من الأسئلة التي تثير الفكر وتحدي الإجابة عليها هي لماذا الكائنات الحية معقدة في تركيبها؟ لماذا توجد أعضاء متفرقة ذات وظائف محددة تتكامل مع بعضها البعض للحفاظ على حياة الكائن الحي؟
أحد التفسيرات الأكثر إثارة للاهتمام هو أن وعي الكائن الحي وإدراكه لا يمكن احتواؤه في مكان واحد فقط يجمع كل الأعضاء. الوعي البشري، على سبيل المثال، لا يكمن في العقل فقط ولا في القلب فقط، بل يتوزع على بقية الأعضاء. يمكننا ملاحظة ذلك عندما نتألم، حيث يتأثر وعينا، أو عندما نقارن وعينا بين وقت الاستيقاظ من النوم ووقت الاستيقاظ من التخدير، فنجد أن الوعي يختلف.
إذا كانت خلايانا تمتلك وعيًا للحياة ومتطلباتها، فهل تمتلك أيضًا وعيًا بالموت ومتطلباته؟ بعيدًا عن الآلية المعروفة لقتل الخلايا لنفسها، فإنها تدرك وتنفذ إنهاء حياتها، فلماذا تختار ذلك وتنفذه إذا كان ضد مصلحة العضو؟ هل تمتلك الخلايا وعيًا كافيًا لفهم المصلحة العامة الأكبر للحفاظ على جسم الكائن كوحدة واحدة؟ أم أنها تطيع الأوامر بدون وعي أو لأنها لا تمتلك القدرة على منعها حتى لو كانت نصف واعية؟
إذا كان العقل يجمع الأفكار من خلال نوافذه كالعين والأنف والأذن واللمس والتذوق، ويتم التحكم فيها عبر تفاعلات كيميائية متسلسلة بدقة، فهل يمكن أن يكون وعيه بحاجة إلى نوافذ مختلفة بعيدة عن الكيمياء؟ هل تكمن هذه النوافذ داخل أعضائنا وتتصل ببعضها بطريقة لا نعرفها؟
لنفترض أننا لكي نتحكم في وعي مجموعة من الناس نحو فكرة معينة، يجب علينا أن نضعهم جميعًا في مكان واحد وتحت نفس الظروف ونجعلهم يعانون بنفس المقدار، ليتشكل لديهم نفس الأفكار وبالتالي يتجهون نحو نفس الاختيار. الأغلبية العظمى لديهم إحساس بالخوف من التغيير. إذا كانت نفس الفكرة تنطبق على الخلايا في كل عضو، فهل يمكن تغيير وعيهم الجمعي بوضعهم تحت نفس الظروف؟ أم أنها ملزمة باتباع وعي أكبر منها لا يمكنها عصيانه، يتحكم فيه من يمتلك مفاتيح المناعة ضد التغيير؟
إذا كان مرض السرطان عبارة عن خلايا رفضت الانصياع للوعي المفروض عليها بطريقة ما، واستطاعت امتلاك مفتاح للاختباء والهروب من قبضة المناعة، فهل يكمن علاجها في إرشادها لطريق الحق والصواب أم تدميرها وتدمير كل من حولها؟
إذا كان السرطان عبارة عن ثورة تحدث داخل الجسد نتيجة رفض للظلم والقهر الجمعي في عضو معين، فهل علاجه هو استئصال جزء من هذا العضو لمحاولة تغيير وعي خلاياه المتبقية والوصول لحل يرضي طرفي النزاع؟ أم أن الثورة أصبحت نارًا ستلتهم جميع الخلايا؟
إذا كان العلاج قد استأصل كامل الثائرين وأبقى كامل المنهزمين، فهل سيستمر الرضا عن العلاج لوقت طويل؟ أم أن بعض الخلايا النائمة ستستيقظ لتنتفض وتفرض وعيها من جديد في نفس العضو أو في أعضاء مختلفة؟
هل الخوف الشديد من ظهور وعي جديد يخالف تمامًا ما جبلت عليه الخلايا هو المحرك نحو الإبادة وبالتالي حدوث الثورة أو السرطان؟ هل الخوف من الموت هو الطريق نحو الحياة أم أن حب الحياة هو الطريق لإبعاد الموت؟
أعتقد أن الحل الوحيد لعدم حرق أو استئصال كامل الجسد هو إعطاء فرصة للخلايا الثائرة أو المغيرة أن تقود العضو وتنشئ نوعًا جديدًا من الوعي ليقود بقية الأعضاء.
ويبقى الأمل...