طلبت بنتي، وهي مبتسمة وعينيها مليانة شوق للحنان والاهتمام، نفس الطلب اللي كانت بتقوله زمان، وهي صغيرة وخفيفة "شيلني يا بابا". دلوقتي، البنت بقت شابة، طويلة، ثقيلة، وكلها طموح وحكايات كتيرة جوة قلبها الكبير.
وأنا بشيلها، حسيت بالفرق بين الزمن ده واللي فات، لكن برضو حسيت بنفسي كأني أبوها اللي لسه قادر أديها الأمان ده. بلف بيها وبضحك، و هي بتضحك معايا، كأن الزمن واقف، وبنرجع شوية لحظات للطفولة اللي جريت منا من غير ما نحس.
بصيت لها وأنا شايلها كأني شايل الدنيا كلها بين إيديا. بنتي اللي زمان كنت بشيلها بسهولة من غير ما أحس، بقت دلوقتي طويلة و ثقيلة.
لفيت بيها بسرعة وهي بتصوت وتضحك، وأنا بحاول أحس إنها لسه الطفلة اللي كانت بتجري عليا، تطلب مني أشيلها. وأنا بلف، قربت أكتر، سندت راسها على كتفي، كأنها بتجدد ذكريات الطفولة اللي عمرها ما بتختفي. كل لحظة وأنا شايلها حسيت كأني بعيش الماضي من تاني، وبشيل معاها الذكريات الجميلة اللي فاكرها كلها كويس.
ولما وقفت، لقيتها بتبص لي من غير ما تنطق. وأدتني بوسة. وقتها، حسيت بفرحة طلعت بدموع مالهاش نهاية، كأن اللحظة دي اتجمعت فيها كل الذكريات، وقتها قالتلي إن مهما كبرت، دايماً حتفضل حتة مني، ودايماً حفضل سندها وحضنها الثابت اللي بيرجع بيها لأيام الطفولة.
وقتها بصيت لها، وهي لسه دايخه من اللفة اللي عملتها، وقلبي اتشد. فكرت في نفسي: يا ترى مين هيجي يشيلك مكاني بعد كده؟ السؤال ده لوحده خلاني أغير عليها، غيرة الأب اللي شايف بنته بتكبر قدامه، وبيبقى صعب عليه يتخيل إن في يوم حد تاني هيكون مكانه في حياتها.
بنتي دخلت في مرحلة المراهقة، المرحلة اللي فيها بتبدأ تتغير وتاخد خطواتها ناحية الاستقلال. لكن مهما حصل، بالنسبة لي هي لسه الطفلة اللي بتجري تطلب مني أشيلها، اللي بتعيط لما تقع، واللي بتحس إنها في أمان أول ما تلاقي نفسها في حضني. دلوقتي بقت أطول، وكلامها فيه نضج ما كنتش متعود عليه، لكن ضحكتها لسه هي نفس الضحكة اللي كانت بتطمنني إن كل حاجة بخير.
حسيت إن الزمن اللي كنت مستني أشوفها فيه وهي كبيرة، جاي بسرعة أكبر من اللي تخيلتها. الغيرة دي مش عشان خايف من اللي جاي، لكن عشان عارف إن حياتها هتاخد شكل جديد، ويمكن حضني ما يبقاش أول اختيار تلجأ له. بس اللي متأكد منه إن علاقتنا مش هتتغير، وإنها دايماً هتفتكر اللحظات البسيطة دي، اللحظات اللي شالت فيها الذكريات نفسها لما أنا شلتها.
بصيت لها بعد ما نزلتها من حضني، وهي لسه مبتسمة وفرحانة باللحظة اللي عشناها. وقلت لها بهدوء:
"حبي بنتك زي ما أنا بحبك."
كلامي طلع بسيط، بس كان مليان معنى. عايزها تفهم إن الحب اللي بيني وبينها مش مجرد عاطفة، ده حب مليان تضحية، خوف، أمان، وذكريات بتتبني يوم بعد يوم. عايزها تعرف إن الحب الحقيقي هو اللي بيدي من غير ما يستنى مقابل، هو اللي بيشيلك لما تتعبي، واللي بيبقى معاك حتى وأنتي بتكبري وبتاخدي طريقك بعيد.
بصت لي، وابتسامتها اتحولت لضحكة خفيفة، وقالت: "أكيد يا بابا." كأنها فهمت كل اللي جوايا من غير ما أحتاج أشرح. اللحظة دي علمتني إن الكلام اللي طالع من القلب بيوصل، حتى لو بسيط.
وأنا ببصلها، كنت عارف إن مع الزمن هتتغير حاجات كتير، وإنها في يوم هتكون أم وهتفهم كل كلمة قلتها. لكنها دايمًا هتفضل بنتي، طفلة في عيني، حتى لو شالت الدنيا كلها على أكتافها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق