مات أحد الجيران وحيدا، كان رجلا وحيدا، بعيدا عن عائلته و أولاده، لا أصدقاء له و لا احباب، يخرج من بيته كل عدة أيام كلما جاع ليشرتي طلبات بيته. إكتشف الجيران رائحه تخرج من شقته فإتصلوا بالشرطة و كسروا الباب ليجدوا جثته سوداء متعفنه و منتفخه. نقلوه للمستشفى ثم للمقبره بدون غسل أو كفن
إنه الموت ببشاعته، بشؤمه، بهدوئه، و بوحدته. أصبح شكل الرجل في بالي كالكابوس، فأصبحت أتمنى موتي وسط أهلي و أحبابي. بت أحسد الأموات على ميتتهم، فيموتوا وسط أهلهم أو يموتوا شهداء، يا لهم من محظوظين
أعرف أنه السخافه فيما أفكر و فيما أتخيل، فالموت ليس مريحا و لا سهلا. أنه يمتلك أقسى وجه. أصبحت أفكر بأنانية وقت موتي، فأريد أن يحزن أهلي و جيراني و أصدقائي، أريد أن ألمس الحزن في قلوبهم، أريد أن يبكي علي من يحبني، و لكني أيضا أريدهم أن يعيشوا بعدي و هم يضحكون
لا أعلم كم هو مؤلم و لكني أصبحت أرى يوميا جثثا لأطفال و كبار مقطعة و مطحونه و مجوفه، جثثا متناثرة الأشلاء و كأنها ممزقه. أرى أشكالا لوحوش بأفواه مفترسه تقطع الأجساد و تنثر الدماء. إنه شعور مفزع و أنت ترى جثة طفل صغير مسودة بتراب الأسمنت و عليها خيوط الدم الحمراء تخرج من محاجر عيونهم البارزة نتيجة سحقها بين صفائح الأسمنت
أصبحت يوميا أتسائل، ماذا بعد هذا الموت. إني مؤمن بالحساب و بالدار الآخرة و لكني لا أستطيع تصور مدى الخوف أو مدى الطمأنينة التي تصاحب الموتى. لا فكرة لدي و لكني أفكر كثيرا كيف يترابط الموتى تحت الأرض. هل سيكون بينهم تواصل بأرواحهم أم سيكون عليهم الإنتظار للنهاية فيقوموا و يجتمعوا و يتعارفوا
مازالت أرهق عقلي يوميا بالتفكير، هل أوصي بدفني في المقابر العامة أم في مقبرة خصوصي، هل أتبرع بجسمي لأهل العلم، أم أتبرع بأعضائي للموتى المحتاجين
لقد بدأت أرى أطفالا يصاحبون الموت و يلعبون كموتى فيُحمَلوا فوق الرؤوس و هم يضحكون. الفكره هنا أصبحت مرعبه، كيف تصاحب الموت، كيف تأمنه و تأمن شره، كيف تتكلم مع ملكه و هل علي أن أتعلم لغته لأكون صاحبه
هل أصبح شبحا غير مخيف لمن يراه كل يوم و يستعد للقائه في كل دقيقة من حياته. هل من يعيش شبه حي و شبه ميت يفقد خوفه منه و يستطيع مواجهته و في بعض الأحيان يعد أنفاسه و عندما تنتهي يقدم روحه بنفسه
إذا كان الموت هو النهاية فلماذا الإستمرار. أنا لن أخترع الذرة و لم أقم بأعمال تغير في حياة الناس و لا حتى إستطعت أن أرمم عظما و لا حتى خشبا. عشت حياتي كأني ممتلئ بالأشواك فلا أفدت نفسي و لا أفدت غيري و لكني مازلت أدخل شوكي في أجساد من يقترب مني. فلِم أرغب بهذه الشدة في البقاء
سؤالي يوميا هو ماذا سأفتقد وقت موتي؟ و إجابتي هي أنني لن أفتقد إلا ذكرياتي، كيف كونتها و كيف جملتها، و زينتها. و كيف صورتها و إستحضرتها. مازلت أرى أني سأعيش بداخل من زرعت ذكرياتي معهم، سأعيش في كلامهم، أحلامهم، و ذكرياتهم. سيكتبون عني و عما حاولت أن أفعله و بالتأكيد سيذكرونني بمحاسني