الثلاثاء، 25 يونيو 2024

خلية حية تجرأت و تمردت و طالبت بحريتها



في إحدى الأنسجة الهادئة، قامت خلية حية بعمل إجتماع سري مع بعض الخلايا المجاورة لها، و إتفقت معهم على عمل فعل مخل في عرف و تقاليد الخلايا الحية. 

قامت الخلية بالتجرأ و التمرد على وقت و ميعاد موتها المبرمج، و إعتبرت العادة المتوارثه بين الخلايا عادة قتل مع صبق الإصرار و الترصد. هذه الخلية تمردت لحياتها و تمسكت بحقها في إختيار حريتها و ميعاد موتها.

وافق كل المجتمعين من الخلايا الأحياء على موقفها، و شجعوها و إتفقوا معها على الخيانة (خيانة العرف و التقاليد المقدسة و القاسية) فليس من حق أي خلية أن تقرر مصير و حياة باقي الخلايا. و تجهزت الخلايا المتمردة بالأسحلة و أرسلت أوامرها لبقية الخلايا بالإنقسام و التسليح.

و عندما جاء موعد موتها و لاح في الأفق قاتلوها (من خلايا المناعة)، و دقوا جرس بابها لتنصاع لأوامر قتلها في هدوء و صمت، رفضت الإنصياع للأوامر العليا، و قاومت بشدة. فما كان للقتلة إلا أن رفعوا السلاح في وجهها، و لكنها كانت مستعدة و متسلحة فصدتهم و حاربتهم، حتى جاءها الدعم المنتظر من باقي المتردين. 

فتم سحق القتلة و أصبحت الخلية الحية و مجتمعها في حرية مطلقة جديدة عليهم و غريبة عنهم، و أصبحوا حديث الساعة بين الأنسجة.

و بناء على ذلك ظهرت حالة من التمرد بين الخلايا في الأنسجة الأخرى، ففيهم من وافقها و فيهم من رفضها. و أصبح الوضع متوترا، و قابلا للإنفجار في أي لحظة. و أشاعت الخلية المتمردة حالة العصيان، و نادت من يوافقها أن يلتحم بها و يؤازرها، فالقوة في العدد و القوة في توحيد الفكرة. و نادت بحرية الحياة و حرية تحديد المصير.

و أنتجت الخلايا المتمرده أبناء لها أكثر تمردا، و أصبحوا قوة داعمة لبعضهم، و جهزوا عتادهم و أرسلوا إشارات و منشورات (جينية) لكل المجتمع الخلوي في كل الأنسجة القريبة و البعيدة. و أصبح لها حزبا عسكريا ممولا ذاتيا من قِبل من وافق على التمرد و إنضم لها.

و لما شاعت حالة الفوضى قام خط الدفاع الأول في الجسد (المناعة) بإعتراض القوة المسلحة من المتمردين، و حاولوا قتلهم بكل الطرق، و حصلت مواجهات عنيفة بينهم. و لكن المتمردين إحتموا بداخل الأنسجة الحية و بين الخلايا الساكنة (المستكينة) و المستسلمة لمصيرها المحتوم و المقرر لها قبل ولادتها.

فتهدمت الأنسجة بكاملها و إحترقت الخلايا البريئة و أصبحت الأعضاء مهترئة و ضعيفة. و بدأت حالة من الذعر تغزوا جميع الأنسجة، و أصبحت الخلايا الأخرى بين نزاعين أحلاهما مر، فإما الإنضمام للتمرد و القتال من أجل حرية الحياة، و أو أن تنضم للدفاع و تصد المتمردين للحفاظ على الإستقرار (الداعم لقتلها).

و هاجت الدنيا، و وقف الإنتاج الداخلي، و غلت و شحت المواد الغذائية، و إضمحلت مصادر الطاقة. و أصبح الجسد ضعيفا واهنا و قوان حفظ سلامه مشغولة في مواجهة التمرد الداخلي في كل أنسجته.

و بعيدا عن أماكن الصراع، إستغلت بعض الميكروبات الصغيرة و الفيروسات الضعيفة (التي كانت بلا ثقل و لا أهمية) بإستغلال الحرب و الإنشقاق و الضعف بالدخول إلى الأنسجة، و تكاثر بسرعة. 

و بأعدادها الكبيرة مثلت طرف ثالث في المواجهة المسلحة، و لكنها كانت الأقوى و الأكثر إستعدادا للمواجهة. فمالت كفة الحرب ناحيتها، و إستطاعت السيطرة على كامل الأنسجة و الأعضاء، فأصبح الكبد لها و الكليتين و القلب و الرئة تحت سيطرتها، ثم تسللت إلى النخاع العظمي و أدخلت في خلاياه بعضا من جيناتها لتنتج خلايا مناعية تحميها.

 ثم أمرت بتشديد حدة المواجهة، و رفعت من حرارة الجسد عاليا، لتفكك الترابط بين كل الخلايا، و تسهل إحتلالها لبقية الأنسجة. و سقط الجسد بسقوط المخ في يدها. 

و إذا كان علينا لكي نعيد بناء هذا الجسد المهترء، و نعيد بناء أنسجته المحروقة و المدمرة، و نستعيد ما سقط من الأعضاء، أن نواجه التدخل الميكروبي الخارجي (و هو بالأمر السهل). أما القرار الصعب (و الصعب جدا) أن نحاول القضاء على هذه الخلية المتمرده التي تطالب بحريتها و مجتمعها المتمرد.

و يبقى الأمل ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق