السبت، 23 نوفمبر 2024

مكتبة الظلال



 الجزء الأول
كريم و التجربة 

في مدينة بعيدة ومخفية عن الأنظار، كانت هناك مكتبة غامضة تعرف بـ"مكتبة الظلال". كانت هذه المكتبة تقع في زقاق ضيق لا يدخله الضوء، وكان الوصول إليها يتطلب شجاعة وجرأة. الناس في المدينة كانوا يعرفون الأسطورة، أن المكتبة تستقبل الجميع، لكن الخروج منها مستحيل.

ذات يوم، وصل إلى المدينة شاب مغامر يدعى كريم. كان كريم مفتونًا بالأساطير والقصص القديمة، وكان دائمًا يبحث عن مغامرات جديدة. عندما سمع عن مكتبة الظلال، قرر أن يكتشف سرها بنفسه. توجه كريم إلى الزقاق الضيق ودخل المكتبة بشجاعة، رغم التحذيرات التي سمعها.

عند دخوله المكتبة، شعر كريم ببرودة تسري في جسده، وكأن المكان ممتلئ بالأرواح. كانت الأرفف مملوءة بكتب مغبرة، وكل كتاب يحمل اسمًا مختلفًا. بدأ كريم يتجول بين الأرفف، وعيناه تتجولان على عناوين الكتب التي بدت مألوفة بشكل غريب.

سمع صوتًا هادئًا يقول: "أهلًا بك في مكتبة الظلال، يا كريم". استدار بسرعة و رأى امرأة غامضة تقف أمامه. كانت ترتدي ثوبًا أسودا وعينيها تلمعان بالغموض. قالت: "أنا حارسة المكتبة، وهذه الكتب هي ذكريات أولئك الذين دخلوها ولم يخرجوا منها أبدًا".

تساءل كريم بدهشة: "ما الذي يحدث هنا؟". أجابت الحارسة: "المكتبة تأخذ ذكرياتك وتضعها في كتاب، ثم تخفي جسدك في عالم الظلال. لن تخرج من هنا أبدًا، لكن قصتك ستبقى محفوظة بين الأرفف إلى الأبد".

حاول كريم التراجع، لكنه شعر بأنه لا يستطيع الحركة. بدأت ذكرياته تتلاشى واحدة تلو الأخرى، وبدأ يشعر بأن جسده يتلاشى مع كل ذكرى تُسحب منه. رأى الكتاب الذي يحمل اسمه يظهر على رفٍ فارغ، وبدأت صفحاته تُملأ بذكرياته.

في اللحظات الأخيرة، همس كريم لنفسه: "على الأقل، ستبقى قصتي هنا". ومع اختفائه التام، انضم كريم إلى الأرواح التي تسكن مكتبة الظلال، تاركًا وراءه عالم (الأحياء) للأبد.

وهكذا، استمرت مكتبة الظلال في استقبال الزوار الفضوليين، محتفظة بذكرياتهم في كتبها، ومخفية أجسادهم في عالم الغموض الذي لا يُعرف عنه شيء. كانت المكتبة سرًا خفيًا، تروي قصص من دخلوا، لكنها لم تترك لأحد الفرصة للعودة إلى الحياة خارجها.

إقرأ بقية القصة في صفحة القصة

الخميس، 21 نوفمبر 2024

بنخاف

  

بنخاف من المجهول، من المستقبل، من التغيرات اللي ممكن تيجي وتقلب حياتنا رأساً على عقب. بنخاف من الفشل، من إننا ما نحققش أحلامنا، من إننا نخذل نفسنا واللي حوالينا. بنخاف من الوحدة، من إننا ما نلاقيش حد يفهمنا ويكون جنبنا في لحظات ضعفنا.

الخوف جزء من الطبيعة الإنسانية، جزء من الفطرة اللي جوانا. لكن الخوف ممكن يكون معيق، يوقفنا عن المحاولة وعن المغامرة وعن تحقيق أحلامنا. كل واحد فينا عنده مخاوفه الخاصة، وعنده طريقته في مواجهتها أو الهروب منها.

الأكيد إننا بنخاف، بس الأهم هو إننا ما نسمحش للخوف يسيطر علينا ويحبسنا في مكان واحد. لازم نتعلم نواجه مخاوفنا، حتى لو كان الموضوع صعب ومؤلم. المواجهة هي اللي بتخلينا ننمو ونتقدم ونتعلم.

المخاوف ممكن تكون فرص. فرص للتعلم، للتطور، لاكتشاف جوانب جديدة في نفسنا ما كناش نعرفها. لما بنواجه مخاوفنا، بنكتشف قوتنا الحقيقية، وبنعرف إننا أقوى بكتير مما كنا نتصور.

الخوف طبيعي، لكن الشجاعة هي اللي بتخلينا نتخطى حدودنا ونحقق أحلامنا. وكل مرة بنواجه فيها خوفنا، بنفتح باب جديد للحياة، باب مليان بالإمكانيات والفرص. بنخاف، بس بنقدر نكون شجعان ونواجه مخاوفنا، ونمشي في طريق الحياة بثقة وأمل.

الأربعاء، 20 نوفمبر 2024

الأشجار لا تنظر خلفها

 

الأشجار فعلا ما بتبصش لورا، عمرها ما بتوقف عشان تفكر في الفروع اللي وقعت أو الورق اللي طار مع الريح. هي طول الوقت بتنمو لفوق، بتدور على الشمس، وبتحاول تمد جذورها أعمق عشان تثبّت نفسها أكتر. تخيل لو الشجرة كل شوية تبص على الورق اللي طار أو الأغصان اللي انكسرت، أكيد مش هتقدر تكمل نموها، وهتفضل واقفة مكانها، مابتتحركش لقدام.

الشجرة كأنها بتقولنا إن الماضي مجرد فصل في كتاب حياتنا. أوقات كتير بنفضل متعلقين بحاجات عدت، بنفكر فيها وندور على تفسيرات أو نتمنى إنها كانت انتهت بشكل أحسن. بس الحقيقة إن التفكير في اللي فات بيبقى مجرد عبء، بيمنعنا إننا نكمل ونواجه اللي جاي.

الأشجار بتعلّمنا إن الحياة هي خطوات لقدام، هي فروع جديدة وورق أخضر بيطلع كل يوم. وده مش معناه إن اللي فات مالوش قيمة، بالعكس، اللي فات هو اللي عمل مننا اللي إحنا فيه النهارده. بس كفاية إنه يبقى ذكرى في ضهرنا، مش حاجة نعيش معاها كل يوم.

كل واحد فينا محتاج يتعلّم من الأشجار، إننا نحط طاقتنا في اللي جاي، في إننا نكبر ونقوى، وإننا ندّي نفسنا الفرصة إننا نبص لقدام، من غير ما نتقل بحمل الماضي.

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

السرطان ... مخير أم مسير أم مبرمج

 

السرطان، المرض اللي بيخوف الناس بمجرد ذكر اسمه، دايماً بيخلينا نتساءل: هو المرض ده مخير ولا مسير؟ أو ممكن كمان يكون مبرمج؟ هل هو نتيجة اختياراتنا وأسلوب حياتنا، ولا حاجة مكتوبة علينا ومقدر لنا؟ وهل فيه نظام معين بيشتغل عليه المرض ده زي ما يكون مبرمج جوه جسمنا؟

أولاً: فكرة "المخير"

في ناس بتقول إن السرطان نتيجة عاداتنا اليومية. يعني لو بنشرب سجاير كتير، بنأكل أكل مش صحي، أو بنعرض نفسنا لحاجات مضرة زي المواد الكيماوية أو الشمس لفترات طويلة، فإحنا بنختار طريقنا للمرض ده. العلم نفسه بيأكد إن فيه عوامل كتير بتزود فرصة الإصابة، زي مثلاً التدخين اللي مرتبط بسرطان الرئة أو الأكل اللي مليان دهون وسكريات اللي ممكن يسبب سرطان القولون. فلو بصينا من الزاوية دي، هنلاقي إن السرطان ممكن يكون "مخير" جزئياً على الأقل، لأننا إحنا اللي بنحدد أسلوب حياتنا.

ثانياً: فكرة "المسير"

لكن فيه ناس تانية بتؤمن إن السرطان مسير، حاجة مكتوبة في القدر ومش بإيدينا نغيرها. كتير من الناس اللي بيصابوا بالسرطان بيكونوا عايشين حياة صحية، بيأكلوا أكل كويس، رياضيين، وماعندهمش أي عادات مضرة، ومع ذلك المرض بيجي لهم. كمان فيه عوامل وراثية بتلعب دور كبير، يعني لو فيه تاريخ عائلي للسرطان، فرص الإصابة بتكون أعلى، حتى لو كنت بتعيش حياة مثالية. في الحالة دي، السرطان بيبان كأنه قدر محتوم.

ثالثاً: فكرة "المبرمج"

العلم الحديث بقى بيشوف السرطان بشكل أعمق. السرطان ممكن يكون مبرمج جوه الجسم بسبب أخطاء في الحمض النووي (DNA)، الأخطاء دي بتحصل نتيجة خلل في الشيفرة الجينية اللي بتتحكم في انقسام الخلايا ونموها. يعني، زي ما الكمبيوتر ممكن يعلق بسبب خطأ في الكود، الجسم ممكن يحصل فيه خلل بسبب مشكلة في البرمجة الجينية. أحياناً الأخطاء دي بتحصل بسبب عوامل خارجية زي الإشعاعات أو المواد السامة، وأحياناً بتحصل لوحدها من غير سبب واضح. ده بيخلينا نفكر إن السرطان ممكن يكون نتيجة برمجة اتكتبت جوانا من البداية، بس الظروف هي اللي بتشغلها.

الحقيقة في النص

الواقع يمكن يكون خليط بين التلاتة: المخير، المسير، والمبرمج. يعني فيه جزء كبير من المرض مرتبط باختياراتنا وأسلوب حياتنا، لكن فيه جزء تاني خارج عن إرادتنا زي العوامل الوراثية أو الخلل المبرمج في الجينات اللي مش بإيدينا نتحكم فيه.

السرطان مش مجرد مرض، هو رسالة بتخلينا نفكر في عمق الحياة: هل إحنا فعلاً أحرار في اختياراتنا؟ هل كل حاجة مكتوبة؟ وهل جوانا أسرار أكبر من اللي بنقدر نفهمه؟ في النهاية، الأهم مش نصنفه، لكن نواجهه بإرادة وعلم، ونحاول نتعلم من وجوده.

الاثنين، 18 نوفمبر 2024

إدارة الأخطاء في البيت ... صبر و لا ندم؟



البيوت اللي بتعيش بسلام وراحة دايمًا بيكون فيها أب وأم شايلين مسؤولية حياتهم وحياة ولادهم. مش بس بيتابعوا الأكل والشرب والدراسة، لكن كمان بيهتموا بتحسين كل حاجة في حياتهم، سواء ماديًا أو معنويًا. بيقعدوا مع بعض بهدوء، يناقشوا أي مشكلة تظهر، ويدوروا على حلول بدل ما يهربوا منها أو يكبروها. دي العيلة اللي عارفة معنى الإدارة الحقيقية.

الصبر هو أساس أي نجاح في البيت. الصبر على الأخطاء وعدم الاستعجال في اتخاذ قرارات ممكن نندم عليها بعدين. لازم نصبر على بعضنا، نصبر على التغيير اللي دايمًا بيبقى صعب في الأول، ونصبر على الطريق الصح حتى لو طويل وممل. كل حاجة في الدنيا بتحتاج وقتها، سواء كان تصحيح غلط، أو تغيير عادة، أو حتى بناء الثقة من جديد. مع الصبر والوقت، النفوس بتتغير، والطباع بتلين، لأن الإرادة لوحدها مش دايمًا كفاية. ومن هنا، إدارة الوقت كمان بتبقى حاجة أساسية، لأنها هي اللي بتحدد إحنا ماشيين في الطريق الصح ولا لأ.

لكن لو بصينا للنقطة العكسية، هنلاقي إن التسرع هو العدو الأول لأي بيت. التسرع في الحكم على الكلام، أو في ردود الأفعال، أو حتى في نقل كلام بين أفراد العيلة، ده بيخلق فجوات كبيرة بين الناس. والغلط مش بيتصلح بغلط تاني، وده اللي بيحصل لما نتسرع. التسرع دايمًا نهايته ندم ووجع قلب، وكتير بيكون فات الأوان إننا نرجع نصحح اللي اتكسر.

إدارة الأخطاء مش معناها إننا منغلطش، لكن معناها إننا نعرف نعالج الغلط بحكمة وصبر، ونحافظ على البيت اللي بنبنيه يوم بعد يوم، عشان يكون مكان للأمان والحب مش للخلاف والندم.

الأحد، 17 نوفمبر 2024

شيلني يا بابا

 

طلبت بنتي، وهي مبتسمة وعينيها مليانة شوق للحنان والاهتمام، نفس الطلب اللي كانت بتقوله زمان، وهي صغيرة وخفيفة "شيلني يا بابا". دلوقتي، البنت بقت شابة، طويلة، ثقيلة، وكلها طموح وحكايات كتيرة جوة قلبها الكبير.

وأنا بشيلها، حسيت بالفرق بين الزمن ده واللي فات، لكن برضو حسيت بنفسي كأني أبوها اللي لسه قادر أديها الأمان ده. بلف بيها وبضحك، و هي بتضحك معايا، كأن الزمن واقف، وبنرجع شوية لحظات للطفولة اللي جريت منا من غير ما نحس.

بصيت لها وأنا شايلها كأني شايل الدنيا كلها بين إيديا. بنتي اللي زمان كنت بشيلها بسهولة من غير ما أحس، بقت دلوقتي طويلة و ثقيلة.

لفيت بيها بسرعة وهي بتصوت وتضحك، وأنا بحاول أحس إنها لسه الطفلة اللي كانت بتجري عليا، تطلب مني أشيلها. وأنا بلف، قربت أكتر، سندت راسها على كتفي، كأنها بتجدد ذكريات الطفولة اللي عمرها ما بتختفي. كل لحظة وأنا شايلها حسيت كأني بعيش الماضي من تاني، وبشيل معاها الذكريات الجميلة اللي فاكرها كلها كويس.

ولما وقفت، لقيتها بتبص لي من غير ما تنطق. وأدتني بوسة. وقتها، حسيت بفرحة طلعت بدموع مالهاش نهاية، كأن اللحظة دي اتجمعت فيها كل الذكريات، وقتها قالتلي إن مهما كبرت، دايماً حتفضل حتة مني، ودايماً حفضل سندها وحضنها الثابت اللي بيرجع بيها لأيام الطفولة.

وقتها بصيت لها، وهي لسه دايخه من اللفة اللي عملتها، وقلبي اتشد. فكرت في نفسي: يا ترى مين هيجي يشيلك مكاني بعد كده؟ السؤال ده لوحده خلاني أغير عليها، غيرة الأب اللي شايف بنته بتكبر قدامه، وبيبقى صعب عليه يتخيل إن في يوم حد تاني هيكون مكانه في حياتها.

بنتي دخلت في مرحلة المراهقة، المرحلة اللي فيها بتبدأ تتغير وتاخد خطواتها ناحية الاستقلال. لكن مهما حصل، بالنسبة لي هي لسه الطفلة اللي بتجري تطلب مني أشيلها، اللي بتعيط لما تقع، واللي بتحس إنها في أمان أول ما تلاقي نفسها في حضني. دلوقتي بقت أطول، وكلامها فيه نضج ما كنتش متعود عليه، لكن ضحكتها لسه هي نفس الضحكة اللي كانت بتطمنني إن كل حاجة بخير.

حسيت إن الزمن اللي كنت مستني أشوفها فيه وهي كبيرة، جاي بسرعة أكبر من اللي تخيلتها. الغيرة دي مش عشان خايف من اللي جاي، لكن عشان عارف إن حياتها هتاخد شكل جديد، ويمكن حضني ما يبقاش أول اختيار تلجأ له. بس اللي متأكد منه إن علاقتنا مش هتتغير، وإنها دايماً هتفتكر اللحظات البسيطة دي، اللحظات اللي شالت فيها الذكريات نفسها لما أنا شلتها.

بصيت لها بعد ما نزلتها من حضني، وهي لسه مبتسمة وفرحانة باللحظة اللي عشناها. وقلت لها بهدوء:

"حبي بنتك زي ما أنا بحبك."

كلامي طلع بسيط، بس كان مليان معنى. عايزها تفهم إن الحب اللي بيني وبينها مش مجرد عاطفة، ده حب مليان تضحية، خوف، أمان، وذكريات بتتبني يوم بعد يوم. عايزها تعرف إن الحب الحقيقي هو اللي بيدي من غير ما يستنى مقابل، هو اللي بيشيلك لما تتعبي، واللي بيبقى معاك حتى وأنتي بتكبري وبتاخدي طريقك بعيد.

بصت لي، وابتسامتها اتحولت لضحكة خفيفة، وقالت: "أكيد يا بابا." كأنها فهمت كل اللي جوايا من غير ما أحتاج أشرح. اللحظة دي علمتني إن الكلام اللي طالع من القلب بيوصل، حتى لو بسيط.

وأنا ببصلها، كنت عارف إن مع الزمن هتتغير حاجات كتير، وإنها في يوم هتكون أم وهتفهم كل كلمة قلتها. لكنها دايمًا هتفضل بنتي، طفلة في عيني، حتى لو شالت الدنيا كلها على أكتافها.