السبت، 6 مايو 2023

عيون الحب في حجارة الحياة


تتسابق يوميا مع بقية أخواتها بأن تجلس بجواره على طاولة الغذاء، تفرح و ترقص طربا لما تنجح و تسبق جميع أخواتها التسعه في الوصول لجواره. إنها تحبه و تحب جلسته و تحب النظر إليه. إنه يشعرها بدفئ أبيها الذي لم تره في حياتها

أخوها الأكبر، يفرق عمره عنها عشرين عاما، تنظر إليه كأنه أباها. تستيقظ فجرا مع أمها و تساعدها في تجهيز الإفطار مع كوب الشاي قبل ذهابه لعمله. تكرر دعوات أمها و تحتضنه قبل خروجه و تطبع على خده قبلة كلها حب و مودة

ينظر في عيونها و يشعر بجمالها و يسمع ما تحويه من حب فتدخل في قلبه، و يواسي بها نفسه في طريقه الموغر، و يدفعها لتكملة مشواره المتعب للجبال، حيث العمل في حمل و تكسير الحجاره يوميا، و بدون أي دافع سوى الحصول على المال ليعطيه لأمه. يكاد هذا المال يكفي دفع إيجار البيت و الأكل و دفع أقساط تجهيز أخته الكبرى

يدخل الشاب يوميا في مطحنة تحت الشمس الصارخه و الحرارة الشديدة و الصحراء القاحله. يضرب في الأرض و في الجبل بكل عزمه و قوته لتكسير و جمع و حمل أكبر كمية من الحجاره. و في آخر اليوم يتحول لونه من الأسمر الغامق إلى الأبيض الفاتح كدقيق العيش من كثرة الضرب في جبال الجير

يدخل إلى البيت و يستند إلى حائط المدخل فيستمع لأصوات أخواته التسع و هن يضحكن و يتكلمن بصوتهن العالي و يغمض عينه، يأخذ نفسا عميقا و يملئ صدره سيل من التنهيدات المكتومه. يشعر أنه عالق في زمن لا يعرف الشفقة حيث الفقر و المسؤولية و إنعدام أمل

يدخل البيت و يتجهز لسيل من الطلبات و الحكاوي من أخواته، يشعر بضيق شديد من أصواتهن و لكنه يكتمه في نفسه. في الصباح لا يسمع سوى صوت تكسير الحجارة و في المساء يسمع صراخهن. يأكل عشاءه و يحاول النوم و لكنه يتذكر حبيبته

إنها جارته و حبيبته، تكلم معها عدة مرات و لكنه لم يدخل بيتهم لطلب يدها. ففي كل ليلة يحسب ماله و كم سيستقطع لنفسه حتى يستطيع تحويش ثمن الشبكه. إنه قارب على الخامسة و الثلاثين من العمر و مازال عنده تسع فتيات يحتجن للتجهيز. يشعر بضيق و صداع عندما يجد أنه سيتزوج على الخمسين، إذا ما تزوجت أخواته كلهن في أوقات قياسية

ينام في غمه و يستيقظ صباحا ليجد من تنظر إليه بعيون الحب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق