الخميس، 1 أغسطس 2024

خُلق الإنسان لصناعة التاريخ

 

هل للتاريخ حركة واتجاه، وهل يمكن معرفتها؟ بمعنى آخر، هل التاريخ يعيد نفسه في حلقة دائرية مفرغة إلى ما لا نهاية، أم أنه متغير؟

في البداية، كلنا نؤمن بوحدانية الخالق وقدرته ومشيئته، فكل شيء خُلق بقدر، وكل مخلوق مُيسر لما خُلق له، فالبداية عند الخالق والنهاية أيضًا عنده. وكل شيء يسير وفقًا لمشيئته وإرادته. وبما أن التاريخ يتجه إلى الإله الخالق في النهاية، فهذا يدل على أنه يفضي بالإنسان إلى سعادته. ولكن العالم يسير من سيئ إلى أسوأ، ولولا تدخل الخالق لإنقاذ البشر لحدثت الفوضى ولتغير المسار المكتوب، كما في شق البحر لموسى وتبريد النار لإبراهيم وخروج ماء زمزم، التي ستكون المآل الأخير للإنسانية.

هناك وجهتان نظر للإجابة عن هذا السؤال: الأولى هي نظرة رجال الدين والمفكرين المعتمدين على العقائد في التفسير، مثل الطبري. إنهم يقولون أن للتاريخ مسارًا محددًا واتجاهًا واحدًا مُقررًا منذ الأزل قبل بداية الخلق أجمعين، لأنه ليس من العقل أن الخالق يخلق هذا كله ويتركه يسير نحو الفوضى بدون ضوابط.

طبعًا هذا تفسير ديني مريح ولكنه لا يعطي الإجابة الكاملة على السؤال، فهم أخذوا التفكير السهل بدون عناء وساروا نحو التسليم خوفًا من الدخول في شبهات التفكير.

أما المنظور الآخر فيرى أن التاريخ دائمًا في صراع مع الحضارة، وأن المصارعين هم طلاب العلم والعلماء. وعند النظر عميقًا لشمولية التعليم نجد أن أعمال كل من فرانسيس بيكون المنطقي وديكارت المفكر الرياضي والميكانيكي البارع، ومؤلفاتهم عن تحويل أعمال الصناعة والتجارة إلى أعمال تُدرَس وتأسيس ما يسمى بالإسكولاريين أو المدرسين الذين ينقلون العلم إلى الأجيال، أدت لجعل الكثير من الناس يدرسون الكيمياء والفيزياء والنبات والحيوان والطب والهندسة والجيولوجيا، وأصبحت العلوم لها مكانة توازي الصناعة والتجارة. وتحول تفكير الناس من الحدس والظن والاستسلام إلى التجربة والدقة والضبط.

وهذا لا يمنع من التفكير ومحاولة الإجابة على السؤال، وإلا سنكون كمن يرى أن الخالق يمنح الصحة والمرض، ولكنه يمنع الناس من دراسة الطب والتداوي. ولولا كوبرنيكوس وجاليليو لما زلنا نعتقد أن الأرض مركز الكون والشمس تدور حولها. فكل تفكير سيؤدي إلى تعميق الإيمان بالخالق العظيم.

وعلى هذا الأساس ظهر مسار مختلف من التاريخ، مسار الاكتشافات والاختراعات التي تطورت وتداخلت في جميع المجالات فأنتجت حضارات في الدول التي دعمت العلم والعلماء، واندثرت الأخرى التي قاومت دخول التعليم وأيدت الجهل والتسليم. وهذا يدل على أن التاريخ يأخذ مسارًا مختلفًا حسب مقدار العلوم المعمول بها في كل دولة.

هذا يأخذنا إلى أن مسار التاريخ ليس دائريًا، ولا يعيد نفسه، وأنه في تغير مستمر. لأن للتاريخ صانع ومغير، وهو الإنسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق