إستيقظ صباحا على غير عادته، إرتدى ملابسه و نزل و ركب الأتوبيس، لا يدري إلى أين سيذهب و لكنه يريد أن يكون وسط الناس. لا يتكلم مع أحد و لا ينظر إليه أحد. كل مشغول في حياته و في طريقه
ركب الأتوبيس الذي يمر من تحت بيتها، إنه في الخمسين من عمره و أثناء نومه حلم بها و كأنها تستغيث به، فقرر الذهاب للمرور عليها ليراها. إزدحم الأتوبيس بشدة و إمتلئت الشوارع و تأخر الوقت في الإنتظار، فقرر أن ينزل و يكمل طريقة مشيا على قدميه
وصل لبيتها أو لبيت والدها و طلع السلالم و وقف أمام الباب مترددا و يخشى أن يطرقه، و لكنه إستجمع قواه و طرقه برفق و حياء. طرقه مره و إنثين و في الثالثة طرق بقوة أكثر ففتح الباب بدون قصد
توتر جدا و أصابع الفزع كأنه لص أو شخص طبعه الإقتحام. فكر في التراجع و لكن قلبه مربوط بصورتها و عقله بعيونها و أذنه بصوتها. هنا رآها منذ ثلاثون عاما و لكن أباها كان قاسيا عليه
دخل البيت فوجده خاليا، ليس به أحد. أخبره أحد الجيران أن الرجل الكبير قد مات و إنتقلت العائلة إلى مكان جديد. دخل الحزن عليه و ظهر في عيونه و أحس به الجار، فقال له إنهم لا يبعدون عن هنا كثيرا فهم في الشارع الخلفي
ظهرت إبتسامه على وجهه ثم أغلق الباب و نزل مسرعا و قلبه يدق، أحلام حبيبتي، سأراك أخيرا و قد مضى علينا زمنا بعيدا على أخر لقائنا
مشى في الشارع مسرعا بل طائرا، وصل لبيتهم الجديد و رفع رأسه لينظر إليه و يتأمله. قال في نفسه، هل سأراها، هل ستتذكرني. إستجمع قوته و ضغط على أسنانه و دخل البيت. إستوقفه البواب و سأله من أنت، فقال أنه صديق و أريد أن أعزي أهل البيت في فقيدهم
نظر إليه البواب في عجب و قال أتعزي الناس في السابعة صباحا. نظر الرجل لساعته بدهشة و إستعجب و قال، نعم إنها السابعة صباحا، حسنا سأنتظر حتى يستيقذوا و أعزيهم
جلس الرجل في الشارع أمام البيت يحملق فيه و لا ينزل عينه من عليه، إنه منتظر، منتظر بشدة، متلهف، يكلم نفسه و يتمنى أن تفتح نافذتها و تطل منها بشعرها الأصفر الناعم و وجهها الأبيض الجميل
و يا لجمال يومه، فعلا فتحت النافذه سيدة شعرها أصفر و وجهها أبيض و لكن كإن شكلها تغير و ملامحها تبدلت و يظهر عليها التعب و الإرهاق، فلبس نظارته ليراها بوضوح و يرى ملامحها. ثم تقابلت عيونه بعيونها، فنظرت له لثانيتين و إبتسمت و لوحت له بيدها
لم يفهم الرجل المعنى فهل تقصد أن تقول إذهب من هنا لا أريد أن أراك، أم تقصد تعالى و إصعد لتكون معي. جلس الرجل يفكر ماذا سيفعل، هل يذهب أم يصعد. فقد رآها و رأى أنها بخير و إطمئن قلبه، و لكنه رأى أن ملامحها تغيرت و أنها تشعر بالتعب فقرر في نفسه أن يصعد و يسلم عليها
مشى الرجل بهدوء حتى لا يوقظ البواب، و صعد السلم لبيتها، فوجد باب البيت مفتوحا و هي تطل منه و تنتظره. نظر لها و تخيل أنها تلبس الأبيض و شعرها يرفف فوقها و تمد يدها لتمسك بيده و تدخله للبيت، ثم تراجع عندما رأى في يدها سكينا كبيرا خلف ظهرها فتوجس بالخوف و رأها تبكي و قالت له، لماذا تركتني، لماذا لم تتمسك بي، لماذا لم تواجه أبي، ثلاثين سنة حتى أراك
لم تترك له فرصة للرد، و أنطلقت عليه رافعة السكين في وجهه. فزع الرجل و لف ظهره ليهرب فإنزلقت رجله على السلم فسقط كأنه حجر عملاق. و إرتطم رأسه بالسلم و نتيجة الصدمة إستيقظ من نومه مفزوعا فقال أعوذ بالله لقد كان حلما عجيبا. فتح عيونه و أيقن أنه نائما على سريره فهدأت أنفاسه و نظر بجانبه فوجد حبيبته تقف بجانبه و ترفع السكين و تهوي بها عليه ففزع بشدة و صرخ ثم أفاق بعد أن سقط من سريره
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق