في زمن قديم، قديم جدا، كان يوجد حاكم على مدينة كبيرة، جاء نتيجة ثورة الناس على حاكم قبله ظالم. خلعه الناس و أسقطوه و عينوا هذا الحاكم الجديد بإنتخابات نزيهه، نزيه جدا
كان هذا الرجل يعمل جلادا خبيثا، يبيع الجلود للناس. و كانت ثروته كبيرة لدرجة أنه لا يجد مكانا يخفيها فيه. ففكر و قرر أن يرشح نفسه ليكون حاكما للمدينة بدلا من الظالم الجاحد، فيخفي ثروته في أي مكان يريد
أراد هذا الحاكم أن يجعل الناس أغنياء مثله و أن يرد لهم ما فقدوه من إنسانيتهم و علمهم و مالهم و أراضيهم نتيجة المغتصب الظالم الذي قبله. ذهب بالناس لأحلام جعلتهم يتخذونه كإلاه. وعدهم بالحرية و المال و العدل و المساواة
قال لهم أن مبدأه الأوحد لرفع شأن هذه المدينة هو الصناعة، سنبني المصانع التي تصنع كل شئ و أي شئ، و سنصبح أغني من أغنى دولة موجوده
فرح الناس بشدة و أصبحوا يهتفون بإسمه في كل موقف و كل مكان، فوق المساجد و الكنائس و فوق الأرض و حتى تحتها
إختار أعلى جبل في المدينة و بنى عليه أكبر و أضخم مصنع وجده إنسان، مصنع واحد فقط في المدينة، و لكنه يصنع كل شئ و كل الناس في المدينة يعملون فيه. و لكي تعمل عليك أن تتسلق هذا الجبل يوميا ذهابا و إيابا، عليك أن تصل قبل شروق الشمس و تعود بعد الغروب
رد على الناس بأنه هو المكان الوحيد الذي ينفع لبناء هذا الصرح العظيم فلن يستطيع أن يهدم بيوت و لا أن يردم الأنهار حتى يبنيه، فإقتنع الناس و وافقوا و كافحوا ليعملوا بداخله
بنى الحاكم - الخبيث و العادل - هذا المصنع و جعله أسود اللون من الداخل و من الخارج. و كان شرطه إذا أردت أن تعمل فيه، يجب عليك أن تغلق عينك و تعمل - حتى لا أحد يعرف سر المصنع طبعا - عليك أن تكون أعمى مؤقتا داخل المصنع. ستتعلم كل شئ و أنت لا ترى، فالسرية هي مفتاح العمل
وافق الناس على هذا الشرط العجيب و كانت أعطياتهم تزيد عن كفايتهم و تكفي أسرهم و تزيد، فأقبل الشعب كله على العمل في هذا الصرح العظيم. و أصبح كلام الناس يوميا عن قدرتهم على الصناعة بدون أعين، و أصبح الأعمى سيد قومه في هذه المدينة
و بعد فترة، بدأ يخرج هذا المصنع أول إنتاجه، لم يكن يعرف الناس ماذا ينتج و بصراحة لم يهتم أحد، ماداموا لم يروا ماذا يصنعون فلم يكن مهم شكله، المهم أن مستواهم المادي و الإجتماعي أصبح عاليا. و تحمل الناس مشقة الصعود و الهبوط من الجبل يوميا، لدرجة أن بعضهم أصبح لا يفتح عينه حتى في بيته
كان هذا المصنع لا يصنع أي شئ و لكنه كان يصنع الدخان، دخان أسود بلا رائحه، يلتصق على الوجه و العين، لا يزال إلا بتركيبة لا أحد يعرفها إلا الحاكم. ينتج المصنع من هذا الدخان يوميا مئات اللترات و ينشرهم أسفل الجبل عبر أنابيب موصولة إلى شوارع المدينة
بدأ ينتشر هذا الدخان بين الناس و أصبح حديث الساعه، بأن دخانا يتجمع على وجوه الناس و أعينهم و يفقدهم القدرة على الإبصار و لكن كثيرا من الناس لم يهتموا نظرا لكونهم أصلا من مغلقي العيون. و أصبح المتعلمين و الناصحين مغضوبا عليهم لأنهم ضد رؤية حاكمهم، الذي أغناهم و أرسى بينهم العدل و المساواة. ثم أصبحوا منبوذين و مطاردين، فكل من يتكلم عن الإبصار، يتهم بالخيانة و يحكم عليه بالنفي أو الموت
و ظهر جيل جديد من الأطفال يمنعهم أبائهم من فتح أعينهم منذ صغرهم بوضع هذا الدخان على وجوههم، حتى يكونوا عميانا منذ نعومة أظافرهم
و إرتفع أداء المصنع كثيرا و أصبح ينتج الدخان بكمية أكبر، حتى أصبحت المدينة تغرق فيه و وصل الدخان لكامل الطريق أعلى الجبل إلي المصنع
و لما شعر الملك بأن جميع الناس قد أصبحوا عميانا و أنهم يعمون أطفالهم الرضع، تيقن بعدها أنه لن يستطيع أحد الثورة عليه كما حدث للغبي الذي قبله. فقد إقتنع الناس بأن المبصرين، ما هم إلا ضرر و من يتكلم عنهم فهو خائن
و هنا بدأ بتنفيذ الجزء الثاني من مخططه، فبدأ بتعيين رجالا من خارج المدينة كجنود حماية له و ألبسهم عيونا على عيونهم ليستطيعوا الرؤية في الدخان. و نشرهم بين الناس و أدخلهم بيوتهم ليسرقوا أموالهم و يضعوا مكانها أوراقا غير نقدية لها نفس الملمس، فلم يعرف الناس أنهم سُرِقوا و لم يعرفوا أنهم خُدِعوا. و بهذا أصبح الناس معدمون و لا يعرفون أنهم معدمون
و لما إستقر وضع الجنود، بدأ بتنفيذ الجزء الثالث من المخطط، فبدأ يشجع الناس على الإنجاب و أشاع بينهم أن من ينجب طفلا مفقوء العين، سيكون له دعما ماليا كبيرا منه شخصيا و أنه سيتربى في قصر الملك. إقتنع الناس و أنجبوا الكثير و الكثير من الأطفال، و بالفعل قاموا بفقئ أعينهم، طمعا بالقرب من الحاكم ذو السيرة الحسنة أو في زيادة المال، أو قل الورق
و زاع سيط هذا الملك وسط ملوك المدن الأخرى، بأنه بنى جيشا من الرجال السود الذين يقاتلون و هم مغمضين العيون و لن يستطيع أحد محاربته. فزاد الناس حبا فيه و تعظيما له
و لكن الحقيقة أنه حقق ما يتفوق فيه و يؤمن به و هو بيع جلود هؤلاء الأطفال للمدن البعيدة ليجني من الأموال ما لم يحلم به يوميا، فلديه مدينة كامله تنجب له الجلود و عنده مكان واسع و مظلم لحفظ ماله بعيدا عن الخونه المبصرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق