كانت سارة يومها في عامها الرابع و الثلاثين و حامل بطفلتها الأولى بعد عدة محاولات أرهقتها ماديا، فيفي. محدد لها معاد الولادة في آخر شهر أكتوبر. في إحدى الليالي بدأت سارة بالسعال و لكنها لم تكن مهتمة به حتى بدأت حدته تزداد و خاصة في الليل. ذهبت لطبيبتها المسؤولة عن حملها و إقترحت عليها أن تعمل أشعة على رئتها. فظهرت في إحدى الرئتين سائل. توقعت الطبيبة وقتها أنها مصابة بميكروب و نصحتها بأخذ عينة لتحليلها و علاجها
خضعت سارة لعملية لم تكن أبدا بسيطة بإدخال إبرة لرئتها و أخذ عينة من الماء الموجود بداخلها. كانت النتيجة صادمة أنهم بدلا من أن يجدوا إلتهابا أو ميكروبا كما توقعت الطبيبة، وجدوا أنها مصابة بسرطان الرئة
صعقت سارة و زوجها بخبر مرضها و حولتها طبيبتها لطبيب الأورام المتخصص في سرطانات الرئة و لكنها تابعت معه حالتها لخطورة المرض مع الحمل و الولادة. هدأها طبيب الأورام بفكرة أن العلاج متوفر و أنه يعطي نتيجة فعالة و خاصة انها لا تدخن و تأكل طعاما متوازنا و صحيا و تمارس الرياضة مرتين أسبوعيا
و لكن يجب أن يبدأ العلاج بدون إنتظار معاد الولادة المقرر. و بالتالي فقد قررت طبيبتها معاد جديد للولادة بأن يكون بعد يومين، على أن تبدأ فحوصات الأورام في اليوم التالي للولادة
وُلدت فيفي و دخلت الحضانة و أكملت الأم فحوصاتها. ظهرت النتائج بأنها تعاني من سرطان الرئة من النوع الكبير -non small lung cancer- و قد تحرك ليدخل بطانة الصدر و الغدد الليمفاوية المحيطة، فوضع لها طبيب الأورام علاجا كيماويا نتيجة عدم قدرته على الدخول الجراحي لإزالته
و كانت تتصور كما الكثير من الناس أن سرطان الرئة لا يصيب إلا المدخنين، و لكن الحقيقة العلمية ان أكثر من ١٥٪ من الناس الغير مدخنين تصيبهم سرطانات الرئة. و لكنه يعتبر قابل للعلاج في أكثر من ٨٥٪ من المرضى، حيث تعطي الإستجابة عاما واحدا فقط كمتوسط للحياة
وضعت سارة على علاج موجه للسرطان يسمى إرلوتينيب -Erlotinib- و هو علاج يستهدف طفرة جينية توجد في سرطان الرئة عند الإناث غير المدخنات و يزيد من فترة الحياة حوالي شهرين عن العلاج التقليدي
كان الوضع كالتالي، سارة تنام على سرير و تعلق في يدها علاجها الكيماوي، و إبنتها فيفي ذات الخمسة أيام بجانبها على سريرها الصغير. و كانت الأخصائية النفسية تجلس مع الأسرة الصغيرة في بداية كل جلسه تحاول ان تجعلهم متفائلين و تعطي بريقا مطمئنا لهما و تحاول إخراجهم من دائرة اليأس
بدأ يظهر على ساره عند أخذها الجرعه الثانية من الدواء الموجه طفحا جلديا على وجهها و حبوبا كحب الشباب و تهيج بشرتها و لكنها إستطاعت أن تتحمله مع بعض المراهم المهدئة و الكريمات
و لكن مالا تستطيع سارة إحتماله هو أنها ستحتاج كل فترة أن توافق على إجراء عملية إبرة الرئة لإزالة السائل الذي يتجمع حول رئتها. و لذلك تم تركيب أنبوب صغير يخرج من جانب صدرها تستطيع ان تفرغه كلما شعرت بالماء يعيق تنفسها
و بعد ثلاثة أسابيع من الجرعه الرابعة، حدث لها إنسداد في شرايين الرئه نتيجة جلطة و تم علاجها سريعا بعملية و وضعت على أدوية مسيلة للدم. و بعد إنتهاء جرعتها الأخيره، قام طبيب الأورام بإعادة الفحوصات من جديد ليتبين أن الورم لم يتأثر بالدواء. إنهارت سارة للخبر و أصيبت بنوبات حادة من السعال و الإسهال
و بالتالي وضعها الطبيب على بروتوكول علاجي آخر من العلاجات الكيماوية التقليدية من الكاربوبلاتين -carboplatin- و الباكليتاكسيل -paclitaxel- التي تعطي فرصة حياة أقل بشهرين و لكنه توقف بعد الجرعة الثانية نتيجة حساسية شديدة أصابت جلدها لدرجة أنه تقشر من على جسدها كله. ثم إنتقلت للبروتوكول العلاجي الثالث من البيميتريكسات pemetrexed
الجميل أن سارة لم تفقد الأمل أبدا و حاولت قدر جهدها أن تحافظ على تفاؤلها رغم أن مرضها يزداد. ففي غضون شهر و نصف تقريبا فقدت أكثر من ثلثي وزنها و سقط شعرها و تقشر جلدها و مال عمودها الفقري و أصبحت لا تقوى على الوقوف و المشي و حتى التنفس، وقد إنتشر السرطان ليدخل كبدها و أمعائها و حتى عظامها
و مما زاد الطين بلة، إصابتها بإرتفاع شديد في حرارتها نتيجة إصابتها بإلتهاب فطري في الرئة و عند إدخالها للمستشفى وجدت موظفة الدخول أن تكاليف علاجها قد تعدت حدها التأميني. و منعتها من دخول المستشفى و بدأت دوامة من الإختيارات و الإلتزامات
وصلت سارة لنقطة فيها السؤال الصعب جدا إجابته، و هو ماذا تنتظر سارة ؟ و ماذا ينتظر طبيبها؟ و ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانها أو مكان طبيبها ؟ أو حتى مكان موظفة الإستقبال؟
و يبقى الأمل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق