هنعرف إحنا كمان نبقى ثابتين زيهم، ما نخافش من الليل ولا من الظلمة، ونبقى عارفين إننا لو عندنا جذور قوية، هنعدي من كل حاجة