السبت، 18 مايو 2024

البديلة البدينة


هي كانت بيضاء، جميلة، عفية، ملامحها جريئة، تتدفق منها الحيوية و النشاط، و لكنها رفيعة. تعمل في النهار و زوجة و أم في الليل. راضيه بحالها و فرحة بحياتها الهادئة و الهانئة.

هو كان طويلا، عريضا، خشن الملامح، مربع الوجه، فكه السفلي عريض، يأكل كثيرا و يشرب كل عصير البيت. يتشجأ و يتثاءب بصوت عالي.

يحبها و تحبه، عندهم طفلين جميلين، سعداء في البيت جميعا. يوميا قبل ميعاد النوم تجلس العائلة الأربعة مع بعضهم و يجمعهم حضن جماعي دافئ و يتبادلوا القبلات و يتمنون لبعضهم الأحلام السعيدة.

يدخل الأطفال ليناموا و يجلس الزوجين مع بعضهما بعض الوقت في هدوء و ينسجموا في فيلم أو موسيقى أو قراءة. يحدث هذا كل يوم ثم يناموا. و في الصباح تستيقظ الأم و تحضر الفطور و يستيقظ الأب و يساعد أولاده.

و في إحدى الأيام إنتظرت الزوجة و الأولاد أباهم ليأتي و يأكلون عشاءهم، و لكنه إتصل ليخبرهم بأنه سيتأخر قليلا، فإجتماع طارئ في العمل لوجود عطل يجب إصلاحه قبل الصباح. تفهمت زوجته و لكن حزن أولاده و أنكروا الحضن المسائي و تبادلوا قبلات النوم ببرود.

كانت هذه المره الأولى التي لا يكون معهم و لم تكن الأخيره. فالرجل أصبح يغيب عن البيت مرتين أو ثلاثة أسبوعيا، و ظلت زوجته تواسي أولاده و تحاول أن تجد العذر لغيابه. حتى حدث في يوم حادث ...

رن هاتفها ليلا من رقم غريب، فزوجها في المستشفى، لم تصدق نفسها و إرتعبت. وضعت الأولاد عند جارتها و إنطلقت للمستشفى و عند وصولها لغرفته رأته متكسرا، متهشم الرأس و الصدر. ذهلت لحال زوجها و بكت بشدة حتى هدأتها الممرضه بأنه حي يرزق و لكنه يجب أن يبتعد عن البقر و الجاموس فترة من الوقت.

نظرت لها بتعجب و إشمئزاز، كيف تقول هذا عن زوجها و أبو أولادها و حبيبها و مصدر دفئها. و لكنها تركتها لتجلس بجانب حبيبها.

نام الرجل المتهشم، فأخذت الزوجه هاتفه و فتحت ملف الصور فيه لترى أولادها، فنيتها طيبة. و لكنها وجدت مجموعة من الصور يظهر فيها زوجها و هو مع جاموسه. صور كثيره مع نفس الجاموسه.

جاموسه حقيقية، بيضاء، جميلة، عفية، ملامحها جريئة، تتدفق منها الحيوية و النشاط و لكنها بدينة.

الخميس، 16 مايو 2024

إبن كلس

 

الوزير إبن كلس للخليفة العزيز بالله، كان يهوديا ثم أسلم و تدرج في الوظائف حتى أصبح وزيرا في الدولة الفاطمية. وكان وزيرا في مصر و كانت سلطته قوية لدرجة تغير معها نظام المال المصري. 

قام إبن كلس بفرض ضرائب على كل صانع و عامل و مزارع و تاجر لدرجة جعلت الناس تبتعد عن الزراعة و الصناعة و التجارة حتى لا تكون تحت طائلة الضرائب. فهجر المزارع الأرض و أقفلت المصانع و تحول التجار إلى التخزين أو تجارة السراديب بدلا من البيع، فإندثرت و إحتضرت معه الصناعات المصرية المشهورة كصناعة النسيج.

ولما أصبح الناس عاطلين عن العمل تحولوا إلى لصوص و شطار و حرافيش، و تراجعت الحياة الاقتصادية والاجتماعية و تدهورت الحياة المعنوية و الثقافية و الدينية جدا لدرجة ساد معها الجهل و الغباء و الشر و زاد معها التصديق في الجن و العفاريت و إشتهر المصريون في الدولة الفاطمية بالسحر و الشعوذة و التصديق في التمائم و عبادة أولياء الله الصالحين. 

و كانت الدولة في حالة من الفقر و الوهن لدرجة تسليم الأرض بكل بساطة للطولونين لتكتب زوال عهد غاب فيه العدل ليكتب عهد جديد يسود فيه الظلم بدرجة أعلى و بصورة أكثر فجاجه.

الثلاثاء، 14 مايو 2024

الشيطان المعدي

 
رسم بصورة وحش خيالي ، عبارة عن وجه إنسان بجسد حيوان مغطى بالحراشف الشائكة و بأطراف كبيرة و له منقار مقوص حاد و جناحان طويلان في آخرهم أصابع بها مخالب طويلة و لونه شديد السواد . الوحش يصفر و يرقص بجنون في الليل و له ضحكه قاتمة مخيفة تظر معها أسنانه الناتئة و تلمع عيونه فتظهر نظراته القاتلة . دي نظرة سريالية للوحش القادم ، وحش لن يقدر عليه أحد ، وحش يستطيع إمتصاص الحياة بمجرد النظر .

الوحش دا مجرد تصور للسرطان إذا تمكن و إستطاع بطريقة ما الخروج و الإنتقال من جسم المريض لجسم آخر ، هيكون عبارة عن وحش قاتل ، متطور جدا و متأقلم مع جميع الظروف و له ذاكره رهيبة يعرف منها كل الماضي و يستطيع التحكم في كل المستقبل . 

إكتشف العلماء النوع دا من السرطان في عالم الحيوان ، بيقدر ينتقل بين الحيوانات بس عن طريق العض . و بذكاء السرطان يظهر الورم في منطقة الوجه و تنتقل الخلايا إلى فم الحيوان الآخر بعد العض .

و لكن يظل هذا النوع المكتشف لا يستطيع العيش داخل الإنسان و لكن رحلته مازالت تأخذ خطوات محسوبة لإكتساب طفرات تجعله يتأقلم مع الإنسان . وقتها ستتفتح أجنحته و ستظهر مخالبه و سيقفز السرطان من شخص لآخر و سيمتص الأرواح و سينتشر بجنون .

الاثنين، 13 مايو 2024

مركبة و ليست معقده


في ناس بتكون شخصياتهم معقده عبارة عن مزيج من الصلابة و الحساسية. يعني شخصيتهم تتسم بالصعوبة و العناد و عدم المرونه. بس في نفس الوقت تتسم بالصدق و الأمانه و الشرف و الطهارة و النظافه و الإخلاص. شخصية عبارة عن مزيج من الوفاء مع الحزم الشديد، و التعاطف مع العناد القاسي.  

طبعا شخصية مركبة زي ده مش سهل أبدا التعامل معها في العمل فما بالك في البيت وسط حياة زوجية و أبوية كاملة. 

و لكن صعوبة هذه الشخصية يمكن تحملها و فك شفرتها و التعامل معها فالمعنى الحقيقي الكامن وراء هذه الشخصية هو طريقة التكيف و التعود. 

يعني الإقتراب منها و محاولة تفهم ما وراء الفعل و كمان تقدير أفكارها. و في نفس الوقت التنازل عن زلاتها و تقبل أسفها و الرضى بالسقطات و الهفوات.

الأحد، 12 مايو 2024

التربية ... بين الصدفة و التحكم في الأسباب



يحاول الطفل في كل تصرف أن يجد الأسباب التي يفسرها بها، و يحاول أن يجد لنفسه سبب مقنع حسب قدراته و خبراته و ثقته في نفسه و ثقته فيمن حوله. و نتيجة هذه المحاولات تتكون شخصيته و تتحدد حياته و مستقبله.

توجد ثلاث عوامل تتصل بمدى قدرة الطفل على إيجاد هذه الأسباب و هي: الأول و هو تفسيره لسير الأحداث و هل هي نتيجة فعل داخلي من عنده أم فعل خارجي، و الثاني هو الفعل نفسه فهل يكون قابلا للتغير أم لا، و الثالث قدرته الداخليه على التحكم في فعل الفعل.

فمثلا نجاحه في حل معادلة رياضية صعبه، هل هو نتيجة بذله لمجهود في المذاكرة فأصبحت سهلة في نظره، أم أنه إستطاع التخمين بطريقة صحيحة، أم أن الحل الصحيح كان مجرد صدفه.

و المثل الثاني هو قبوله الاجتماعي في المدرسة أو شهرته بمعنى آخر، هل هو نتيجة جاذبيته البدنية و شكله، أم سلوكه مع أقرانه و مدرسيه، أم درجاته في الإمتحانات.

في العموم فإن المتضمنات الإنفعالية عند الاطفال يكون لها دوافع مختلفه عنها عند البالغين، فأمالاهم بسيطة و أحلامهم قريبه و مشاعرهم سهل تغيرها. 

مثلا لو نظر الطفل لنجاحه في حل المعادلة الصعبة كان نتيجة قدرته و مجهوده فسوف يؤدي لمزيد من تقديره لذاته و بالتالي إستمراره. و لكن لو نظرته كانت نتيجة الصدفه فلن يهتم بمذاكرته و سيتحول لمتواكل. 

و لو نظر لشهرته على أنها بدنية سيكون عنيفا في فعله و لو نظر على أنها سلوكيه سيختار طريق الأخلاق.

طبعا أنا بتكلم عن النظرة الإيجابية للنفس و لا أتكلم عن لوم النفس و الطرق الملتوية - البغيضه في نظري - للضغط و التغيير.

و مع الوقت سينشأ الطفل على محاولة وزن الأسباب بالنتائج و سيكون قادرا على فهم لأفعال الآخرين و إيجاد أسباب لها. و هو ما سيبني عليه بعد ذلك علاقاته الاجتماعية و الأسرية.

السبت، 11 مايو 2024

أسير في كأس العفاريت


خرجت لألعب مع الأولاد، أصدقائي في الشارع، نجري و نضحك و نتبارز. لا نهدأ و لا نتعب و لا نمل. أصبح بيننا تحدي، من يمشي على المسامير يصبح هو الرابح. جلسنا نلم المسامير و نبحث عنها في أرجاء الشوارع، ثم فرشناهم على الأرض و تحدينا بعض. من يستطيع أن يمشي عليهم بدون أن يصرخ فهو الرابح.

كان دوري الأخير، فكل من سبقني لم يستطع الإستمرار في المشي، الكل صرخ من الألم، و لم يبقى غيري، فنظرت للمسامير بخوف و نظرت لأصدقائي كأني الوحش يأكل المسامير، فطالما أستطيع أكلهم فلم تستطيع أن تؤلمني.

هممت بالوقوف على حافة المسامير و خلعت حذائي و شمرت بنطالي إستعدادا للمشي، و عندما رفعت قدمي، تفاجئت بأصدقائي يحملونني و يرفعوني في الهواء ثم يتركوني أسقط على المسامير. إرتعبت بشدة و صرخت بأعلى صوتي، لاااااااااااا.

حاولت ألا اسقط على المسامير و لكني فشلت. نزلت عليها واقفا، فدخلت المسامير كاملة في رجليا. شعرت بألم رهيب يجتاحني و يذهب بروحي، فلا أستطيع النظر و لا أستطيع الصراخ و ينهمر العرق من جبهتي و رأسي.

إمتلئت الأرض بالدماء و سقطت على الأرض لا أتحرك. فزع الأولاد من منظر الدم و من صراخي و تركوني وحدي و لاذوا بالفرار. سندت على يدي و زحفت الشارع على بطني و كل ما هممت بالوقوف أشعر بصاعقة تخترق رجلي فأصرخ و أسقط.

وصلت بيتي و فتحت الباب و ناديت على والدي فلم أسمع صوتهم و لم أجدهم. خرج أبي و أمي من المنزل، فأنا أجلس وحدي و قدمي تؤلمني بشدة، لا أعرف ماذا أفعل. هدأت و شعرت بالصمت يجتاح البيت. شعرت بخوف شديد، فالأحلام لا تراودني إلا في وحدتي، نظرت إلى الحوائط و الأثاث و أنا أتخيل العفاريت تخرج منهم و تنظر لي. تخيلت أشباحا تخرج من تحت السرير و تحاول أن تمسك رجلي.

سمعت صوتا يغني و يصفر، تخيلته أحدا يمر في الشارع و يسلي نفسه، فنظرت من الشباك فلم أجد أحدا. ركزت في صوت المغني و طقطقت أذني لأحدد مكانه، و نظرت لباب المطبخ و شعرت بأن عيونا تنظر لي. إرتميت على الكنبة و أدخلت رأسي في وسادتها و صرخت إنه شبح، إنه يغني و يصفر.

دق قلبي بسرعه شديدة، و شعرت به يخترق صدري، لا أستطيع أن أنظر و لا أستطيع أن أجري من البيت، هل هي النهاية، هل سيأكلني العفريت، أم سيأخذني عنده رهينة لأخدمه طوال حياتي و يضعني في كأس و يغلقه و كلما أحب أن يلعب معي مسك الكأس و رجه لأقع بين هزاته فينظر إليا و يضحك. هل هذه نهايتي، أسير في كأس العفريت.

أحسست بالحركة في المطبخ تزداد و أن شيئا يتحرك ناحيتي،فأسمع صوت خطوات ثقيلة تقترب مني، ثم صمت رهيب. شعرت بهواء بارد على جسمي و كأن البرد إجتاح جسدي و إرتعششت و أغمضت عيني و غرقت في نوم عميق.

فتحت عيوني و أنا أقول لا لن تستطيع أكلي و لن تستطيع أخذي، ثم سمعت صوت أمي و هي تقول، إستيقظ يا حبيبي، مالك تنام في الصالة و لست على سريرك، نهضت مسرعا و إرتميت في أحضانها و نسيت أني كنت أحلم.