السبت، 30 ديسمبر 2023

غريب و وئام


سأحكي لكم عن قصة بين رجل و إمرأة عاشا معا و عاشت بينهم مشاعر الحب و الثناء بدون غدر أو غل أو غباء فكانوا مثالين لكل زوج أراد الهناء و ترك العناء و كانت حياتهم تناغم و غناء

تقابلا قدرا فتعرف عليها و تعرفت عليه فشعرا بالراحه و هدوء البال فنسمات الأقدار تهنئ كل خاطر جال. طبع بينهم بلا تمهيد حلاوة اللقاء فشعرا بالأمل و الكيمياء. و تقدم لها فقبلت به و إختارته سكنها فبادلها بالحب و الوفاء

مع بداية اليوم يقوم غريب بتحضير كوبين من القهوة و يضيف عليهما مزيجا من المستكة و الحبهان. و يجهز جلستهما ليشربا معا في هدوء و هيام. يقوم غريب بهذا الفعل كل يوم من الأيام بدون كلل و لا ملل و لا مَنّ و لا عتاب فالعلاقة بينه و بين زوجته وئام يُحكى عنها في كل الأزمان. هم على هذا الفعل حتى تحدث إليهما القدر و أخذ معه روح السكن الوئام

عن مشاعر الفقد أتكلم و أحكي عن إثنين عاشا مع بعض ربع قرن من الزمان. إثنين إختاروا و عاشوا مع بعض و إعتزلوا العالم و الأوهام. لم يرزقوا بالأولاد فلم يجزعوا و إحتسبوا و رضوا بالمكتوب و كتموا بداخلهم ألم الفقد و الأحزان

أتكلم و أحكي عنها و هي الجميلة صاحبة أرق إبتسامه و أطهر فطرة تزوجت منه و هو رجل لين هين صاحب أكبر قلب و أفضل عشرة

من صغرها و هي تحلم ببيتها و تحلم بتنظيمه و تجميله و ترسم لنفسها طريقة للعيش الهانئ فأدركت توليفة الحياة السعيدة فتعففت و تحجبت و إختارت طريق الخير البادئ

درست و تعلمت و أتقنت من اللغات أربعة و عشقت التاريخ و قراءته و إستخرجت منه أروعه و إختارت لنفسها وظيفة تخرج من صنعها جمال ما أبدعه. تعيش حياتها بين الفرح و الطاعة و تبتعد فيها عن السفه و الخلاعة

أما غريب فكان رجلا نحيلا بلحية خفيفة و دائم الإبتسام و السلام. يتقن عمله و يصلي لربه و يعشق الشاي و الكلام

يذهب صباحا لعمله فيحسنه و يتقنه و يخلص فيه حتى أصبح يُضرب بإسمه الأمثال و يعود مساء لبيته فيقرأ كتبه و يكتب قصصه و يستخلص منها العبر و الأمثال
يدعوا ربه كل ليلة أن يرزقه حسنها و يبعده عن نارها

و في إحدى الليالي وصلت نتيجة الدعاء فدخلت في قلبيهما نسمة من الهواء و أدركوا وقتها أن الطلب أصبح مجاب و أن القرب كُتب في الكتاب فالصبر و الدعاء مفتاحا لكل باب

حتى حدث لها في يوم غماء

فإكتشف الطبيب أن في قلبها شئ من الداء و نصحها بالقليل من الدواء و لكنه حذرهما من كثرته فيؤذي ولديهما عز و ولاء. فنسى ما قاله عن الداء و وقعت الأسماء علي مسمعيهما بسعادة يخالطها غناء و ذهبا بقلبين جديدين ملئهما العز و الولاء

قضوا أيامهم بتفاؤل يغطي العناء و بدأت تظهر عليها أثار التوأم الغَنَّاء من حرقة و توتر و قلة نوم و محاولات في الشفاء. فقلب الوئام يشتكي من شدة الحِمل في إبداء الحياة و لكن الأولاد سكنوا روحها و تمسكت بهم حتى أرقدها قلبها بين المختارين في إنهاء الحياة

و لما جاء شتاء الزمان أحست بأعراض نهاية الأوان و شعرت بحياتيهم في تراجع و بأيامهم في تناقص. و حرص طبيبهم على توصيل الأخبار بطريقة تجعلهم يرضوا بالأقدار فعليهم أن يتذكروا أن لكل أجل آن و كل من عليها فان

و هنا وُضع الرجل الغريب صاحب القلب الربيب في وضع عليه رهيب أن يختار بين حياة وئامِه أو حياة عِزِّه و ولائِه. فقام و أناب و صلى و إستخار و فكر و قدر و كتم الحزن و الألام و قال سأختار الوئام. سقط الغريب في وادي عميق من وحدة الإختيار و الخوف من الأقدار

و بعد فترة من الزمان رجعت إليه الوئام و لكن روحها أصيبت بحالة من الغمام و كأن شيئا بداخلها كُسِر فأصابها الجزع بغير سلام. هاجت معها روح البيت الهنية و أصبح في حالة من ضياع الراحة الغنية

ثَقُل على قلبها تصديق غياب صوت الفرح و البراءة و إستسلمت روحها لكل الحزن و الكأبة. و إزداد الداء عقدة بعد فشل الدواء و الكثير من العزاء

غابوا عن دنياها و غابت هي عن دنياه و ملئ بيت الغريب وحدة تزداد كل يوم حسرة، يجلس وحيدا كل صباح ينظر لكوبين القهوة في ندم يشوبه سوء إختيار . فقد حكم عليهم بغير رجعة و حماها بغير خيار

مرت سنة حتى عادت السكينة تسكن جسد بيت الغربة و الشجار. سامحته و عادت بادية الحب و الغفران. أيقنت أنها في عيشة يظللها الرضا و المودة و سكن الجوار

السبت، 23 ديسمبر 2023

رسالة و قبلات و عظام مكسورة


يخرج من غرفته لشرفة المنزل ينظر إلى السماء و يحاول أن يتكلم مع القمر، يرسل له تحياته، فهو صديقه منذ فترة طويلة، يتكلم معه بكل أريحية و يهدأ لما يخرج كل ما في صدره

ينظر طويلا للقمر في هذا اليوم و يشعر بأنه بادله نظرة خاطفه، و كأنه يوجهه للنظر لمكان معين على الأرض. وجه الشاب نظره ناحية ما أشارت عليه عيون القمر، فرأى شعاع ضوء يخرج من الأرض تحت بيته، تعجب و أخذ ينظر بكل عيونه و لكنه فشل في أن يرى أي شئ

نزل الشاب مسرعا و توجه أسفل بيته ليرى شعاع الضوء. رأى ضوءا خفيفا يخرج من بين الورود، فجلس على ركبتيه و مشى ببطء بين الزرع يقلبه و يبعده، حتى رأى الضوء

إنه ضوء بنفسجي خفيف، يخرج من وردة. قال في نفسه ما الذي يضيئ بداخلك أيتها الوردة. فنظر حوله لبقية الورود فلم يجد ما يضئ سواها. فإقترب منها ببطء و حذر، و حاول أن يفتحها

مد يديه للورده و مسك ورقة منها فسمع صوت من أرق ما سمع يخرج منها و يقول، لا تقتلني. فتح الشاب أوراق الوردة بهدوء حتى لا يقتلها فوجد بها صندوقا صغير، ذهبي اللون، بارد الملمس و يشع ضوء

أخذ الصندوق في يده و إنطلق مسرعا إلى بيته و فتحه فسمع صوت يقول، لا تحزن و لا تخاف، أرسلني لك القمر لما شكوت له وحدتك

أوصلني بك لنكن أصدقاء، أسمعني صوتك لما كنت معه، لو أردت أن نتقابل فحافظ على هذا الصندوق لكي أعرفك. فأنا سآتي إليك أو تأتي أنت لي

غرق الشاب في جمال الصوت و الضوء المنبعثين من الصندوق و قبل أن يفكر، ذهب للقمر صديقه ليشكره بشدة فلم يجده، فالغيوم أثبحت كثيفة، حاول أن يمد له يده فلم يستطع أن يصل له، فقفز ليزيح الغيوم

و لكنه قفزته كانت عالية فخرج من الشرفه و سقط على الأرض و مالت رأسه على الورود فسمع تمتمات تقول إنظرون أيتها الوردات، إنه هو، إنه صاحب القمر. تمتمت الوردات الجميلات بأصوات تخطف القلوب و مدت له أفواهها و ملئته قبلات جعلته ينسى آلامه و كسرات عظامه

السبت، 16 ديسمبر 2023

قصص الأنبياء - موجه للأطفال - (16) قصة البقرة


في يوم من الأيام وجد قوم موسى رجل منهم مقتولا . فقال لهم موسى : من قتله ، و كانوا يعرفون من الألواح أن من قتل إنسانا بغير ذنب فلابد أن يُقتَل مثلُه . فلم يقر أحد بقتله للرجل . فدعا موسى ربه أن يعرف من القاتل . فقال له الله : إذبحوا بقرة و إضربوا الميت بها فتعرفوا من قتله

فإستنكر قوم موسى من كلامه و قالوا له أتسخر منا و تتأخذنا هزوا . فرد عليهم موسى و قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين . و لكن لشدة جدال بني إسرائيل قالوا لموسى ما هي صفات البقرة إدع ربك يبين لنا شكلها . فدعا موسى الله فرد عليه و قال : إنها بقرة متوسطة العمر لا هي عجوزة و لا هي صغيره

فإستمروا في جدالهم و قالوا لموسى : ما لون البقرة التي تريدها . فسأل موسى ربه فقال إنها بقرة لونها أصفر فاقع جميلة المنظر و تسر من ينظر لها . فقالوا إن البقر متشابه و إننا لا نعرف ما تريد فإسأل ربك يبينها لنا و إنا إن شاء الله لمهتدون . فقال لهم إنها بقرة لا تجر المحراث و لا تدير الساقية و هادئة و لا يوجد بها عيوب

و عند ذلك سكتوا عن جدالهم و أحضروا البقرة الصفراء و ذبحوها . و ضربوا بقطع منها الرجل الميت فأخبرهم بمن قتله

السبت، 9 ديسمبر 2023

قصص الأنبياء - موجه للأطفال - (15) موسى و الألواح

نجى الله بني إسرائيل على يدي موسى و أخيه هارون من عذاب فرعون و جنوده و أخرجهم من مصر و سار بهم في الصحراء ناحية الجبل الذي كلمه الله فيه أول مرة . و عند وصوله الجبل أمره الله أن يصعد وحده فقال لأخيه هارون أخلفني في قومي و أصلح أمرهم و أرشدهم ولا تتبع معهم سبيل المفسدين

صعد نبي الله موسى للجبل و كلمه الله و علمه الوصايا في أربعين يوما . و قد أراد موسى أن يرى الله الذي يكلمه فقال رب أرني أنظر إليك . فقال الله له لن تراني و لكن إنظر إلى الجبل فإن إستقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربنا للجبل إهتز بشده و إنهار ففزع موسى من هول الموقف و سجد لله و قال سبحانك تبت إليك و أنا أول المؤمنين

قال الله موسى و قال له إني إخترتك و إصطفيتك على الناس برسالاتي و بكلامي في الألواح فخذهم و كن من الشاكرين . فأخذ موسى الألواح كلها و وجد مكتوب فيها أوامر من الله و إرشادات و مواعظ لكل شيئ بطريقة مفصلة . و أمره الله أن ينزل بها من الجبل و يذهب إلى قومه ليعلمهم و يرشدهم

و عندما نزل من الجبل وجد قومه يعبدون عجلا صنعوه من ذهبهم و يسمع له صوت خوار . فغضب موسى غضبا شديدا و ألقى الألواح على الأرض و أمسك برأس أخيه هارون و جذبه و جره فقال له يا أخي إن القوم إستضعفوني و كادوا يقتلونني فلا تشمت بيا الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين . فسكت موسى و دعا الله أن يغفر له و لأخيه و أن يدخلهم في رحمته . ودعا على من إتخذوا العجل بأن الله يغضب عليهم و يذلهم و يجازيهم . و بعد أن هدأ موسى و ذهب عنه الغضب أخذ الألواح و قرأها على قومه و بدأ في تعليمهم الأوامر و النواهي من الله تعالى

السبت، 2 ديسمبر 2023

قصص الأنبياء - موجه للأطفال - (14) موسى و نهاية فرعون


عزم فرعون على قتل السحرة و على تعذيب قوم إسرائيل و قال لقومه سنقتل أبنائهم و نستحي نساءهم و إنا لهم لقاهرون . وكان موسى يكلم قومه و يصبرهم على أذى فرعون و جنوده و يحثهم على الإستعانة بالله و يبين لهم أن الأرض ملك لله يعطي حكمها لمن أراد من عباده . و كان قوم إسرائيل يشتكون لموسى عذاب فرعون لهم من قبل أن يظهر و من بعد أن ظهر و موسى يزيدهم صبرا و يهدئهم و ييبين لهم أن الله سيعطيهم فرصة ليكونوا حكاما على الأرض و سينظر ماذا يفعلون

و بدأ وعد الله , فأرسل الله على فرعون و قومه أنواع مختلفه من العذاب و بدأ العذاب بالطوفان فأغرق الأرض الزراعية و أغرق بيوت الناس ثم أرسل الله عليهم الجراد يأكل الزرع الأخضر ثم أرسل عليهم القمل و الضفادع و الدم

و بعد أن رأى قوم فرعون العذاب من الله طلبوا من موسى أن يدعوا الله ليرفع عنهم العذاب و إن إستجاب لهم سيؤمنوا بالله و يحرروا بني إسرائيل من الذل . و لكن لما إستجاب الله لطلبهم و طلب موسى ، نكث قوم فرعون وعدهم مع الله

و في السر إجتمع بنو إسرائيل مع موسى و قرروا الخروج من مصر و الهروب ناحية الشرق . و لما إكتشف الناس هروب بني إسرائيل أرسلوا لفرعون فأخذ جنوده بسرعة شديدة ليلحق بهم . و إستطاع فرعون أن يصل لبني إسرائيل عند البحر و وجدوا أنفسهم أمام الغرق في البحر أو القتل من جنود فرعون . و لكن الله أوحى لموسى بأن يضرب بعصاه البحر فإنفلق ناحيتين و مشى بنو إسرائيل بين جبلين من الماء و هم خائفون

و لما رأى ذلك فرعون و جنوده ذهبوا بسرعة ناحية البحر و عند عبورهم من نفس المكان كان بنو إسرائيل قد خرجوا من البحر فأغلق الله البحر عليهم و أغرقهم كلهم . و عند موت فرعون قال لقد آمنت برب موسى و هارون . و لكن الله لم يستجب له توبته و مات فرعون و كل جنوده غرقا

السبت، 25 نوفمبر 2023

قصص الأنبياء - موجه للأطفال - (13) موسى و فرعون

بعد أن رأى موسى معجزة العصا التي تحولت إلى حية و معجزة يده التي تحولت إلى اللون الأبيض . قال له الله إذهب إلى فرعون و قل له قولا لينا لعله يتذكر الله و يترك القوة و الظلم . و أظهر له المعجزات لعله يصدقك

خاف موسى من أن يعود إلى مصر فيقبض عيه فرعون ويقتله نتيجة فعلته و كان لسان موسى محبوسا و لسانه متعسرا ، فخاف ألا ينطق أمام فرعون . فطلب من الله أن يكون أخوه هارون معه يساعده و يتكلم إلى فرعون معه فيصدقه القول . فقال له سنشد عضدك بأخيك و نجعل لكم سلطانا فأنتم في أمان و أنتم الغالبيون

جاء موسى و أخيه هارون إلى فرعون و قال له موسى أنا رسول رب العالمين و قد أرسلني إليك لأخذ بني إسرائيل . فقال له فرعون ألست ذلك الطفل الذي ربيناه صغيرا و بعد ذلك قتلت الرجل و هربت . قال موسى بلى و لكن الله تاب علي و علمني و جعلني رسولا . فقال فرعون من هو الله الذي تتحدث عنه و تقول أنه أرسلك فأنا لا أعلم لكم إلاه غيري فيا هامان إبني لي صرحا عاليا لأطلع على إلاه موسى و إني لأظنه من الكاذبين

قال موسى الله رب العالمين ، ربكم و رب آبائكم الأولين . قال فرعون و ما دليلك على هذا الكلام فإن كنت جئت بآية فإت بها إن كنت من الصادقين . فألقى موسى عصاه على الأرض فتحولت لثعبان كبير يتحرك و يسعى . و أخرج يده فإذا هي بيضاء للناظرين . فقال الجالسون حول فرعون من الأمراء و الحكام و القاده و الجنود إن هذا لساحر عليم يريد أن يسقط حكمكم و يخرجكم من

أرضكم . فقال فرعون ماذا نفعل . فقالوا أرسل في كل البلدان و المدائن و أجمع كل السحرة و إجعلهم يغلبون بسحرهم و إجعل يوم الزينه هو يوم اللقاء

فجمع فرعون كل السحرة و قال لهم لكم أجر كبير إذا كنتم من الغالبين و أيضا أنتم من المقربين . و في اليوم المحدد تلاقى السحرة مع موسى و أخيه . فقالوا له أتلقي يا موسى أم نلقي نحن أولا . فقال موسي ألقوا أنتم أولا . فألقوا عصيانهم و حبالهم فخيل للناس أنها تحولت إلى ثعابين تتحرك فخاف الناس من السحر العظيم . و أوحى الله إلى موسى بأن يلقي عصاه فتحولت لثعبان كبير يأكل كل العصيان و الثعابين المسحوره

فخاف السحرة و عرفوا أن موسى ليس ساحرا و أنه رسول من الله و أن عصاه هي معجزته . فسجدوا و قالوا آمنا برب موسى و هارون . فغضب جدا فرعون و قال لهم أمنتم له قبل أن أذن لكم ، لقد إتفقتم عليا من قبل و إنه لكبيركم الذي علمك السحر و هذا مكركم لتخرجوا أهل المدينة من دينهم . فسوف أعاقبكم و أقطع أيديكم و أرجلكم من خلاف و لأصلبنكم في جذوع النخل . فقال السحرة إننا لا نخاف منك ، إنا إلى ربنا لمنقلبون . إنك لا تنقم منا إلا أن آمنا برب العالمين . ربنا أفرغ علينا صبرا و توفنا مسلمين