عندما يتعدى الرجل منهم عمر الستين، ينحسر عنه الشعر الأسود وتنحسر معه مشاعر الانطفاء والقلق. يبدأ يشعر بتوهج الزمن ويتلذذ بالحاضر ويستمتع بالخواطر والإلهامات، وتصبح قيمة الزمن أعلى وأكثر إمتاعاً. ينضج الوعي وتتفتح الحكمة، ويجد في كل يوم جديد فرصة للتأمل والتفكر، ويزداد إدراكه لجمال الحياة وبساطتها.
بعد الستين، تتراجع القوة الجسدية، لكن تزداد قوة أخرى، قوة غير محسوسة، قوة معبرة عن معنى الإنسان، هي قوة الروح. يصبح الإنسان بعد الستين أكثر شفافية ونقاءً ونفاذاً. يزداد إلمامه وإحاطته وإدراكه، وينفذ بأبصاره وأفكاره إلى أعماق الكون ويدرك سر الوجود.
في هذه المرحلة، يكتسب الرجل وقاراً يوحي بجمال وعقل وحكمة. وتزداد معه قوة كشف الحقائق وترك الصغائر، فلا غم يصيبه ولا كآبة ولا حسرة. ينظر إلى العمر الضائع والشباب اليانع بنظرة رضا وسلام. لا يدخل في سباقات خاسرة ولا يندم على ما فات، بل يعيش الحاضر بكامل وعيه وإدراكه.
بعد الستين، يجد الرجل سعادة في الأشياء البسيطة، ويرى الجمال في التفاصيل الصغيرة التي قد تمر على الآخرين دون أن يلاحظوها. تزداد قدرته على التمتع بالأوقات العائلية والاجتماعات مع الأصدقاء، ويصبح أكثر تفهماً وتسامحاً. يعيش بسلام داخلي ويشعر بالامتنان لكل لحظة يعيشها، مدرك أن الحياة ليست بطول السنوات بل بعمق التجارب.
تصبح لديه نظرة عميقة للحياة، فهو يدرك أن السعادة لا تأتي من الخارج بل تنبع من الداخل. يتحرر من الماديات ويسعى إلى تحقيق الرضا الداخلي والانسجام مع الذات ومع الآخرين. يصبح أكثر حكمة في اتخاذ القرارات وأكثر قدرة على تقديم النصائح المفيدة للجيل الأصغر.
بعد الستين، يعيش الرجل مرحلة من السلام الداخلي والنضج الروحي، حيث تزداد قدرته على الاستمتاع بالحياة بأبعادها المختلفة، وتصبح كل لحظة بالنسبة له كنزاً ثميناً يستحق الاحتفاء والتقدير.
كل هذا بعد الستين، و لكن ماذا يحدث لو كان قبلها ...