الجمعة، 29 نوفمبر 2024

أسى أسيرة في أسرة ميسورة

 

في المجتمعات الميسورة، أحيانًا بنلاقي تناقض بين الرفاهية المادية والحرية الشخصية. رغم إن البنات في العائلات دي بيكون عندهم كل وسائل الراحة، زي الفلوس والتعليم الجيد والسفر، بيظهر نوع تاني من القيود اللي مش باين للوهلة الأولى. القيود دي بتتمثل في التقاليد الاجتماعية والأفكار اللي بتفرضها الأسرة على بناتها، وبتمنعهم من التعبير عن نفسهم بحرية.

الأسرة، في كتير من الحالات، بتكون مصدر حب ودعم، لكن في نفس الوقت بتكون كمان مصدر لتوقعات وضغوط بتحدد "الطريق الصح" للحياة من وجهة نظرهم. الأهل بيكونوا مقتنعين إنهم عارفين الأفضل لبنتهم، وإنهم بيوجهوها لتحقيق النجاح والسعادة، لكن الحقيقة، مش دايمًا اللي هم شايفينه "صح" بيكون مناسب لكل واحدة.

اللي بيحصل إن البنت الأسيرة ممكن تحس إنها محبوسة جوه إطار مرسوم لها، مش قادرة تاخد قراراتها بنفسها أو تعيش بالطريقة اللي هي عايزاها. الأفكار دي ممكن تخليها تحس إنها مش بتحقق ذاتها، وإن حياتها مش بتعبر عن رغباتها وأحلامها، لكن عن توقعات الأسرة والمجتمع.

الصراع هنا بيظهر لما تبدأ تحاول تخرج عن الأفكار اللي اتحطت لها. المواجهة مش سهلة، لأن دايمًا فيه خوف من فقدان دعم الأسرة أو الشعور بالذنب تجاههم. لكن في نفس الوقت، بتبدأ تفهم إن الحرية الحقيقية هي إنها تعيش حياتها زي ما هي عايزة، مش زي ما أهلها عايزينها تعيش.

التحرر من القيود دي مش معناه رفض الأسرة أو تقاليدها بشكل كامل، لكن هو محاولة لتحقيق توازن بين احترام العائلة وبين بناء حياة خاصة بيها، حياة تعبر عن رغباتها واختياراتها الشخصية.

الأربعاء، 27 نوفمبر 2024

الشجر لا يطلب الشكر

 

الشجر كائن صامت، لكنه يحمل حكمة عميقة تُعلّمنا عن الصبر والعطاء بلا مقابل. الشجرة بتقف وحيدة في قلب الطبيعة، ثابتة في مكانها، لا بتشتكي ولا بتطلب حاجة، لكن رغم الوحدة والإهمال، بتظل تعطي ثمارها في هدوء. كأنها بتقول لنا: "أنا موجودة عشان أعطي، مش عشان آخد".

في أوقات كتير، ممكن نمرّ بفترات بنحس فيها إننا لوحدنا، محدش مهتم، ولا حد شايف اللي بنعمله. زي الشجرة، ممكن نحس إن مفيش حد بيعتني بينا، لكن الحقيقة إن العطاء مش محتاج مقابل دايمًا. الشجرة بتطرح ثمارها، سواء حد اعتنى بيها أو سابها، لأنها بتفهم إن قيمتها في اللي بتقدمه، مش في اللي بتاخده.

التربة الجافة، والشمس الحارقة، والرياح القاسية، كلها عوامل بتواجه الشجرة، لكنها بتفضل واقفة، جذورها غايرة في الأرض، وأغصانها ممدودة للسما. كأنها بتعلّمنا إن القوة الحقيقية مش في الحماية الخارجية، لكن في الجذور اللي بتثبتنا مهما كانت الظروف.

الشجرة الوحيدة مش بتحتاج حد يقولها شكرًا، لأنها بتفهم إن الحياة مش دايمًا عادلة، لكن ده مش سبب يمنعها عن إنها تطرح وتزهر وتدي. يمكن ده يكون درس لنا كبشر، إننا نقدر نكمل ونطرح ثمار جهودنا حتى لو مفيش حد شايف أو مقدر. العطاء في حد ذاته سعادة، ولو فضلنا ننظر لثمارنا على إنها دليل على قوتنا، هنلاقي إن الحياة دايمًا فيها معنى حتى لو كنا لوحدنا.

الشجرة بتقول لنا بصمتها: "ما تيأسش. طول ما انت بتعطي، انت عايش، انت قوي، وانت أكتر من مجرد حد محتاج حد."

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

جاذبية سرطانية

 

كل حاجة على الأرض بتتأثر بالجاذبية، وده قانون ما حدش يقدر يهرب منه. أي حاجة عايشة هنا لازم تلتزم بالقانون ده، سواء جسمك، الأشجار، الحيوانات، وحتى الأشياء اللي مش بتتحرك. طيب ده على مستوى الأرض كلها، لكن هل ممكن جوه جسمنا يكون الوضع مختلف؟

تخيل معايا إن جوه جسمك فيه أماكن كأنها خارج النظام ده. أماكن مش بتخضع لقانون الجاذبية اللي كل خلية تانية بتلتزم بيه. لو في خلية جوه جسمك بدأت تنمو بطريقة غريبة، مختلفة عن باقي الخلايا، ممكن ده يحصل بسبب إنها عايشة في ظروف مختلفة عن باقي الجسم.

الخلية دي ممكن تكون بتتصرف بشكل متمرد. بدل ما تنمو و"تمشي" مع باقي الخلايا في نظام واحد، تبدأ تخزن معلومات عن نفسها، وتنسخ نفسها بسرعة، وتكبر بشكل غير طبيعي. طيب ليه ده بيحصل؟ ممكن الجاذبية اللي بتأثر عليها تكون أقل أو أكتر من الطبيعي، أو إنها خلقت لنفسها "بيئة" خاصة بيها جوه جسمك.

المشكلة بقى إن الخلايا دي لما تبدأ تنتشر في باقي الجسم، بتلاقي نفسها في أماكن بتطبق قوانين مختلفة عنها. بدل ما تتأقلم وتشتغل زي باقي الجسم، بتتمرد أكتر. تبدأ تنقسم بسرعة شديدة، تحاول تبني بيئة حواليها تناسبها هي، وتخلق لنفسها نظام جديد. وده اللي بنسميه السرطان: خلايا بتخرج عن السيطرة الطبيعية، وبتبني لنفسها عالم خاص جوه الجسم.

العلاج هنا ممكن يكون فكرة ثورية. بدل ما نحارب الخلايا دي مباشرة، نفكر نغير البيئة اللي حواليها. نحاول نعيد ضبط "الجاذبية" أو الظروف اللي بتعيش فيها، بحيث ترجع تشتغل زي الخلايا الطبيعية. لكن ده مش سهل طبعًا، لأنك محتاج تفهم الخلايا دي بتفكر إزاي، بتتأثر بإيه، وإيه اللي ممكن يخليها تستجيب للتغيير.

الفكرة كلها إن السرطان مش مجرد مرض، لكنه تمرد على قوانين الجسم. ولو قدرنا نفهم التمرد ده بشكل أعمق، ممكن نوصل لطريقة جديدة لعلاجه.

و يبقى الأمل ...

الاثنين، 25 نوفمبر 2024

إسقاط في الخيال

 

في علاقاتنا اليومية، وبالذات العلاقات القريبة زي الجواز، كتير بنحاول نفهم اللي قدامنا من خلال تحليل ردود أفعاله على مواقف معينة. أحيانًا المواقف دي بتكون واضحة، وأحيان تانية بتكون مجرد افتراضات أو تخيلات في دماغنا. الفكرة دي رغم إنها ممكن تبان وسيلة للفهم، لكنها للأسف بتتحول لمصدر كبير للمشاكل لو اتبنت على أحكام شخصية أو قناعات فردية.

كتير من الناس بيقعوا في فخ الإسقاط ده، وبيحللوا ردود أفعال الطرف التاني بناءً على قناعاتهم وأفكارهم هما، وبيعتبروا إن ردود الأفعال دي دليل على رغبات الشخص، احتياجاته، أو حتى أخلاقه. الطريقة دي خطيرة جدًا، خصوصًا لما بتحصل بين الأزواج، لأنها بتمس الزوج زي ما بتمس الزوجة.

شريك حياتك مش تجربة بتعملها، ولا حد بتحاول تغيّره أو تعدّل عليه. العلاقة الزوجية لازم تقوم على التفاهم والاحترام، كل طرف لازم يشوف الطرف التاني كشخص كامل ليه كيانه وخصوصيته. البيوت السليمة بتتبني على الثقة المتبادلة، وعلى إن كل طرف يقبل التاني زي ما هو، ويتعامل معاه بحب وصدق بعيدًا عن الافتراضات والأحكام.

الأحد، 24 نوفمبر 2024

حضن وعشرة أيدي



في حياة مليانة ناس، بنلاقي اللي يحضنوك وكأنهم السند والظهر. الحضن دايمًا بيبان علامة على الأمان، بس ساعات الأمان ده بيبقى وهم. اللي بيحضنك قدامك عنده ثمانية أيدي، يدين ظاهرين للأحضان، ووراهم الباقي مستخبين، كل واحدة مستعدة تخونك أو تأذيك و أنت مش واخد بالك.

أنت، بيدينك الاتنين بس، حاول تكون بسيط وصادق. يد للسلام بتقدمها بكل نية صافية، ويد للتوديع بتفضل جاهزة، عارفة إن الرحيل ممكن يبقى ضروري لما الخيانة تظهر. المشكلة مش في إنك متبقاش قادر تحمي نفسك، المشكلة في إنك تتعامل بقلب نقي وسط ناس متعودة على الخداع.

هم هيحضنوك بحذر، وأنت هتحضن بثقة. هم هيحسبوا خطواتهم بالأيدي المخفية، وأنت هتمد يد واحدة وتخلي التانية تحميك من بعيد. مش عيب إنك تكون مختلف، إنك تختار الصدق على المكر. العيب الحقيقي هو إنك تتحول لنسخة منهم، تخسر نقاءك وتحاول تلعب لعبتهم.

في عالم مليان عناكب، خليك أنت الشخص اللي يمد يد واحدة للسلام وهو عارف إنه لو اضطُر، التانية جاهزة للتوديع بدون أي خوف. لأن القوة الحقيقية مش في عدد الأيدي، لكن في نقاء القلب اللي بيحركها.

السبت، 23 نوفمبر 2024

مكتبة الظلال



 الجزء الأول
كريم و التجربة 

في مدينة بعيدة ومخفية عن الأنظار، كانت هناك مكتبة غامضة تعرف بـ"مكتبة الظلال". كانت هذه المكتبة تقع في زقاق ضيق لا يدخله الضوء، وكان الوصول إليها يتطلب شجاعة وجرأة. الناس في المدينة كانوا يعرفون الأسطورة، أن المكتبة تستقبل الجميع، لكن الخروج منها مستحيل.

ذات يوم، وصل إلى المدينة شاب مغامر يدعى كريم. كان كريم مفتونًا بالأساطير والقصص القديمة، وكان دائمًا يبحث عن مغامرات جديدة. عندما سمع عن مكتبة الظلال، قرر أن يكتشف سرها بنفسه. توجه كريم إلى الزقاق الضيق ودخل المكتبة بشجاعة، رغم التحذيرات التي سمعها.

عند دخوله المكتبة، شعر كريم ببرودة تسري في جسده، وكأن المكان ممتلئ بالأرواح. كانت الأرفف مملوءة بكتب مغبرة، وكل كتاب يحمل اسمًا مختلفًا. بدأ كريم يتجول بين الأرفف، وعيناه تتجولان على عناوين الكتب التي بدت مألوفة بشكل غريب.

سمع صوتًا هادئًا يقول: "أهلًا بك في مكتبة الظلال، يا كريم". استدار بسرعة و رأى امرأة غامضة تقف أمامه. كانت ترتدي ثوبًا أسودا وعينيها تلمعان بالغموض. قالت: "أنا حارسة المكتبة، وهذه الكتب هي ذكريات أولئك الذين دخلوها ولم يخرجوا منها أبدًا".

تساءل كريم بدهشة: "ما الذي يحدث هنا؟". أجابت الحارسة: "المكتبة تأخذ ذكرياتك وتضعها في كتاب، ثم تخفي جسدك في عالم الظلال. لن تخرج من هنا أبدًا، لكن قصتك ستبقى محفوظة بين الأرفف إلى الأبد".

حاول كريم التراجع، لكنه شعر بأنه لا يستطيع الحركة. بدأت ذكرياته تتلاشى واحدة تلو الأخرى، وبدأ يشعر بأن جسده يتلاشى مع كل ذكرى تُسحب منه. رأى الكتاب الذي يحمل اسمه يظهر على رفٍ فارغ، وبدأت صفحاته تُملأ بذكرياته.

في اللحظات الأخيرة، همس كريم لنفسه: "على الأقل، ستبقى قصتي هنا". ومع اختفائه التام، انضم كريم إلى الأرواح التي تسكن مكتبة الظلال، تاركًا وراءه عالم (الأحياء) للأبد.

وهكذا، استمرت مكتبة الظلال في استقبال الزوار الفضوليين، محتفظة بذكرياتهم في كتبها، ومخفية أجسادهم في عالم الغموض الذي لا يُعرف عنه شيء. كانت المكتبة سرًا خفيًا، تروي قصص من دخلوا، لكنها لم تترك لأحد الفرصة للعودة إلى الحياة خارجها.

إقرأ بقية القصة في صفحة القصة

الخميس، 21 نوفمبر 2024

بنخاف

  

بنخاف من المجهول، من المستقبل، من التغيرات اللي ممكن تيجي وتقلب حياتنا رأساً على عقب. بنخاف من الفشل، من إننا ما نحققش أحلامنا، من إننا نخذل نفسنا واللي حوالينا. بنخاف من الوحدة، من إننا ما نلاقيش حد يفهمنا ويكون جنبنا في لحظات ضعفنا.

الخوف جزء من الطبيعة الإنسانية، جزء من الفطرة اللي جوانا. لكن الخوف ممكن يكون معيق، يوقفنا عن المحاولة وعن المغامرة وعن تحقيق أحلامنا. كل واحد فينا عنده مخاوفه الخاصة، وعنده طريقته في مواجهتها أو الهروب منها.

الأكيد إننا بنخاف، بس الأهم هو إننا ما نسمحش للخوف يسيطر علينا ويحبسنا في مكان واحد. لازم نتعلم نواجه مخاوفنا، حتى لو كان الموضوع صعب ومؤلم. المواجهة هي اللي بتخلينا ننمو ونتقدم ونتعلم.

المخاوف ممكن تكون فرص. فرص للتعلم، للتطور، لاكتشاف جوانب جديدة في نفسنا ما كناش نعرفها. لما بنواجه مخاوفنا، بنكتشف قوتنا الحقيقية، وبنعرف إننا أقوى بكتير مما كنا نتصور.

الخوف طبيعي، لكن الشجاعة هي اللي بتخلينا نتخطى حدودنا ونحقق أحلامنا. وكل مرة بنواجه فيها خوفنا، بنفتح باب جديد للحياة، باب مليان بالإمكانيات والفرص. بنخاف، بس بنقدر نكون شجعان ونواجه مخاوفنا، ونمشي في طريق الحياة بثقة وأمل.

الأربعاء، 20 نوفمبر 2024

الأشجار لا تنظر خلفها

 

الأشجار فعلا ما بتبصش لورا، عمرها ما بتوقف عشان تفكر في الفروع اللي وقعت أو الورق اللي طار مع الريح. هي طول الوقت بتنمو لفوق، بتدور على الشمس، وبتحاول تمد جذورها أعمق عشان تثبّت نفسها أكتر. تخيل لو الشجرة كل شوية تبص على الورق اللي طار أو الأغصان اللي انكسرت، أكيد مش هتقدر تكمل نموها، وهتفضل واقفة مكانها، مابتتحركش لقدام.

الشجرة كأنها بتقولنا إن الماضي مجرد فصل في كتاب حياتنا. أوقات كتير بنفضل متعلقين بحاجات عدت، بنفكر فيها وندور على تفسيرات أو نتمنى إنها كانت انتهت بشكل أحسن. بس الحقيقة إن التفكير في اللي فات بيبقى مجرد عبء، بيمنعنا إننا نكمل ونواجه اللي جاي.

الأشجار بتعلّمنا إن الحياة هي خطوات لقدام، هي فروع جديدة وورق أخضر بيطلع كل يوم. وده مش معناه إن اللي فات مالوش قيمة، بالعكس، اللي فات هو اللي عمل مننا اللي إحنا فيه النهارده. بس كفاية إنه يبقى ذكرى في ضهرنا، مش حاجة نعيش معاها كل يوم.

كل واحد فينا محتاج يتعلّم من الأشجار، إننا نحط طاقتنا في اللي جاي، في إننا نكبر ونقوى، وإننا ندّي نفسنا الفرصة إننا نبص لقدام، من غير ما نتقل بحمل الماضي.

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

السرطان ... مخير أم مسير أم مبرمج

 

السرطان، المرض اللي بيخوف الناس بمجرد ذكر اسمه، دايماً بيخلينا نتساءل: هو المرض ده مخير ولا مسير؟ أو ممكن كمان يكون مبرمج؟ هل هو نتيجة اختياراتنا وأسلوب حياتنا، ولا حاجة مكتوبة علينا ومقدر لنا؟ وهل فيه نظام معين بيشتغل عليه المرض ده زي ما يكون مبرمج جوه جسمنا؟

أولاً: فكرة "المخير"

في ناس بتقول إن السرطان نتيجة عاداتنا اليومية. يعني لو بنشرب سجاير كتير، بنأكل أكل مش صحي، أو بنعرض نفسنا لحاجات مضرة زي المواد الكيماوية أو الشمس لفترات طويلة، فإحنا بنختار طريقنا للمرض ده. العلم نفسه بيأكد إن فيه عوامل كتير بتزود فرصة الإصابة، زي مثلاً التدخين اللي مرتبط بسرطان الرئة أو الأكل اللي مليان دهون وسكريات اللي ممكن يسبب سرطان القولون. فلو بصينا من الزاوية دي، هنلاقي إن السرطان ممكن يكون "مخير" جزئياً على الأقل، لأننا إحنا اللي بنحدد أسلوب حياتنا.

ثانياً: فكرة "المسير"

لكن فيه ناس تانية بتؤمن إن السرطان مسير، حاجة مكتوبة في القدر ومش بإيدينا نغيرها. كتير من الناس اللي بيصابوا بالسرطان بيكونوا عايشين حياة صحية، بيأكلوا أكل كويس، رياضيين، وماعندهمش أي عادات مضرة، ومع ذلك المرض بيجي لهم. كمان فيه عوامل وراثية بتلعب دور كبير، يعني لو فيه تاريخ عائلي للسرطان، فرص الإصابة بتكون أعلى، حتى لو كنت بتعيش حياة مثالية. في الحالة دي، السرطان بيبان كأنه قدر محتوم.

ثالثاً: فكرة "المبرمج"

العلم الحديث بقى بيشوف السرطان بشكل أعمق. السرطان ممكن يكون مبرمج جوه الجسم بسبب أخطاء في الحمض النووي (DNA)، الأخطاء دي بتحصل نتيجة خلل في الشيفرة الجينية اللي بتتحكم في انقسام الخلايا ونموها. يعني، زي ما الكمبيوتر ممكن يعلق بسبب خطأ في الكود، الجسم ممكن يحصل فيه خلل بسبب مشكلة في البرمجة الجينية. أحياناً الأخطاء دي بتحصل بسبب عوامل خارجية زي الإشعاعات أو المواد السامة، وأحياناً بتحصل لوحدها من غير سبب واضح. ده بيخلينا نفكر إن السرطان ممكن يكون نتيجة برمجة اتكتبت جوانا من البداية، بس الظروف هي اللي بتشغلها.

الحقيقة في النص

الواقع يمكن يكون خليط بين التلاتة: المخير، المسير، والمبرمج. يعني فيه جزء كبير من المرض مرتبط باختياراتنا وأسلوب حياتنا، لكن فيه جزء تاني خارج عن إرادتنا زي العوامل الوراثية أو الخلل المبرمج في الجينات اللي مش بإيدينا نتحكم فيه.

السرطان مش مجرد مرض، هو رسالة بتخلينا نفكر في عمق الحياة: هل إحنا فعلاً أحرار في اختياراتنا؟ هل كل حاجة مكتوبة؟ وهل جوانا أسرار أكبر من اللي بنقدر نفهمه؟ في النهاية، الأهم مش نصنفه، لكن نواجهه بإرادة وعلم، ونحاول نتعلم من وجوده.

الاثنين، 18 نوفمبر 2024

إدارة الأخطاء في البيت ... صبر و لا ندم؟



البيوت اللي بتعيش بسلام وراحة دايمًا بيكون فيها أب وأم شايلين مسؤولية حياتهم وحياة ولادهم. مش بس بيتابعوا الأكل والشرب والدراسة، لكن كمان بيهتموا بتحسين كل حاجة في حياتهم، سواء ماديًا أو معنويًا. بيقعدوا مع بعض بهدوء، يناقشوا أي مشكلة تظهر، ويدوروا على حلول بدل ما يهربوا منها أو يكبروها. دي العيلة اللي عارفة معنى الإدارة الحقيقية.

الصبر هو أساس أي نجاح في البيت. الصبر على الأخطاء وعدم الاستعجال في اتخاذ قرارات ممكن نندم عليها بعدين. لازم نصبر على بعضنا، نصبر على التغيير اللي دايمًا بيبقى صعب في الأول، ونصبر على الطريق الصح حتى لو طويل وممل. كل حاجة في الدنيا بتحتاج وقتها، سواء كان تصحيح غلط، أو تغيير عادة، أو حتى بناء الثقة من جديد. مع الصبر والوقت، النفوس بتتغير، والطباع بتلين، لأن الإرادة لوحدها مش دايمًا كفاية. ومن هنا، إدارة الوقت كمان بتبقى حاجة أساسية، لأنها هي اللي بتحدد إحنا ماشيين في الطريق الصح ولا لأ.

لكن لو بصينا للنقطة العكسية، هنلاقي إن التسرع هو العدو الأول لأي بيت. التسرع في الحكم على الكلام، أو في ردود الأفعال، أو حتى في نقل كلام بين أفراد العيلة، ده بيخلق فجوات كبيرة بين الناس. والغلط مش بيتصلح بغلط تاني، وده اللي بيحصل لما نتسرع. التسرع دايمًا نهايته ندم ووجع قلب، وكتير بيكون فات الأوان إننا نرجع نصحح اللي اتكسر.

إدارة الأخطاء مش معناها إننا منغلطش، لكن معناها إننا نعرف نعالج الغلط بحكمة وصبر، ونحافظ على البيت اللي بنبنيه يوم بعد يوم، عشان يكون مكان للأمان والحب مش للخلاف والندم.

الأحد، 17 نوفمبر 2024

شيلني يا بابا

 

طلبت بنتي، وهي مبتسمة وعينيها مليانة شوق للحنان والاهتمام، نفس الطلب اللي كانت بتقوله زمان، وهي صغيرة وخفيفة "شيلني يا بابا". دلوقتي، البنت بقت شابة، طويلة، ثقيلة، وكلها طموح وحكايات كتيرة جوة قلبها الكبير.

وأنا بشيلها، حسيت بالفرق بين الزمن ده واللي فات، لكن برضو حسيت بنفسي كأني أبوها اللي لسه قادر أديها الأمان ده. بلف بيها وبضحك، و هي بتضحك معايا، كأن الزمن واقف، وبنرجع شوية لحظات للطفولة اللي جريت منا من غير ما نحس.

بصيت لها وأنا شايلها كأني شايل الدنيا كلها بين إيديا. بنتي اللي زمان كنت بشيلها بسهولة من غير ما أحس، بقت دلوقتي طويلة و ثقيلة.

لفيت بيها بسرعة وهي بتصوت وتضحك، وأنا بحاول أحس إنها لسه الطفلة اللي كانت بتجري عليا، تطلب مني أشيلها. وأنا بلف، قربت أكتر، سندت راسها على كتفي، كأنها بتجدد ذكريات الطفولة اللي عمرها ما بتختفي. كل لحظة وأنا شايلها حسيت كأني بعيش الماضي من تاني، وبشيل معاها الذكريات الجميلة اللي فاكرها كلها كويس.

ولما وقفت، لقيتها بتبص لي من غير ما تنطق. وأدتني بوسة. وقتها، حسيت بفرحة طلعت بدموع مالهاش نهاية، كأن اللحظة دي اتجمعت فيها كل الذكريات، وقتها قالتلي إن مهما كبرت، دايماً حتفضل حتة مني، ودايماً حفضل سندها وحضنها الثابت اللي بيرجع بيها لأيام الطفولة.

وقتها بصيت لها، وهي لسه دايخه من اللفة اللي عملتها، وقلبي اتشد. فكرت في نفسي: يا ترى مين هيجي يشيلك مكاني بعد كده؟ السؤال ده لوحده خلاني أغير عليها، غيرة الأب اللي شايف بنته بتكبر قدامه، وبيبقى صعب عليه يتخيل إن في يوم حد تاني هيكون مكانه في حياتها.

بنتي دخلت في مرحلة المراهقة، المرحلة اللي فيها بتبدأ تتغير وتاخد خطواتها ناحية الاستقلال. لكن مهما حصل، بالنسبة لي هي لسه الطفلة اللي بتجري تطلب مني أشيلها، اللي بتعيط لما تقع، واللي بتحس إنها في أمان أول ما تلاقي نفسها في حضني. دلوقتي بقت أطول، وكلامها فيه نضج ما كنتش متعود عليه، لكن ضحكتها لسه هي نفس الضحكة اللي كانت بتطمنني إن كل حاجة بخير.

حسيت إن الزمن اللي كنت مستني أشوفها فيه وهي كبيرة، جاي بسرعة أكبر من اللي تخيلتها. الغيرة دي مش عشان خايف من اللي جاي، لكن عشان عارف إن حياتها هتاخد شكل جديد، ويمكن حضني ما يبقاش أول اختيار تلجأ له. بس اللي متأكد منه إن علاقتنا مش هتتغير، وإنها دايماً هتفتكر اللحظات البسيطة دي، اللحظات اللي شالت فيها الذكريات نفسها لما أنا شلتها.

بصيت لها بعد ما نزلتها من حضني، وهي لسه مبتسمة وفرحانة باللحظة اللي عشناها. وقلت لها بهدوء:

"حبي بنتك زي ما أنا بحبك."

كلامي طلع بسيط، بس كان مليان معنى. عايزها تفهم إن الحب اللي بيني وبينها مش مجرد عاطفة، ده حب مليان تضحية، خوف، أمان، وذكريات بتتبني يوم بعد يوم. عايزها تعرف إن الحب الحقيقي هو اللي بيدي من غير ما يستنى مقابل، هو اللي بيشيلك لما تتعبي، واللي بيبقى معاك حتى وأنتي بتكبري وبتاخدي طريقك بعيد.

بصت لي، وابتسامتها اتحولت لضحكة خفيفة، وقالت: "أكيد يا بابا." كأنها فهمت كل اللي جوايا من غير ما أحتاج أشرح. اللحظة دي علمتني إن الكلام اللي طالع من القلب بيوصل، حتى لو بسيط.

وأنا ببصلها، كنت عارف إن مع الزمن هتتغير حاجات كتير، وإنها في يوم هتكون أم وهتفهم كل كلمة قلتها. لكنها دايمًا هتفضل بنتي، طفلة في عيني، حتى لو شالت الدنيا كلها على أكتافها.

السبت، 16 نوفمبر 2024

غبار مسحور

 

في أعماق الصحراء، حيث لا نهاية للرمال ولا ملجأ من الشمس، كانت الحكايات تتناقل عن غبار الصحراء المسحور. أساطير نسجتها العواصف ودفنتها الرياح، لكن الحقيقة دائمًا ما تجد طريقها وسط السراب.

كانت القافلة تسير بثبات عبر تلك المساحات اللامتناهية، عندما بدأت الرياح تتغير. في لحظة، اشتدت العاصفة، وتحولت الرمال إلى نصل حاد يجلد الوجوه. وسط الفوضى، كان هناك من سقط، جسده يكسوه بريق ذهبي غريب. بعد انقشاع العاصفة، كان الجميع يقفون مذهولين. جسده بدأ يتغير، بقع حمراء ظهرت على بشرته، وكأن شيئًا ما تحت جلده يلتهمه من الداخل.

لم يكن هناك ما يمكن فعله. كل محاولة لإنقاذه كانت عبثية، والغبار كان وكأنه كائن حي، يرفض التخلي عن ضحيته. ومع كل دقيقة تمر، كان جسده يذوب ببطء، كأن الصحراء تطالب بحقه. مع حلول الليل، توقف الركب بجانب واحة مهجورة، والجميع ينتظر النهاية المحتومة.

ولكن مع ظهور القمر، تغير كل شيء. نوره الفضي غمر الرمال، وهالة من الغبار بدأت تتصاعد من جسده المتآكل. أمام أعينهم، بدأ يعود. لحمه ينمو مجددًا، جروحه تلتئم، وعيناه تفتحان ببطء. لكنه لم يعد كما كان. صوته حين تحدث بدا أجوفًا، وكلماته حملت نبرة غريبة. "ما يُعاد ليس كما كان. الصحراء تأخذ جزءًا ولا تُعيده أبدًا."

بعد تلك الليلة، أصبح مختلفًا. جسده يبدو كاملًا، لكن تصرفاته كانت غريبة. كان يحدق في الرمال طويلًا، وكأنه يسمع ما لا يسمعه الآخرون. كان يستيقظ في منتصف الليل، يتمتم بكلمات غير مفهومة، ويتبع الظلال التي تتحرك مع ضوء القمر.

بمرور الأيام، أصبح وجوده عبئًا على القافلة. كان الخوف منه يتسلل في كل نفس، حتى قرروا مواجهته. تحت ضوء القمر، وقف أمامهم وقال:

"الغبار ليس مجرد رمال. هو ذاكرة هذه الأرض، يحمل أرواح من سبقونا. من يعود من الغبار لا يعود كاملًا. الحياة تُمنح بثمن، وهذا الثمن يدفعه من يجرؤ على العودة."

وفي الليلة التالية، اختفى. لم يترك سوى آثار أقدام على الرمال، تناثرت مع أول نفحة ريح. من حينها، لم يتوقف المسافرون عن الحديث عن الغبار. الشمس التي تقتل، والقمر الذي يعيد، والصحراء التي لا ترحم.

كانت الحكايات تستمر، وكلما ظهر شخص يدعي أنه عاد من الموت، كان السؤال يتردد:

هل عاد حقًا؟ أم أن ما عاد هو جزء مما أخذته الصحراء، وأبقت عليه في قبضتها إلى الأبد؟

الخميس، 14 نوفمبر 2024

الستين قوة روح

 

عندما يتعدى الرجل منهم عمر الستين، ينحسر عنه الشعر الأسود وتنحسر معه مشاعر الانطفاء والقلق. يبدأ يشعر بتوهج الزمن ويتلذذ بالحاضر ويستمتع بالخواطر والإلهامات، وتصبح قيمة الزمن أعلى وأكثر إمتاعاً. ينضج الوعي وتتفتح الحكمة، ويجد في كل يوم جديد فرصة للتأمل والتفكر، ويزداد إدراكه لجمال الحياة وبساطتها.

بعد الستين، تتراجع القوة الجسدية، لكن تزداد قوة أخرى، قوة غير محسوسة، قوة معبرة عن معنى الإنسان، هي قوة الروح. يصبح الإنسان بعد الستين أكثر شفافية ونقاءً ونفاذاً. يزداد إلمامه وإحاطته وإدراكه، وينفذ بأبصاره وأفكاره إلى أعماق الكون ويدرك سر الوجود.

في هذه المرحلة، يكتسب الرجل وقاراً يوحي بجمال وعقل وحكمة. وتزداد معه قوة كشف الحقائق وترك الصغائر، فلا غم يصيبه ولا كآبة ولا حسرة. ينظر إلى العمر الضائع والشباب اليانع بنظرة رضا وسلام. لا يدخل في سباقات خاسرة ولا يندم على ما فات، بل يعيش الحاضر بكامل وعيه وإدراكه.

بعد الستين، يجد الرجل سعادة في الأشياء البسيطة، ويرى الجمال في التفاصيل الصغيرة التي قد تمر على الآخرين دون أن يلاحظوها. تزداد قدرته على التمتع بالأوقات العائلية والاجتماعات مع الأصدقاء، ويصبح أكثر تفهماً وتسامحاً. يعيش بسلام داخلي ويشعر بالامتنان لكل لحظة يعيشها، مدرك أن الحياة ليست بطول السنوات بل بعمق التجارب.

تصبح لديه نظرة عميقة للحياة، فهو يدرك أن السعادة لا تأتي من الخارج بل تنبع من الداخل. يتحرر من الماديات ويسعى إلى تحقيق الرضا الداخلي والانسجام مع الذات ومع الآخرين. يصبح أكثر حكمة في اتخاذ القرارات وأكثر قدرة على تقديم النصائح المفيدة للجيل الأصغر.

بعد الستين، يعيش الرجل مرحلة من السلام الداخلي والنضج الروحي، حيث تزداد قدرته على الاستمتاع بالحياة بأبعادها المختلفة، وتصبح كل لحظة بالنسبة له كنزاً ثميناً يستحق الاحتفاء والتقدير.

كل هذا بعد الستين، و لكن ماذا يحدث لو كان قبلها ...

الأربعاء، 13 نوفمبر 2024

الأشجار لا تخاف ليلا

 

الأشجار فعلاً ما بتخافش بالليل. بالعكس، ممكن نعتبرها أكتر مخلوقات الطبيعة ثباتًا وقوة وقت الظلام. لو فكرنا شوية، هنلاقي إن الشجر طول اليوم واقف في مكانه، بيتعرض لشمس النهار وحرارته، ولرياح المساء وسكونه. ورغم كده، هو دايمًا ثابت، عارف طريقه، وعنده يقين إنه مهما حصل مش هيتهز.

بالليل، لما كل حاجة بتهدى، بتبان قوة الشجر الحقيقية. في العتمة، ما بيبقاش محتاج يخاف؛ لأن جذوره مغروسة في الأرض، وبيستمد منها الأمان والاستقرار. الأشجار عارفة إنها جزء من دورة طبيعية كبيرة، وده بيخليها مطمئنة، مفيش حاجة تقدر تخليها ترتجف أو تخاف، حتى لو مفيش نور يوضح لها اللي حواليها.

الشجر بيعيش اللحظات دي وكأنه بيفكر في كل اللي مر عليه، في الناس اللي مرت جنبه وسابته، والأحداث اللي حصلت حواليه ومأثرتش فيه. يمكن بيلاقي في الظلمة سلام وراحة، لأنه بيسيب أي حاجة خارجه ويركز في اللي جواه، في صموده، في جذوره اللي بتمده بالقوة.

يمكن لو خدنا من الشجر الدرس ده، هنعرف إحنا كمان نبقى ثابتين زيهم، ما نخافش من الليل ولا من الظلمة، ونبقى عارفين إننا لو عندنا جذور قوية، هنعدي من كل حاجة

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2024

إيجابي ولكنه سلبي... سلبي ولكنه إيجابي

 

في عالم الطب الحديث، بقى الكشف المبكر عن السرطان والتحاليل الطبية للكشف عنه والمتابعة عليه أدق وأقل عرضة للأخطاء بفضل التطور المستمر في الأجهزة الطبية والتحاليل المخبرية. كل جهاز بيقيس حاجة معينة دايماً بيكون فيه احتمال ولو بسيط للخطأ أو للتفاعل مع مكونات مختلفة في الدم، وأحياناً حتى الأشعة سواء كانت للتشخيص أو العلاج ممكن تدي قراءات غلط.

لكن السؤال هنا: هل الخطأ ده مقبول؟ يعني هل ممكن حد يكون مصاب بالسرطان لكن تحاليله تطلع سلبية؟ أو العكس، حد مفيهوش حاجة وتطلع تحاليله إيجابية؟ الإجابة نعم، الخطأ وارد، وإن كان بنسبة صغيرة، بس النسبة دي رغم صغرها ممكن تؤثر بشكل كبير على حياة الناس وأسرهم. الخطأ في التشخيص، سواء كان الشخص مريض وماتشخصش، أو غير مريض واتشخص غلط، ممكن يغير حياة كاملة.

في الأجهزة الطبية، معدل الخطأ غالباً ما بيعديش 5٪، لكن الخطر الحقيقي بيكون في الحالات اللي بيتم تشخيصها غلط. وعلشان كده، مع تطور التكنولوجيا الطبية وظهور أبحاث جديدة، بقت الأجهزة دي بتتحسن في دقتها وكفاءتها، وبيبقى فيه أكتر من تحليل بيتعمل عشان يثبت الإصابة أو عدمها. لكن في النهاية، المسؤولية بتكون على عاتق الطبيب، اللي لازم يبقى عنده الخبرة والدقة الكافية لتحليل النتائج واتخاذ القرارات الصح.

الموضوع ده بيسلط الضوء على أهمية الدقة والخبرة في التعامل مع التحاليل الطبية، وضرورة الاعتماد على أكتر من وسيلة تشخيص لضمان الحصول على نتائج دقيقة. رغم إن نسبة الأخطاء في التشخيص بتقل مع الوقت، إلا إن تأثيرها الكبير بيخلينا نركز على تحسين وتطوير أدواتنا الطبية باستمرار، عشان نقدر نقدم أفضل رعاية صحية ممكنة ونحافظ على سلامة المرضى.

و يبقى الأمل ...

الاثنين، 11 نوفمبر 2024

البارونويد ... إنسان مضْطَهَد و زوج مضطَهِد



البارانويد هو الشخص اللي دايمًا شايف إن الناس بتضطهده، وفي نفس الوقت هو مضطهد لكل اللي حواليه.

الإنسان الطبيعي ممكن يشك أحيانًا أو يسئ الظن، بس لما يلاقي نية كويسة، بيراجع نفسه وبيعترف لو كان غلطان. إنما البارانويد شكه هو محور حياته، ودايمًا شايف الناس حواليه سيئة ومؤذية، ولا ممكن يغير رأيه حتى لو الكل أثبت له إنه غلط. دايمًا على أعصابه، حاسس إن فيه مؤامرة ضده أو عدوان بيستناه.

الناس في نظره في قايمة سودة، عنده شعور دائم بالإضطهاد، بيبعد عن الناس ويصدر مشاعر عدم الراحة والعداوة، وسهل عليه يتحول لشخص مؤذي. عداوته بتظهر في انتقاده اللاذع، وسخريته الجارحة، وطريقته في الاستهزاء المؤلم. الكلام معاه مرهق وضياع للوقت، دايمًا يدور على دوافع خفية ومعاني مخبية في كل كلمة أو موقف، وعنده قدرة غريبة على تفسير الأمور بشكل سوداوي كله سوء ظن.

هو شخص معزول ووحيد، مش بيحس بمشاعر حد معندوش أصحاب. طبيعته باردة وسامة، مبتحسش منه بأي دفء أو مودة. ضحكته صفراء، وعيونه فيها سخرية، ودايمًا بيدافع عن نفسه بأنه عقلاني ومش بيعترف بأي عاطفة. بيشوف نفسه قوي وعنيد، لا بيقرب من حد ولا بيتنازل.

الشخصية البارانويدية بتظهر كتير بين المتعصبين والمطلقين. ولو لسه متجوز (شكلا أمام الناس فقط)، علاقته بشريكه دايمًا متوترة بسبب الشك والغيرة والتقليل منه. ولو عنده أولاد، علاقته بيهم بتكون مليانة عدم ثقة، دايمًا يكذبهم ويتهمهم ويتعامل معاهم بحذر شديد، ودايمًا مخيب للظن.

النتيجة إن الحياة الزوجية أو الأبوية مع الشخصية دي غالبًا بتكون فاشلة؛ مفيش حب بيستمر ولا مودة بتسود.

الأحد، 10 نوفمبر 2024

ثمرة الحياة

  

الأبوة والأمومة مش مجرد إنك تجيب أطفال، دي رحلة طويلة محتاجة حب وجهد وصبر. تربية الأولاد بتبدأ من أول ما يتولدوا وبتفضل مكملة طول حياتهم. الأطفال محتاجين حد يوجههم ويعلمهم القيم اللي تساعدهم يتعاملوا بشكل إيجابي مع المجتمع ويحققوا نجاح في حياتهم الشخصية والشغل.

الأولاد همّا المراية اللي بتعكس قيم وأخلاق أهلهم. لو اتربوا في بيئة فيها حب واحترام ومبادئ سليمة، فرصتهم تبقى أكبر إنهم يبقوا ناس مسؤولة ومفيدة لنفسهم ولللي حواليهم. عشان كده، مهم إن الأهل يكونوا قدوة كويسة لأولادهم في كل تصرفاتهم، ويعلموهم قيمة الصدق، والإخلاص، والعمل الجاد، والتعاون.

التربية مش حاجة سهلة، بالعكس، دي بتحتاج تفاني وتضحيات كتير. لازم الأهل يبقوا صبورين ويسمعوا لأولادهم ويفهموا احتياجاتهم ومشاكلهم. وكمان لازم يكونوا حازمين وقت اللزوم، ويحطوا حدود واضحة للتصرفات المقبولة والمش مقبولة.

وكمان، الأهل لازم يوفروا لأولادهم البيئة المناسبة اللي يتعلموا فيها وينمّوا فيها مهاراتهم ومواهبهم، ويقدموا لهم الدعم النفسي والعاطفي اللي محتاجينه.

الهدف مش بس في عدد الأطفال اللي بنجيبهم، لكن في نوعية الأولاد اللي بنربيهم. الأولاد الصالحين هما اللي يقدروا يبنوا مجتمع أحسن ويكونوا مصدر فخر وسعادة لأهلهم. عشان كده، لازم نهتم بتربية الأولاد ونهتم إنهم يكبروا على قيم ومبادئ تخليهم ناس صالحة وناجحة.

السبت، 9 نوفمبر 2024

رباط جزمة

 

كان رباط الجزمة يلتف حول نفسه بشكل معقد، مربكًا ومتورطًا في عُقد لا تنفك بسهولة. على رف الأحذية في المنزل، جلس منتظرًا بصبر أن يأتي أحدهم ويفك عُقده المتشابكة. كل صباح، كان يرى الأطفال يندفعون لارتداء أحذيتهم، لكنهم كانوا يتجنبون الحذاء الذي يملكه، بسبب تعقيد رباطه.

كان يتذكر الأيام التي كان فيها جديدًا، حيث كانت عقدته تتشكل بسهولة وتبقى ثابتة طوال اليوم، مما يوفر الراحة والأمان لمن يرتدي الحذاء. كان يفتخر بنفسه وبمدى كفاءته في أداء وظيفته. لكن مع مرور الوقت، بدأ يتعرض للتلف والتآكل. أصابته الخدوش والبقع، وأصبح أكثر هشاشة وتعرضًا للتشابك.

في أحد الأيام، قرر طفل صغير أن يرتدي هذا الحذاء الذي يملك هذا الرُباط. جلس وأخذ الحذاء بيديه الصغيرتين، وبدأ بحل عُقد الرباط بصبر و إهتمام. كان الرباط يشعر ببعض الألم مع كل محاولة لفكه، لكن الطفل لم يستسلم. وبعد جهد كبير، تمكن من فك العقد وارتداء الحذاء. أصبح الرباط يشعر بالارتياح والفخر، فقد عاد لأداء وظيفته مرة أخرى.

خرج الولد إلى الحديقة ليلعب، وكان الرباط يشعر بالسعادة وهو يرافقه في كل خطوة. في نهاية اليوم، عندما عاد إلى المنزل وخلع حذاءه، شعر الرباط بالفخر والإنجاز. أدرك أن رحلته لم تنتهِ بعد، وأنه ما زال قادرًا على تقديم الخدمة والراحة لمن يرتديه، مهما كانت التحديات التي يواجهها.

وبينما كان يستعد لمغامرة جديدة في اليوم التالي، كان الرباط يعلم أنه على الرغم من التآكل والتشابك، فإنه يمكنه دائمًا أن يجد طريقه إلى الأمام مع القليل من الصبر والعناية.

الخميس، 7 نوفمبر 2024

معركة الرشد

 


الإنسان لما يوصل لعمر الرشد بيكون تكوين شخصيته اكتمل، بيبقى عنده وعي وخبرات يقدر يعتمد عليها وينقلها لغيره. شخصية الإنسان بتبدأ تتشكل من الطفولة، لكن بتكون لسه قابلة للتغيير بشكل بسيط، والتغيرات اللي بتحصل في المرحلة دي بتكون آثارها محدودة وسهل التعامل معاها.


لكن بعد ما الإنسان يوصل لعمر الرشد، شخصيته بتتحول من مرحلة التكوين لمرحلة السمات الثابتة. في المرحلة دي، السمات الشخصية بتبقى أكتر ثباتًا، وكل شخص بيتكون عنده سمات أساسية بتميزه، بتظهر في سلوكياته وردود أفعاله.


السؤال المهم هنا: هل السمات دي ممكن تتغير لو المواقف اللي بيواجهها الشخص كانت قوية بما فيه الكفاية؟ مثلا، هل ممكن أب أمين يضطر يشهد شهادة زور علشان ينقذ ابنه من السجن، أو يختار إنه يرفض ويشوف ابنه يتسجن؟ في الحالة دي، هيتواجه بمرارة الزور أو الندم. أو ممكن الزوجة العفيفة تتجاهل غلطة لزوجها، فتعيش بمرارة الخيانة أو مرارة السكوت.


الأضرار اللي بتحصل في المواقف دي بتكون صعبة التدارك، لأنها بتمس سمات أساسية زي الأمانة والعفة، سمات مش سهلة تتغير أو تتزعزع. في النهاية، الحل الوحيد غالبًا بيكون محاولة الإنسان إنه يجبر عقله وقلبه على النسيان.


ده الصراع اللي بيعيشه الإنسان الراشد، معركة بين سماته الثابتة وضغط المواقف اللي بيمر بيها. بيبقى فيه صراع داخلي كبير، وأحيانًا الحل الوحيد هو الاختيار الصعب ثم النسيان.

الأربعاء، 6 نوفمبر 2024

ماذا لو الأشجار أصبحت أنانية

 

تخيل لو الأشجار بقت أنانية، كل شجرة مركزة بس على نفسها، بتحاول تكبر وتستحوذ على أكبر قدر من الضوء والمياه، من غير أي اعتبار للي حواليها. كانت هتطلع فروع طويلة وعريضة تمنع أشعة الشمس توصل للأرض، وتحجز كل الموارد لها لوحدها. ساعتها مش هنشوف غير شجر عالي قوي، لكن تحته هيبقى مظلم، والزرع الصغير والزهور الجميلة اللي بتزين الأرض هيختفوا.

الشجرة لو كانت أنانية، كانت كمان هتستخسر تعطي ثمارها لبقية الكائنات. الثمار هتفضل على الفروع العالية، تكبر وتدبل من غير ما حد يلمسها، بدل ما تسقط وتسيب للحيوانات والطيور والبشر يستفيدوا منها. الطيور مش هتلاقي أكل، والحيوانات اللي بتعتمد على الفاكهة دي هتضطر تدور على مصادر تانية، ولو ملقتش، حياتها نفسها ممكن تتأثر.

كمان، مش هتميل إنها تمد جذورها بشكل متشابك مع جذور الأشجار التانية عشان تدعمها. في الطبيعة، الجذور بتتشابك مع بعض عشان الشجر يثبت ويقدر يقاوم الرياح والعواصف القوية. إنما لو شجرة ركزت على مصلحتها بس، هتبقى ضعيفة، وأول ريح ممكن تقتلعها من مكانها.

ولو كملنا الصورة دي، هنلاقي الطبيعة نفسها هتتأثر. الشجر مش بس بيزودنا بالأكسجين اللي بنتنفسه، كمان بيمتص ثاني أكسيد الكربون وبيقلل التلوث. لو الأشجار بقت أنانية ومبقتش عايزة تدي، هنلاقي الهوا بقى ملوث، والأكسجين قليل.

كل ده بيورينا إن الطبيعة أساسها العطاء، وإن الشجر بيعلمنا إن الحياة مش ممكن تستمر من غير مشاركة. الطبيعة مش مبنية على احتكار أو أنانية، لكن على توازن وتعاون، وكل كائن بيكون جزء من منظومة متكاملة عشان الكل يستفيد ويستمر.

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2024

بروتوكول علاجي شامل



البروتوكول العلاجي لعلاج السرطان بيتقسم لثلاث أهداف رئيسية: الشفاء، إطالة العمر، وتخفيف الألم. الأهداف دي هي الأساس اللي بيبني عليه الأطباء اختياراتهم لمسار العلاج الأنسب لكل مريض.

الشفاء هو أكتر حاجة الأطباء بيطمحوا ليها، وده رغم إنه تحدي كبير وبيحتاج وقت طويل، لكنه بقى أقرب للتحقيق مع تطور الطب وظهور طرق علاجية جديدة. النهارده الأطباء عندهم أدوات ومعرفة متقدمة بتمكنهم يفهموا السرطان بشكل أعمق، وده بيدي أمل في شفاء حالات كتير.

لما يكون الشفاء التام صعب، الهدف بيبقى إطالة عمر المريض بشكل يخليه يقدر يتعايش مع السرطان من غير ما يسيطر على حياته. الفكرة إن المريض يقدر يعيش حياته اليومية ويكمل أنشطته وأشغاله بأكبر قدر ممكن من الطبيعي.

أما لو المرض وصل لمرحلة متأخرة، هنا الهدف الأساسي بيبقى تخفيف الألم وتحسين جودة الحياة الباقية. الأطباء بيركزوا على تخفيف معاناة المريض، وتوفير الراحة ليه، والاهتمام بأبسط تفاصيل حياته اللي ممكن تكون متأثرة بالمرض.

البروتوكول العلاجي ده بيحتاج تكامل بين أساليب علاج كتير زي الجراحة، العلاج الكيميائي، والعلاج الإشعاعي. اختيار الطرق العلاجية بيتغير حسب حالة المريض واستجابته وقدرته على تحمل الأعراض الجانبية.

كمان الأطباء بيشتغلوا مع فرق طبية متخصصة زي أخصائيين نفسيين، علماء أعصاب، معالجين سلوك، أخصائيين اجتماعيين، أخصائيين علاج طبيعي، أطباء أسنان، وأخصائيين علاج هرموني، وجراحي تجميل وصيادلة. الفرق دي بتساهم في تحسين فعالية العلاج وضمان رعاية شاملة للمريض، وده بيساعد على علاج الجانب الجسدي والنفسي والاجتماعي، وبيحسن من جودة الحياة ويحقق نتائج أحسن.

في النهاية، لازم المريض يبقى محور العملية العلاجية، ويتشارك في القرارات اللي تخص علاجه، عشان الخطة العلاجية تمشي مع احتياجاته وأهدافه.

ويبقى الأمل...

الاثنين، 4 نوفمبر 2024

زي ما الست قالت ... هات عنيك و خد عينيا



تخيل معايا ان شرط وجود التوافق بين الرجل و المرآة هو توافق مقلتي العينين مع بعضهما. فعند الزواج، على الرجل ان يعطي زوجته عينا واحده لتضعها بدلا من عينها، و تعطي الزوجه عينا واحده ليضعها بدلا من عينه.

فيكون عند الرجل عينا له ينظر بها لنفسه و عينا لها تنظهر هي من خلالها، و هي بالمثل فلها عين تنظر بها لنفسها و عينا يستطيع هو ان يراقب ما تشاهده و تنظر إليه. 

هنا الرجل مش هيقدر يبص على باقي الإناث، و هي بالمثل لن تستطيع ان تنظر لباقي الرجال. و إن حدث فلن يستطيع أحد أن يكذب الآخر.

بس مش ده المشكله الكبيره، المشكله أن العين تعتبر مفتاح المخ فالعيون هنا لن تنخدع بالكلمات و لا بالأغنيات. فدائما ما تستطيع ان تقول ما يدور في العقل و يعجز اللسان عن قوله.

فهل كلام الست هنا يعتبر حقيقي ... هات عنيك و خد عينيا، يا حبيبي.

الأحد، 3 نوفمبر 2024

أنا عاوزك أحسن من أبوك

 

المقولة دي كتير مننا بيسمعها في حياتنا، سواء من أب أو أم عايزين الأفضل لولادهم. من الظاهر، بتبين رغبة الأهالي إنهم يوفروا لأولادهم حياة أحسن من اللي عاشوها، أو إنهم يصلحوا الحاجات اللي شايفين إنها كانت ناقصة في تربيتهم. لكن، هل المقولة دي فعلًا صحية؟ وهل هي كافية لوحدها علشان تحقق السعادة للطفل؟

أول حاجة، لازم نسأل نفسنا: إيه المقصود بالأحسن؟
هل المقصود هنا النجاح المادي؟ التعليم؟ السعادة النفسية؟ أوقات كتير، الأهل بيبصوا على نجاحات هما ماحققوهاش في حياتهم وبيحاولوا يحققوها في أولادهم، وده ساعات ممكن يخلق ضغوط على الطفل، ويخليه يحس إنه لازم يكون مثالي علشان يرضي أهله.

ثاني حاجة، شخصية الطفل، كل طفل عنده شخصية مستقلة وتوجهات مختلفة. مش شرط إن الطريق اللي الأب شايفه صح يكون مناسب للابن. كل واحد فينا له أحلامه، واهتماماته، وقدراته. لما الأهل يفرضوا على ولادهم إنهم يكونوا "أفضل" بمعاييرهم الشخصية، ده ممكن يحرم الطفل من فرصة إنه يلاقي نفسه ويبني مستقبله بالطريقة اللي تناسبه.

ثالث حاجة، التربية بالمقارنة، المقولة دي بتفترض إن الطفل لازم يقارن نفسه بأبوه طول الوقت. المقارنات دي ممكن تكون مرهقة وتضغط عليه نفسيًا. الأفضل من المقارنة هو إننا نساعد الطفل يكون أفضل نسخة من نفسه، مش من حد تاني.

الأهم من "أنا عاوزك أحسن من أبوك" هو "أنا هساعدك تبقى أنت وأساعدك تطور نفسك"

لما الأهل يكونوا داعمين للطفل، ويعرفوه يكتشف مواهبه ويشجّعوه يطوّرها، الطفل هيحس إنه محبوب ومقبول، ومش هيكون محتاج يثبت حاجة لأي حد غير نفسه.

التربية الصحية بتقوم على الاحترام، والاستماع، والتوجيه، مش على فرض الطموحات أو الأحلام اللي الأهل مشيوا وراها.

كل طفل محتاج دعم وحب غير مشروط. دور الأهل هو توفير البيئة اللي تخليه يقدر يكتشف العالم بحرية، ويكون نفسه، مش نسخة معدلة من أبوه.

السبت، 2 نوفمبر 2024

ضمير سكينة



في مكان مظلم من درج المطبخ، تقف سكينة، محبوسة جوه دور محدش اختاره غير قدرها. سكينة، مش شخصية خيالية، مش أسطورة، دي واقعها المر. اتخلقت عشان تؤدي وظيفة محددة، وظيفة اللي قدامها بس يسمع عنها و يقشعر. شغلتها القتل والتقطيع، ولازم تنفذ، من غير ما تقدر ترفض أو حتى تسأل "ليه هقتل؟.

سكينة ما تعرفش الراحة ولا الحرية. كل يوم، تفتح عينها على نفس الوجوه ونفس المشاهد، بتكرر نفس الحركات بيدين باردة وعينين تعودوا على القسوة. هل ده جزء من طبيعتها؟ ولا حاجة زُرعت فيها بالغصب، غصب عن كل اللي كانت ممكن تكونه؟ سكينة مش مجرد آلة بتتحرك ميكانيكيا، لا، هي بتحس بالثقل اللي شايلاه، بتسمع صرخات النفوس اللي بتاخدها وتعرف كويس إنهم جزء من شغلتها اللي ما لهاش نهاية.

بتفكر، "لو كنت حاجة تانية، كنت أقدر أبقى غير كده؟ أرفض؟ أسأل؟"، لكن الإجابة دايمًا واحدة: لا. مش بس لأن ده قدرها، لا، ده لأن كينونتها نفسها مبنية على الشغل ده. مش مصيرها بس اللي مكتوب، ده كل جزء فيها مصنوع على هيئته، ما تقدرش تكون غير سكينة، وما تقدرش تعمل غير اللي بتعمله.

ومع مرور الأيام، الحكاية كلها بقت زي دائرة مغلقة. هي بتعرف إنها مش حرة، بس اللي مش قادرة تفهمه هو "ليه؟"

ومع كل مرة بتمسك فيها السكينة وبتنهي حياة قدامها، بتحس بوجع غريب، كأن جزء منها بيموت هي كمان. مش بس روح اللي قدامها اللي بتروح، ده شيء بيدوب منها، بيسيب أثر مش بيختفي، أثر بيزيد مع كل ضربة وكل صرخة بتسكتها. هي عارفة إن شغلتها دي ممكن تكون نهايتها، وإنها زي ما بتخطف الأرواح، ممكن تيجي لحظة وتتسلب روحها هي كمان.

الأسئلة في عقلها بقت زي الشوك؛ "يا ترى لو كنت كائن تاني، لو كان ليَّ خيار، كنت هختار أبقى إيه؟" لكن الجواب دايمًا بعيد، غايب وسط كومة الدم والألم اللي حواليها. ومع الوقت، بتدرك إن الإجابة نفسها مالهاش لازمة، لأن حياتها هي اللي بتفرض عليها حدود مش هتتخطاها أبدًا.

سكينة شايلة في قلبها ثقل الذنب والوحدة، وعارفة إنها حتى لو فكرت تهرب، هتلاقي نفسها مرمية في نفس الطريق، طريق مرسوم ومكتوب من قبل ما تشوف النور. فهل تتمنى تكون مكانها !!!