تستقيظ الست أم عاطف يوميا قبل صلاة الفجر في الرابعة فجرا، توقظ زوجها السيد محجوب و بناتها الثلاثة. يركبوا جميعا عربة شبه متهالكه و يتشاركوا فيها مع ثلاث عائلات أخرى من أماكن متفرقه. تجمعهم العربة في الشنطه الخلفية حيث لكل شخص منهم مقعدا مخصصا يعرفه و لا يحيد عنه
تدخل العربة سوق الجملة، و تبدأ أسرة الست أم عاطف معركتها اليومية فكل فرد في أسرتها مسؤلا عن شراء مواد معينه حتى يسهل عليهم و يسرعوا في الشراء. أم عاطف مسؤلة عن شراء الخضراوات و السيد محجوب زوجها مسؤلا عن الأسماك و البنت الكبرى مسؤليتها الفاكهة و الوسطى البيض و الدجاج و الصغرى تتجه لسلل القمامة فتجمع الخضار و الفاكهة التي مازالت قابلة للأكل
يقوم سائق العربة بأخذ الأموال على كل فرد من الأسر الثلاث قبل نزولهم ثم تتجمع كل أسرة مع بعضها لتوزيع الأدوار عليهم فكل فرد يعرف بالتمام كم و ماذا سيشتري، فيختار الأفضل و الأرخص. و يحمل ما اشتراه في شواله و يتجه للعربة. يتعاونوا مع بعض و يتناصروا فيما بينهم و الكل يعرفهم في السوق فلا يجرؤ أحد على مضايقتهم إلا بقليلا من الغزل
كل شوال بوضع فوق العربة في مكانه المعروف، فلا تنافس و لا نفسنة و الكل صامت و متعايش. تنزل كل أسرة على فرشتها في أماكنهم المعروفة من الشارع و تحمل أشولتها بأنفسهم ثم يفترشون مشترياتهم و يرتبوها حبة حبة
تقوم أم عاطف و عم محجوب بأعمال البيع و الشراء و بناتهم الثلاثة يذهبون لمدارسهم مع الكثير من قبلات الأم و أدعيتها. يقوم عم محجوب بإعلان بدء يوم جديد من العمل فيفتح الراديو على الست بصوت عالي و ينادي على القهوجي ليحجهز حجر الشيشة و كوبين من الشاي الميزة و تبدأ أم عاطف في تجهيز الخضار و تقشيرة و تقويره و وزنه و تغليفه في أطباق. فتحضر ما تزغلل به العيون و تسر به النفوس من ألوان الخضار و الفاكهة الجميلة
يحدث هذا الأمر يوميا بدون توقف حتى في أبام البرد و المطر و أيام الصيف و القيظ. و ما أن تسمع صوت الست من بيتك، حتى تجد النسوة قد تجمعوا على فرشة أم عاطف و عم محجوب. و نتيجة التكرار ستشعر أن اليوم لا يبدأ إلا بوجودهم في الشارع
أم عاطف إمرأ قوية، بنيتها معتدلة، نظرها حاد و ذكاؤها شديد فتستطيع أن ترى النساء قادمات من على بعد و تعرف ماذا سيشترون، بالمناسبة هي إسمها الحقيقي سامية و لكنها تتمنى أن تلد ولدا و تسميه عاطف فجعلت إسمها أم عاطف حتى تدعوا لها النسوات به
و في إحدى المرات نزلت لأشتري بعض الفاكهة و سمعت إحدى السيدات تسأل أم عاطف و تقول يا أم عاطف هل أنت نسوية. فاجئني السؤال و دار في خلدي الكثير من المعاني و بدأت أرتبها على قدر خطورتها ثم أخذت نفسا عميقا لأتبين رد فعل أم عاطف و نظرت للسيده السائلة فوجدتها تشتري حبات البامية و تدقق في كل حبة لتأخذ حبات صغيرة و بذات الحجم
ضحكت أم عاطف ضحكة نسائية جدا و قالت، مش عارفه ليه الستات المتعلمه شايفين إن الست إللي بتشتغل في الخضار و السمك مش ستات، أنا ست زي زيك بس مش بحب الستات إللي مزودينها. فردت عليها السائلة، طب و إزاي و إنت إللي بتشتغلي و جوزك قاعد يشرب شيشة و شاي
وضعت أم عاطف بعض الأكياس على غصن شجرة مجاوره للفرشه و قالت هو أنا أعرف أعيش من غير محجوب، دا حياتي و حياة عيالي، دا الحب كله، حتى لما نتخانق و نقطع بعض بنرجع نتصالح و نعيش، أمال أسيبه، دا الحريم يأخذوه مني و أنهت جملتها بغمزة عين و طرقعه لسان. ميغركيش قاعدته كدا، إستني شوية بس لما دماغه تفتح، هيبيعلك كل السمك إللي جابه، و هيقولك على الطبخات إللي تعمليها لراجلك علشان يحبك أكثر
تعجبت من كلام أم عاطف، و نظرت للسيدة السائلة لأرى هل فهمت مغزى الكلام أم أن عشرات الكتب و مئات المقالات و ساعات الدراسه الطويلة في الجامعات فشلت في إظهار الحقيقة كما قالتها أم عاطف.
أدركت أم عاطف أن المصطلحات و التسميات لا تعني شيئا و كل التعقيدات عن المرأة و حقوقها ما هي إلا إرث من أجيال إنحرفت و حاولت أن تجعل المجتمع يرى أن القوة الحقيقية هي قدرتك على التحكم في شريكك بدلا من مشاركته الحياة فلا خنوع و لا ذل و لا خطابات و لا شعارات و لا بطولات و لكنها إتفاق
سلام عليك يا أم عاطف و سلام على زوجك المحبوب عم محجوب و سلام على بناتك و أدعوا لك أن ترزقي بالواد عاطف و يجعله صالحا و مطيعا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق