الأحد، 14 أبريل 2024

تكلفة خفية للمكافآت ... تعزيز يعكس الدوافع


يتأثر الناس في العموم عند تنشئتهم بفكرة تحديد ذاتهم و فهم أنفسهم و إحتياجاتها، و يحتاجون لمن يرشدهم و يدلهم على دوافعهم و طريقة معرفة ميولهم و إهتماماتهم

فعندما يفهم الإنسان دوافعه و إحتياجات نفسه يميل طبيعيا ناحية إندماجه في إهتماماته و يقضي معظم وقته في هواياته و يبذل جهده في توسيع قدراته و التغلب على تحدياته

و لكن الذي لا يستطيع الإندماج بنفسه نتيجة قدرات ضعيفه أو تحديات كبيرة، يأتي مفهوم المكافأة كفكرة لمساعدته على شحذ قوته و مساعدته على خلق دافع في إتجاه تحقيق الهدف المطلوب، فيندمج في المهمة بسبب ما سيجنيه من مكافآت تتبع نجاحه في مهمته. و المكافآت مثلا قد تكون تلقي الثناء أو الحصول على المال

الفكره هنا أن من يملك دافع ينبع من داخله للمهمة سينهي المطلوب منه بإرادته، دون أن يهتم بوجود أو عدم وجود المكافأة. لأنه سيعتبرها غير ضرورية للتعليم و الإنجاز. و بالتالي فتعزيز فكرة الحصول على مكافأة عند المندمجين ذاتيا قد يقلل من دافعيتهم و قد يغير فكرتهم ناحية المهمة و يغير مسار تفكيرهم في حلها

طبعا انا بتكلم عن أي دافع، سواء دراسي أو إجتماعي. فالتعلم و النجاح الدراسي سيتحقق لمن عنده إراده للنجاح و لن يحتاج للمكافآت، و لو حصل على مكافأة فقد يرتبط النجاح بها و يكون الغرض من النجاح الدراسي هو المكافأة لا أكثر، و بالتالي قد نفقد قيمة العمل و قيمة المهمة المطلوبة. و بالمثل فالدوافع الإجتماعية تعتبر هي خير دليل على دافعية الإنسان فمن ينجز مهامه في وقتها بدون تهديد، او من يصل لموعده بدون ضغط، هي صور لأصحاب الدوافع الذاتيه النابعه من أنفسهم

عندما تعطى للأفراد فرصة لزيادة خبراتهم و كفاءتهم بوصفها إحتياجات نفسية محدِدة لذاتهم من المحتمل أن تزيد دوافعهم و تعزيزاتهم الداخليه، و لكن لو شعروا بأن الغرض من الفرص هو الحصول على المكافأة فقط فلن يتحركوا إلا لو ضمنوها

السبت، 13 أبريل 2024

ساعة آخر نفس


بدون سبب نظر في ساعته، إنه ينظر إليها في اليوم أكثر من مئة مرة، ولكنه لا يعدهم، و لكن من وقت ما إشترى ساعة تعد له ضربات قلبه و تظهر العد مع عقرب الثواني و هو ينظر إليها متعجبا و فرحا

لا جديد يحدث في الأيام و لكن هذا اليوم كانت العقارب تسير بشكل أسرع من المعتاد و عداد قلبه يشير إلى تزايد الضربات. وضع يده على قلبه فشعر بأن الضربات عادية، و نظر في ساعة أخرى فوجدها طبيعية، تعجب و قال أن الساعه قد تعطلت. فتح علبة سجائر و شرب واحده بسرعه

وصل إلى عمله فوجد ساعته تشير على أنه قد تأخر، بدون أن يتأخر فعليا، نظر لها و راقبها فوجد أنها تتحرك بطريقة أسرع من الصباح. فعداد الثواني يزيد نصف ثانية أسرع. سأل الرجل زملائه، و أجمعوا بأن ساعته قد تعطلت

إنتهى يوم العمل سريعا و ذهب لمصلح الساعات ليسأله، فأجاب بأن جميع الساعات في المحل عادية و لم يصبها هذا الجنون، و أنها جميعا تسير بشكل طبيعي و لكن الغريب أن شخصا آخر أتى و سأله نفس السؤال عن ساعته التي تسير بشكل أسرع و تشير أيضا إلى تسارع في ضربات قلبه. فإرتاح الرجل و تأكد بأنه ليس وحده و أن ساعات أخرى قد تعطلت

وصل الرجل لمنزله مستاء لأن الساعة قد تعطلت و أخذ يندم على ما دفعه فيها، ثم أكل عشاءه و فتح علبة سجائرة ليشرب واحده ينهي بها يومه و يهضم بها اكله، فقالت زوجته، لا تشربها في الداخل، إخرج و إشربها خارجا

خرج الرجل و السيجارة في فمه و رفع رأسه في السماء ليخرج الدخان فوجد كوكبا لونه مائل للأزرق، كبير الحجم جدا لدرجة مخيفه، يقترب من الأرض، و الناس تمشي في الشارع و لا تلاحظه. فيسأل نفسه و يقول كيف لا يراه أحد و كأنه هو فقط من يراه

ناد الرجل على زوجته و أطلعها على السماء فلم تجد شيئا عجيبا إلا القمر أصبح منيرا. فتعجب الرجل و قال ألا ترين الكوكب الأزرق، فنظرت إليه و قالت، لا يوجد كوكب أزرق، لا أراه

نظر الرجل إلى ساعته فوجدها تتحرك بطريقة أسرع كثيرا من الصباح و عداد قلبه يزداد و كأن أصابه الجنون. نظر إلي الكوكب الأزرق و هو يقترب أكثر و حجمه يزداد و لا أحد يراه سواه

أخذ الرجل نفسا عميقا من سيجارته ليطفئ خوفه و يزيد تركيزه و نظر إلى ساعته فوجدها أصبحت تتباطئ في لفاتها و وجد عداد قلبه يتباطئ في عده، ثم إهتزت و أنطفئت

شعر الرجل بألم حاد في قلبه و سقط على الأرض و هو يمسكه بيد و باليد الأخرى آخر سيجاره و في رئته آخر نفس

الخميس، 11 أبريل 2024

ماذا بعد أن ... فإذكروا محاسني


مات أحد الجيران وحيدا، كان رجلا وحيدا، بعيدا عن عائلته و أولاده، لا أصدقاء له و لا احباب، يخرج من بيته كل عدة أيام كلما جاع ليشرتي طلبات بيته. إكتشف الجيران رائحه تخرج من شقته فإتصلوا بالشرطة و كسروا الباب ليجدوا جثته سوداء متعفنه و منتفخه. نقلوه للمستشفى ثم للمقبره بدون غسل أو كفن

إنه الموت ببشاعته، بشؤمه، بهدوئه، و بوحدته. أصبح شكل الرجل في بالي كالكابوس، فأصبحت أتمنى موتي وسط أهلي و أحبابي. بت أحسد الأموات على ميتتهم، فيموتوا وسط أهلهم أو يموتوا شهداء، يا لهم من محظوظين

أعرف أنه السخافه فيما أفكر و فيما أتخيل، فالموت ليس مريحا و لا سهلا. أنه يمتلك أقسى وجه. أصبحت أفكر بأنانية وقت موتي، فأريد أن يحزن أهلي و جيراني و أصدقائي، أريد أن ألمس الحزن في قلوبهم، أريد أن يبكي علي من يحبني، و لكني أيضا أريدهم أن يعيشوا بعدي و هم يضحكون

لا أعلم كم هو مؤلم و لكني أصبحت أرى يوميا جثثا لأطفال و كبار مقطعة و مطحونه و مجوفه، جثثا متناثرة الأشلاء و كأنها ممزقه. أرى أشكالا لوحوش بأفواه مفترسه تقطع الأجساد و تنثر الدماء. إنه شعور مفزع و أنت ترى جثة طفل صغير مسودة بتراب الأسمنت و عليها خيوط الدم الحمراء تخرج من محاجر عيونهم البارزة نتيجة سحقها بين صفائح الأسمنت

أصبحت يوميا أتسائل، ماذا بعد هذا الموت. إني مؤمن بالحساب و بالدار الآخرة و لكني لا أستطيع تصور مدى الخوف أو مدى الطمأنينة التي تصاحب الموتى. لا فكرة لدي و لكني أفكر كثيرا كيف يترابط الموتى تحت الأرض. هل سيكون بينهم تواصل بأرواحهم أم سيكون عليهم الإنتظار للنهاية فيقوموا و يجتمعوا و يتعارفوا

مازالت أرهق عقلي يوميا بالتفكير، هل أوصي بدفني في المقابر العامة أم في مقبرة خصوصي، هل أتبرع بجسمي لأهل العلم، أم أتبرع بأعضائي للموتى المحتاجين

لقد بدأت أرى أطفالا يصاحبون الموت و يلعبون كموتى فيُحمَلوا فوق الرؤوس و هم يضحكون. الفكره هنا أصبحت مرعبه، كيف تصاحب الموت، كيف تأمنه و تأمن شره، كيف تتكلم مع ملكه و هل علي أن أتعلم لغته لأكون صاحبه

هل أصبح شبحا غير مخيف لمن يراه كل يوم و يستعد للقائه في كل دقيقة من حياته. هل من يعيش شبه حي و شبه ميت يفقد خوفه منه و يستطيع مواجهته و في بعض الأحيان يعد أنفاسه و عندما تنتهي يقدم روحه بنفسه

إذا كان الموت هو النهاية فلماذا الإستمرار. أنا لن أخترع الذرة و لم أقم بأعمال تغير في حياة الناس و لا حتى إستطعت أن أرمم عظما و لا حتى خشبا. عشت حياتي كأني ممتلئ بالأشواك فلا أفدت نفسي و لا أفدت غيري و لكني مازلت أدخل شوكي في أجساد من يقترب مني. فلِم أرغب بهذه الشدة في البقاء

سؤالي يوميا هو ماذا سأفتقد وقت موتي؟ و إجابتي هي أنني لن أفتقد إلا ذكرياتي، كيف كونتها و كيف جملتها، و زينتها. و كيف صورتها و إستحضرتها. مازلت أرى أني سأعيش بداخل من زرعت ذكرياتي معهم، سأعيش في كلامهم، أحلامهم، و ذكرياتهم. سيكتبون عني و عما حاولت أن أفعله و بالتأكيد سيذكرونني بمحاسني

الاثنين، 8 أبريل 2024

الجنة تحت أقدام المدرسات


حقيقي الواحد بيتعب لما بيعطي محاضره واحده ساعتين. بيحس انه تعب، ما بالك بقى بمحاضرتين في اليوم، تحس إنك خلصت. صوتي بيروح و دماغي بتصدع

والله الواحد بقى يعذر إللي شغالين في التدريس، فعلا بيطحنوا. العمل العضلي أقل إجهادا من العقلي و أقل بكثير من الصوتي. لما تكون شغلتك الكلام و الشرح طول اليوم، كل يوم، حقيقي بيتعبوا

تخيل بقى مدرسه بتتبهدل كدا و بعدها ترجع بيتها لسه هتطبخ و تغسل و تنظف وكمان تشرح و تذاكر للعيال و فلوسها تقريبا مش لها، والله لها الجنه

السبت، 6 أبريل 2024

خضراء بأرجل رفيعه


إنظر إليها، قالها ضفدع لصديقه و هما يتنزهان على شاطئ بحيره راكده، تفوح منها رائحة كريهة و محببة لأنفهم. شاور أحدهم إلى ضفدعة و هي تقفز بسرعة على الأوراق السابحة و تتسابق مع نفسها لبلوغ الجهة الأخرى من البحيره

صباح الخير يا جميلة. رمقته بنظرة حادة تكاد تذبحه و لم تردت ثم قفزت مسرعه و شعرها يتطاير من ورائها في كل إتجاه و قالت في نفسها إنه ليس يومك، إنه يوم مهم جدا

من بداية اليوم، إستيقظت ضفدعتنا الجميلة متأخره على غير العاده، تكحلت و لبست قميصا أبيض مع بنطلون أزرق و وضعت منوكير وردي في أرجلها ثم لبست حذاء أحمر مفتوح بكعب عالي. لبست جاكت و وضعت عطرا و روجا أحمر فاقع

دخلت مسرعة إلى مبنى وزارة الدفاع لتقابل كبير السفراء و الكل ينظر لها في تعجب، فتأخذ نظراتهم الغريبة و تحولها بداخلها لنبضات من الثقة فتزداد بهجة و حبا لعملها و لدورها، و تقول في نفسها إنه يومي، يوم ترقيتي لأكون مساعدة سفير

تفتح باب مكتبها و تدخل على مديرها فينظر لها نظرة إشمئزاز ولكنها تبادله بنظرة مبتسمه فيقول لها ماهذا؟ ماذا ترتدين اليوم؟ إستغربت من سؤاله و قالت ألبس بدلة زرقاء إنتظارا لحفلة كبير السفراء. نظر لها متعجبا بشدة و أردف بقول يا لك من مغرورة، هل تأتي لحفلة ترقيتك بشورت

رفعت حواجبها و لم تصدق ما قاله، فإنه لا يريد لها الترقيه، و لكنها وضعت نظرها على سيقانها فوجدت سيقانا رفيعة ظاهرة و صوابعها و حذائها ينضحان بالألوان وحدهما بدون غطاء. إرتجت حوائط الغرفه بصرخة ضفدعية عالية و إنهارت على الكرسي و بكت بشدة أسالت بسببها الكحل الكثيف حول عينيها

دخل عليها أصدقائها و صديقاتها من وقع الصوت و حاولوا أن يساعدوها و لكن تأخرها جعلهم يرتبكون و خاصة بعد وصول كبير السفراء إلى المبنى و سؤاله عن الحفلة و عنها بالخصوص

نظرت الضفدعه في أعين من حولها فرأت نظرات الشماته تتساقط عليها كالحجارة و لكنها جمعت شمل نفسها و غسلت ووجها و وضعت الكحل الكثيف بهدوء ثم خلعت الجاكت و شمرت عن يديها و ربطت شعرها و قالت لنذهب للكبير

وسط نظرات العجب و الغرابة وقفت الضفدعة بشموخ و قفزت بخفة و بكل ثقة فتحت باب كبير السفراء و قالت له، إنه يوم سعيد ، يوم جديد، يوم أكون مساعدتك أيها السفير

نظر إليها و أخرج قهقهة عالية و قال أيتها الضفدعة الشقية، يا لك من حمقاء خضراء بأرجل رفيعه



الخميس، 4 أبريل 2024

كل الحقيقة ... الحرب بين الناس و التاريخ


يقال أنه لا يوجد فائدة من الوعظ و إلقاء المواعظ على الناس فهم لا يتربون إلا بالتجربة و الواقع. أعتقد أن هذا الكلام صحيح و واقعي و يمثل البشر جدا. حتى الطفل الصغير إذا وعظته و خوفته من النار فلن يستمع و لن يبتعد حتى تلسعه و يحترق

لو أن الناس يتعظون بما حدث في التاريخ لوصلت الإنسانية اليوم إلى سلام و رخاء و لو أن ويلات الحرب و الخراب تعظ الناس لإنتهى زمن الحروب من فجر التاريخ. و لكن صناعة الحروب و مصانع السلاح تعتبر من أنشط المصانع و أوفرها مكسب

نحن الآن نرى مأساة الحرب تتكرر في كل مكان عاما بعد عام نرى و نسمع مآسي و أوجاع الناس من ويلات غباء و طمع رغبات البشر في إذلال بعضهم و سرقت الأملاك و الخيرات بالقوة. و يا ليتها تنتهي سريعا و لكنها تستمر لعشرات السنوات

و الأكثر حزنا أنك تجد من العلماء ما يفني عمره في بناء سلاح يدمر و يفتك بالأمم في ثوان. فكأن هذا المفكر إستخدم عبقريته في قتل و سرقة الناس و بلادهم. و إذا تكلمت معه وجدته دائم القراءة في كتب التاريخ كما فعل من قبله عباقرة السفاحين

من يكتوي بنار الحروب ليس الحكام و الساسة و ليس القادة و لكن الخاسر فيها هي الأمم نفسها فالناس تموت و الأمهات تخسر و يعرف الأباء مرارة الفقد و تخرب الديار و تموت الأرض و تنتشر الأوبئة و الخاسر الأعظم هم جنود الحروب ذاتهم فهم من يكتوون بالنار و ينزفون دماءهم و تتفتت عظامهم و تتقطع أوصالهم و تفنى حياتهم و يتساقطون صرعى من أجل هدف زائف أو مجد فان. فكيف لا يعرفون

إننا لا نقرأ الشعر لنصير شعراء و لا نقرأ التاريخ لنحكي القصص ولا نصور الموت و الخراب لأخذ الجوائز و لكن الإنسان على نفسه بصيره و لو ألقى معاذيره

لا تبنى الأوطان و لا تنتج حضارة إلا بالسلم. و يعلم قادة الأوطان و ساساتهم أن الحضارة لا تبنى على أكتاف الجنود الموتى و لكنها تبنى على أكتاف مزارع و صانع و تاجر و طبيب و مهندس و معلم و قاض وصلوا مع بعضهم لمعنى الحرية و التعاون و المساواة و الصداقة و العدالة

تلك هي الفائدة و تلك هى النتيجة و تلك هي كل الحقيقة