السبت، 2 نوفمبر 2024

ضمير سكينة



في مكان مظلم من درج المطبخ، تقف سكينة، محبوسة جوه دور محدش اختاره غير قدرها. سكينة، مش شخصية خيالية، مش أسطورة، دي واقعها المر. اتخلقت عشان تؤدي وظيفة محددة، وظيفة اللي قدامها بس يسمع عنها و يقشعر. شغلتها القتل والتقطيع، ولازم تنفذ، من غير ما تقدر ترفض أو حتى تسأل "ليه هقتل؟.

سكينة ما تعرفش الراحة ولا الحرية. كل يوم، تفتح عينها على نفس الوجوه ونفس المشاهد، بتكرر نفس الحركات بيدين باردة وعينين تعودوا على القسوة. هل ده جزء من طبيعتها؟ ولا حاجة زُرعت فيها بالغصب، غصب عن كل اللي كانت ممكن تكونه؟ سكينة مش مجرد آلة بتتحرك ميكانيكيا، لا، هي بتحس بالثقل اللي شايلاه، بتسمع صرخات النفوس اللي بتاخدها وتعرف كويس إنهم جزء من شغلتها اللي ما لهاش نهاية.

بتفكر، "لو كنت حاجة تانية، كنت أقدر أبقى غير كده؟ أرفض؟ أسأل؟"، لكن الإجابة دايمًا واحدة: لا. مش بس لأن ده قدرها، لا، ده لأن كينونتها نفسها مبنية على الشغل ده. مش مصيرها بس اللي مكتوب، ده كل جزء فيها مصنوع على هيئته، ما تقدرش تكون غير سكينة، وما تقدرش تعمل غير اللي بتعمله.

ومع مرور الأيام، الحكاية كلها بقت زي دائرة مغلقة. هي بتعرف إنها مش حرة، بس اللي مش قادرة تفهمه هو "ليه؟"

ومع كل مرة بتمسك فيها السكينة وبتنهي حياة قدامها، بتحس بوجع غريب، كأن جزء منها بيموت هي كمان. مش بس روح اللي قدامها اللي بتروح، ده شيء بيدوب منها، بيسيب أثر مش بيختفي، أثر بيزيد مع كل ضربة وكل صرخة بتسكتها. هي عارفة إن شغلتها دي ممكن تكون نهايتها، وإنها زي ما بتخطف الأرواح، ممكن تيجي لحظة وتتسلب روحها هي كمان.

الأسئلة في عقلها بقت زي الشوك؛ "يا ترى لو كنت كائن تاني، لو كان ليَّ خيار، كنت هختار أبقى إيه؟" لكن الجواب دايمًا بعيد، غايب وسط كومة الدم والألم اللي حواليها. ومع الوقت، بتدرك إن الإجابة نفسها مالهاش لازمة، لأن حياتها هي اللي بتفرض عليها حدود مش هتتخطاها أبدًا.

سكينة شايلة في قلبها ثقل الذنب والوحدة، وعارفة إنها حتى لو فكرت تهرب، هتلاقي نفسها مرمية في نفس الطريق، طريق مرسوم ومكتوب من قبل ما تشوف النور. فهل تتمنى تكون مكانها !!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق