السبت، 16 نوفمبر 2024

غبار مسحور

 

في أعماق الصحراء، حيث لا نهاية للرمال ولا ملجأ من الشمس، كانت الحكايات تتناقل عن غبار الصحراء المسحور. أساطير نسجتها العواصف ودفنتها الرياح، لكن الحقيقة دائمًا ما تجد طريقها وسط السراب.

كانت القافلة تسير بثبات عبر تلك المساحات اللامتناهية، عندما بدأت الرياح تتغير. في لحظة، اشتدت العاصفة، وتحولت الرمال إلى نصل حاد يجلد الوجوه. وسط الفوضى، كان هناك من سقط، جسده يكسوه بريق ذهبي غريب. بعد انقشاع العاصفة، كان الجميع يقفون مذهولين. جسده بدأ يتغير، بقع حمراء ظهرت على بشرته، وكأن شيئًا ما تحت جلده يلتهمه من الداخل.

لم يكن هناك ما يمكن فعله. كل محاولة لإنقاذه كانت عبثية، والغبار كان وكأنه كائن حي، يرفض التخلي عن ضحيته. ومع كل دقيقة تمر، كان جسده يذوب ببطء، كأن الصحراء تطالب بحقه. مع حلول الليل، توقف الركب بجانب واحة مهجورة، والجميع ينتظر النهاية المحتومة.

ولكن مع ظهور القمر، تغير كل شيء. نوره الفضي غمر الرمال، وهالة من الغبار بدأت تتصاعد من جسده المتآكل. أمام أعينهم، بدأ يعود. لحمه ينمو مجددًا، جروحه تلتئم، وعيناه تفتحان ببطء. لكنه لم يعد كما كان. صوته حين تحدث بدا أجوفًا، وكلماته حملت نبرة غريبة. "ما يُعاد ليس كما كان. الصحراء تأخذ جزءًا ولا تُعيده أبدًا."

بعد تلك الليلة، أصبح مختلفًا. جسده يبدو كاملًا، لكن تصرفاته كانت غريبة. كان يحدق في الرمال طويلًا، وكأنه يسمع ما لا يسمعه الآخرون. كان يستيقظ في منتصف الليل، يتمتم بكلمات غير مفهومة، ويتبع الظلال التي تتحرك مع ضوء القمر.

بمرور الأيام، أصبح وجوده عبئًا على القافلة. كان الخوف منه يتسلل في كل نفس، حتى قرروا مواجهته. تحت ضوء القمر، وقف أمامهم وقال:

"الغبار ليس مجرد رمال. هو ذاكرة هذه الأرض، يحمل أرواح من سبقونا. من يعود من الغبار لا يعود كاملًا. الحياة تُمنح بثمن، وهذا الثمن يدفعه من يجرؤ على العودة."

وفي الليلة التالية، اختفى. لم يترك سوى آثار أقدام على الرمال، تناثرت مع أول نفحة ريح. من حينها، لم يتوقف المسافرون عن الحديث عن الغبار. الشمس التي تقتل، والقمر الذي يعيد، والصحراء التي لا ترحم.

كانت الحكايات تستمر، وكلما ظهر شخص يدعي أنه عاد من الموت، كان السؤال يتردد:

هل عاد حقًا؟ أم أن ما عاد هو جزء مما أخذته الصحراء، وأبقت عليه في قبضتها إلى الأبد؟

الخميس، 14 نوفمبر 2024

الستين قوة روح

 

عندما يتعدى الرجل منهم عمر الستين، ينحسر عنه الشعر الأسود وتنحسر معه مشاعر الانطفاء والقلق. يبدأ يشعر بتوهج الزمن ويتلذذ بالحاضر ويستمتع بالخواطر والإلهامات، وتصبح قيمة الزمن أعلى وأكثر إمتاعاً. ينضج الوعي وتتفتح الحكمة، ويجد في كل يوم جديد فرصة للتأمل والتفكر، ويزداد إدراكه لجمال الحياة وبساطتها.

بعد الستين، تتراجع القوة الجسدية، لكن تزداد قوة أخرى، قوة غير محسوسة، قوة معبرة عن معنى الإنسان، هي قوة الروح. يصبح الإنسان بعد الستين أكثر شفافية ونقاءً ونفاذاً. يزداد إلمامه وإحاطته وإدراكه، وينفذ بأبصاره وأفكاره إلى أعماق الكون ويدرك سر الوجود.

في هذه المرحلة، يكتسب الرجل وقاراً يوحي بجمال وعقل وحكمة. وتزداد معه قوة كشف الحقائق وترك الصغائر، فلا غم يصيبه ولا كآبة ولا حسرة. ينظر إلى العمر الضائع والشباب اليانع بنظرة رضا وسلام. لا يدخل في سباقات خاسرة ولا يندم على ما فات، بل يعيش الحاضر بكامل وعيه وإدراكه.

بعد الستين، يجد الرجل سعادة في الأشياء البسيطة، ويرى الجمال في التفاصيل الصغيرة التي قد تمر على الآخرين دون أن يلاحظوها. تزداد قدرته على التمتع بالأوقات العائلية والاجتماعات مع الأصدقاء، ويصبح أكثر تفهماً وتسامحاً. يعيش بسلام داخلي ويشعر بالامتنان لكل لحظة يعيشها، مدرك أن الحياة ليست بطول السنوات بل بعمق التجارب.

تصبح لديه نظرة عميقة للحياة، فهو يدرك أن السعادة لا تأتي من الخارج بل تنبع من الداخل. يتحرر من الماديات ويسعى إلى تحقيق الرضا الداخلي والانسجام مع الذات ومع الآخرين. يصبح أكثر حكمة في اتخاذ القرارات وأكثر قدرة على تقديم النصائح المفيدة للجيل الأصغر.

بعد الستين، يعيش الرجل مرحلة من السلام الداخلي والنضج الروحي، حيث تزداد قدرته على الاستمتاع بالحياة بأبعادها المختلفة، وتصبح كل لحظة بالنسبة له كنزاً ثميناً يستحق الاحتفاء والتقدير.

كل هذا بعد الستين، و لكن ماذا يحدث لو كان قبلها ...

الأربعاء، 13 نوفمبر 2024

الأشجار لا تخاف ليلا

 

الأشجار فعلاً ما بتخافش بالليل. بالعكس، ممكن نعتبرها أكتر مخلوقات الطبيعة ثباتًا وقوة وقت الظلام. لو فكرنا شوية، هنلاقي إن الشجر طول اليوم واقف في مكانه، بيتعرض لشمس النهار وحرارته، ولرياح المساء وسكونه. ورغم كده، هو دايمًا ثابت، عارف طريقه، وعنده يقين إنه مهما حصل مش هيتهز.

بالليل، لما كل حاجة بتهدى، بتبان قوة الشجر الحقيقية. في العتمة، ما بيبقاش محتاج يخاف؛ لأن جذوره مغروسة في الأرض، وبيستمد منها الأمان والاستقرار. الأشجار عارفة إنها جزء من دورة طبيعية كبيرة، وده بيخليها مطمئنة، مفيش حاجة تقدر تخليها ترتجف أو تخاف، حتى لو مفيش نور يوضح لها اللي حواليها.

الشجر بيعيش اللحظات دي وكأنه بيفكر في كل اللي مر عليه، في الناس اللي مرت جنبه وسابته، والأحداث اللي حصلت حواليه ومأثرتش فيه. يمكن بيلاقي في الظلمة سلام وراحة، لأنه بيسيب أي حاجة خارجه ويركز في اللي جواه، في صموده، في جذوره اللي بتمده بالقوة.

يمكن لو خدنا من الشجر الدرس ده، هنعرف إحنا كمان نبقى ثابتين زيهم، ما نخافش من الليل ولا من الظلمة، ونبقى عارفين إننا لو عندنا جذور قوية، هنعدي من كل حاجة

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2024

إيجابي ولكنه سلبي... سلبي ولكنه إيجابي

 

في عالم الطب الحديث، بقى الكشف المبكر عن السرطان والتحاليل الطبية للكشف عنه والمتابعة عليه أدق وأقل عرضة للأخطاء بفضل التطور المستمر في الأجهزة الطبية والتحاليل المخبرية. كل جهاز بيقيس حاجة معينة دايماً بيكون فيه احتمال ولو بسيط للخطأ أو للتفاعل مع مكونات مختلفة في الدم، وأحياناً حتى الأشعة سواء كانت للتشخيص أو العلاج ممكن تدي قراءات غلط.

لكن السؤال هنا: هل الخطأ ده مقبول؟ يعني هل ممكن حد يكون مصاب بالسرطان لكن تحاليله تطلع سلبية؟ أو العكس، حد مفيهوش حاجة وتطلع تحاليله إيجابية؟ الإجابة نعم، الخطأ وارد، وإن كان بنسبة صغيرة، بس النسبة دي رغم صغرها ممكن تؤثر بشكل كبير على حياة الناس وأسرهم. الخطأ في التشخيص، سواء كان الشخص مريض وماتشخصش، أو غير مريض واتشخص غلط، ممكن يغير حياة كاملة.

في الأجهزة الطبية، معدل الخطأ غالباً ما بيعديش 5٪، لكن الخطر الحقيقي بيكون في الحالات اللي بيتم تشخيصها غلط. وعلشان كده، مع تطور التكنولوجيا الطبية وظهور أبحاث جديدة، بقت الأجهزة دي بتتحسن في دقتها وكفاءتها، وبيبقى فيه أكتر من تحليل بيتعمل عشان يثبت الإصابة أو عدمها. لكن في النهاية، المسؤولية بتكون على عاتق الطبيب، اللي لازم يبقى عنده الخبرة والدقة الكافية لتحليل النتائج واتخاذ القرارات الصح.

الموضوع ده بيسلط الضوء على أهمية الدقة والخبرة في التعامل مع التحاليل الطبية، وضرورة الاعتماد على أكتر من وسيلة تشخيص لضمان الحصول على نتائج دقيقة. رغم إن نسبة الأخطاء في التشخيص بتقل مع الوقت، إلا إن تأثيرها الكبير بيخلينا نركز على تحسين وتطوير أدواتنا الطبية باستمرار، عشان نقدر نقدم أفضل رعاية صحية ممكنة ونحافظ على سلامة المرضى.

و يبقى الأمل ...

الاثنين، 11 نوفمبر 2024

البارونويد ... إنسان مضْطَهَد و زوج مضطَهِد



البارانويد هو الشخص اللي دايمًا شايف إن الناس بتضطهده، وفي نفس الوقت هو مضطهد لكل اللي حواليه.

الإنسان الطبيعي ممكن يشك أحيانًا أو يسئ الظن، بس لما يلاقي نية كويسة، بيراجع نفسه وبيعترف لو كان غلطان. إنما البارانويد شكه هو محور حياته، ودايمًا شايف الناس حواليه سيئة ومؤذية، ولا ممكن يغير رأيه حتى لو الكل أثبت له إنه غلط. دايمًا على أعصابه، حاسس إن فيه مؤامرة ضده أو عدوان بيستناه.

الناس في نظره في قايمة سودة، عنده شعور دائم بالإضطهاد، بيبعد عن الناس ويصدر مشاعر عدم الراحة والعداوة، وسهل عليه يتحول لشخص مؤذي. عداوته بتظهر في انتقاده اللاذع، وسخريته الجارحة، وطريقته في الاستهزاء المؤلم. الكلام معاه مرهق وضياع للوقت، دايمًا يدور على دوافع خفية ومعاني مخبية في كل كلمة أو موقف، وعنده قدرة غريبة على تفسير الأمور بشكل سوداوي كله سوء ظن.

هو شخص معزول ووحيد، مش بيحس بمشاعر حد معندوش أصحاب. طبيعته باردة وسامة، مبتحسش منه بأي دفء أو مودة. ضحكته صفراء، وعيونه فيها سخرية، ودايمًا بيدافع عن نفسه بأنه عقلاني ومش بيعترف بأي عاطفة. بيشوف نفسه قوي وعنيد، لا بيقرب من حد ولا بيتنازل.

الشخصية البارانويدية بتظهر كتير بين المتعصبين والمطلقين. ولو لسه متجوز (شكلا أمام الناس فقط)، علاقته بشريكه دايمًا متوترة بسبب الشك والغيرة والتقليل منه. ولو عنده أولاد، علاقته بيهم بتكون مليانة عدم ثقة، دايمًا يكذبهم ويتهمهم ويتعامل معاهم بحذر شديد، ودايمًا مخيب للظن.

النتيجة إن الحياة الزوجية أو الأبوية مع الشخصية دي غالبًا بتكون فاشلة؛ مفيش حب بيستمر ولا مودة بتسود.

الأحد، 10 نوفمبر 2024

ثمرة الحياة

  

الأبوة والأمومة مش مجرد إنك تجيب أطفال، دي رحلة طويلة محتاجة حب وجهد وصبر. تربية الأولاد بتبدأ من أول ما يتولدوا وبتفضل مكملة طول حياتهم. الأطفال محتاجين حد يوجههم ويعلمهم القيم اللي تساعدهم يتعاملوا بشكل إيجابي مع المجتمع ويحققوا نجاح في حياتهم الشخصية والشغل.

الأولاد همّا المراية اللي بتعكس قيم وأخلاق أهلهم. لو اتربوا في بيئة فيها حب واحترام ومبادئ سليمة، فرصتهم تبقى أكبر إنهم يبقوا ناس مسؤولة ومفيدة لنفسهم ولللي حواليهم. عشان كده، مهم إن الأهل يكونوا قدوة كويسة لأولادهم في كل تصرفاتهم، ويعلموهم قيمة الصدق، والإخلاص، والعمل الجاد، والتعاون.

التربية مش حاجة سهلة، بالعكس، دي بتحتاج تفاني وتضحيات كتير. لازم الأهل يبقوا صبورين ويسمعوا لأولادهم ويفهموا احتياجاتهم ومشاكلهم. وكمان لازم يكونوا حازمين وقت اللزوم، ويحطوا حدود واضحة للتصرفات المقبولة والمش مقبولة.

وكمان، الأهل لازم يوفروا لأولادهم البيئة المناسبة اللي يتعلموا فيها وينمّوا فيها مهاراتهم ومواهبهم، ويقدموا لهم الدعم النفسي والعاطفي اللي محتاجينه.

الهدف مش بس في عدد الأطفال اللي بنجيبهم، لكن في نوعية الأولاد اللي بنربيهم. الأولاد الصالحين هما اللي يقدروا يبنوا مجتمع أحسن ويكونوا مصدر فخر وسعادة لأهلهم. عشان كده، لازم نهتم بتربية الأولاد ونهتم إنهم يكبروا على قيم ومبادئ تخليهم ناس صالحة وناجحة.