في أواخر سنة 1945، بدأ سيدني فاربر، اللي كان عالم باثولوجيا ومؤلف كتاب مشهور اسمه "الفحص التشريحي للجثث"، في وضع الأساس لأبحاث السرطان، وكان مركز اهتمامه اللوكيميا. عمل دراسة على تصنيف الأورام، وركز كل اهتمامه على أنواع اللوكيميا اللي كانت وقتها غير قابلة للعلاج.
فاربر كان مقتنع إن دراسة السرطان لازم تبدأ من أساساته، وقرر يركز على اللوكيميا لأنها كانت سهلة القياس عن طريق تعداد الخلايا السرطانية في الدم. وقتها مكنش فيه أجهزة تصوير زي دلوقتي، فكان مستحيل يقيسوا حجم الأورام غير بالجراحة. عشان كده كان دايمًا يقول: "إنت مش هتعرف تقيس حاجة إلا لو شفتها."
عشان كده، فاربر شاف إن لو قدر يقيس اللوكيميا، هيبقى ممكن يقيم تأثير أي علاج بسهولة، عن طريق متابعة نمو أو موت الخلايا السرطانية من خلال عينات الدم أو النخاع العظمي، ويقدر من خلالها يحدد نجاح أو فشل الدواء.
فاربر استلهم من فكرة عالم الكيمياء الحيوية الفرنسي جاك مونود، اللي قال إن العلماء لازم يدرسوا الظواهر المعقدة من خلال نماذج أبسط. من هنا، فاربر اعتقد إن فهم الأمراض البسيطة ممكن يساعد في فهم السرطانات المعقدة. وهو بيدور على علاج للوكيميا، بدأ يفكر في طرق جديدة. في الوقت ده، كان العلاج الوحيد للسرطان هو الجراحة والإشعاع، ومكنش ليهم تأثير كبير على اللوكيميا.
فاربر كان مقتنع إن استخدام مواد كيميائية معينة ممكن يوقف نمو خلايا اللوكيميا، واستند لفكرة إن اللوكيميا هي نوع من التكاثر غير المنضبط للخلايا. استلهم من تجربة لويس ويلز في علاج أنيميا بومباي، اللي كانت مشابهة للوكيميا في التكاثر غير الطبيعي. لما استخدمت ويلز حمض الفوليك لضبط نمو خلايا الأنيميا، فاربر فكر إنه ممكن يعمل نفس الحاجة مع اللوكيميا.
جاب فاربر كمية من حمض الفوليك وبدأ يحقن المرضى بيه، لكن النتايج كانت عكس اللي توقعها. حالة المرضى تدهورت بسرعة. فاربر اتصدم، بس فضل يدرس عينات الدم ولاحظ تجمع كبير لخلايا الدم البيضاء في العروق لدرجة إن بعضها بدأ يطلع تحت الجلد. فاربر وقف التجربة بسرعة، بس فشلها انتشر بسرعة بين الأطباء، وده أثر على سمعته. لكنه ماستسلمش وبدأ يسأل نفسه: لو حمض الفوليك بيزود نمو خلايا السرطان كده، إيه اللي هيحصل لو وقفنا تأثيره؟
من هنا بدأت أول خطوة حقيقية لعلاج اللوكيميا. فاربر تعاون مع شركة أدوية صغيرة، ونجحوا في إنتاج مادة توقف تأثير حمض الفوليك. لما أخذ عينة من نخاع عظم مريض لوكيميا بعد استخدام المادة دي، اتصدم لما شاف نفس شكل نخاع العظام اللي شافه في مرضى أنيميا بومباي. وقتها قال إن علاج اللوكيميا لازم يكون بالعكس من علاج أنيميا بومباي.
وبدأ يجرب مركبات كيميائية مختلفة على مرضى اللوكيميا، وبكده وضع أساس للعلاج الكيميائي. اكتشف دور حمض الفوليك في نمو خلايا اللوكيميا، ولما قدر يمنع تأثيره، طوّر أول دواء مضاد للوكيميا اسمه "أمينوبترين"، وحقق نتائج أولية مشجعة.
ورغم إن تأثير "أمينوبترين" ماكانش دايم، بس الخطوة دي كانت بداية حقبة جديدة في علاج السرطان. تجارب فاربر كانت الشرارة اللي بدأت سباق البحث عن علاجات فعالة، وأثبتت إن العلاج الكيميائي ممكن يبقى سلاح قوي ضد السرطان. اللي عمله فاربر ماكنش مجرد تجربة علمية، ده كان بداية ثورة في فهم وعلاج السرطان، خصوصًا اللوكيميا، وأثبت إن المرض اللي كان بيعتبر مميت ملوش علاج، ممكن يخضع لقوانين الكيمياء والبيولوجيا، ويفتح باب الأمل لعلاج آلاف المرضى.
و يبقى الأمل ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق