في إحدى الأماكن البعيدة، في وسط الصحراء، يعيش عدد من الأطفال اليتامى داخل ملجأ. إنه في الحقيقة ليس ملجأ واحدا و لكنه عبارة عن مدينة بها عدة مباني و كل مبنى يضم عددا كبيرا من الأطفال. أطفال من كل مكان، تقريبا بنفس الأعمار، من عمر عام إلى عشرة أعوام. من يأتي لهذا الملجأ بعمر أصغر يختفي و من يصل للعمر الأخير يخرج من الملجأ و أيضا يختفي. و كان القول الملقى في أذان الأطفال أن من يخرج يقوم بدوره كما تربى عليه
يتربى الأطفال منذ نعومة أظافرهم على تقديم المساعده في كل المجالات. فيتعلموا الزراعه، و الصناعه، و النجارة، و الحدادة، و السباكه، و الطبخ، و الخياطه. من يراهم من الخارج يجد أنهم في مكان نموذجي لتربيتهم و تنشئتهم ليصبحوا أصحاب أعمال في المستقبل، و يعتمدوا على أنفسهم
و كان يزور هذا الملجأ الكثير من الناس المعجبين بظام المكان و ترتيبة و ديكوره، و يتركوا الكثير و الكتير جدا من الأموال لدعم هذه المنشأة و دعم رؤيتها و طريقتها، فهو يضم ألاف الأطفال المرتبين و النظاميين و المهتمين بأنفسهم و بمكانهم. إنه المكان المثالي لتضع فيه إبنك أو بنتك ليتربوا و يتعلموا. و لكنه فقط ملجأ، يلجأ إليه الأطفال الملقين في الشارع أو المستغنى عنهم أو من فقدوا والديهم ولا تريدهم أسرهم فلن يُقبل أبدا أي طفل قد يسأل عنه أحد من أقاربه
و في إحدى الليالي، دوت في الأرجاء صرخه عاليه، عاليه لدرجة أن جميع الأطفال و المشرفين إستيقذوا من نومهم بفزع. الصرخة أتت من مبنى د ، إنه المبنى الذي يضم الأطفال من فئة س.ف. لا يعرف أحد معنى هذه الأحرف إلا ثلاثة فقط في الملجأ كله و لا يجرؤ أحد على السؤال، فمن يسأل ينتهي عمله و يرحل بغير عوده
مبنى د عبارة عن ستة طوابق، ليس به نوافذ و لا أي فتحات، و لكنها مجرد أشكال ديكورية لخداع الناظرين. في كل طابق عشرة غرف، و في كل غرفه ينام طفلين فقط، واحد تعدي سن السبع سنين و الآخر أصغر من أربع سنين. المبنى د له نظامه الخاص، فلا يدخله أحد و لا يخرج منه أحد إلا بموافقة شخصية من المدير، إنه النظام القائم في هذا المبنى، لا أحد يعرف لماذا و لا يجرؤ أحد على السؤال و لكن المعروف أن المختارين فقط من يعملوا في هذا المبنى
تجمع المشرفين أمام باب المبنى بعد الصرخه و لكنهم لم يدخلوه خوفا من بطش مديرهم، وانتظروا أن يأتى أحد من المسؤلين الكبار، و لكنهم لم يأتوا و بعد مرور أكثر من نصف ساعه حاول واحد من المشرفين أن يفتح باب المبنى لعله يسمع أو يرى و لكنه وجد أن الباب مجرد ديكور آخر فلا يوجد باب حقيقي للمبنى
أصبح القلق ظاهر على وجوههم و أصبحت الحيرة تملئ صدورهم و الخوف يدق قلوبهم و رجعوا لغرفهم يتمتموا بأقوال غريبه، كيف لا توجد أبواب و كيف يخرج و يدخل الأطفال و لكن لم ينطق منهم أحد بشئ و لا حتى لشريك غرفته
و في الصباح خرج أطفال س.ف إلى أماكن التعليم و العمل و لكنهم كأنهم لا يرون و لا يسمعون، كأنهم روبوتات تعمل و تأكل و لكن أحد المشرفين كان لهم رقيب و كان يتابعهم بحذر شديد و يلاحظ مسارهم و أكلهم و كلامهم. و بعد إنتهاء اليوم سار وراء أحدهم ليرى كيف سيدخل للمبنى
وقف الطفل أمام حائط من المبنى و إستمر ساكنا لا يتحرك و لا ينظر في أي إتجاه لمده ليست طويلة و المشرف يتابعه بحذر و فتحت الحائط من الداخل و خرجت يد إخطبوطية و لفت الطفل و أدخلته إلى المبنى، تسمر المشرف مكانه كأنه لا يصدق ما يراه، هل في ملجأنا هذا الحيوان الرهيب و ماذا يفعل داخل المبنى و هل يعذب الأطفال و كيف يعرف المدير و يسكت
تسلل الرجل بخوف ليقف أمام الحائط و يضع أذنه عليها ليحاول أن يسمع أو يلتقط أي إشارة لما يحدث خلفها و لكنه لم يسمع أي شئ و لما بادر بالرجوع فتحت الحائط و خرجت اليد الإخطبوطية و لفت حوله حتى كاد أن يختنق ثم سحبته
شعر الرجل بأن عظامه تتهشم من شدة العصر و حاول أن يركز بصره على شئ و لكن سرعه السحب كانت شديدة فلم يستطع أن يرى و لا أن يسمع سوى أنه رأى ممرا طويلا أبيض بارد بشدة و به فتحات صغيره في أسفل الحوائط لا تنفع حتى للأطفال أن يمروا من خلالها، و تحول الممر فجأة إلى الظلام و شم رائحه سيئة ثم نام
إستيقظ الرجل بعد فترة فوجد نفسه على سرير المستشفى الخاص بالملجأ و يديه و أرجله مربوطين في السرير و قالت له الممرضه، أخيرا إستيقظت لقد وجدك أصدقائك على الطريق و جسمك يهتز بشدة فحملوك للمستشفى و للسيطره على حركتك السريعه إضطررنا لربطك. أنت الآن مستيقظ أخيرا، سأنبه الطبيب ليأتي للكشف عليك
رأى الرجل من باب غرفته المفتوح عددا كبيرا من رجال الأمن يحيطون بالطبيب و كان واقفا مع رجل يشبه المدير كثيرا و لكنهم لا يتكلمون بأفواهم، ولكن تتلامس أيدي إخطبوطية صغيره تخرج من تحت أفواههم، صعق الرجل من هذا المنظر و هاج و أصبح يتحرك بسرعة و قوة فكسرت يديه و أرجله، فنظر لهم بذهول كادت أن تخرج عيونه من مكانهم، كسرت يدي و لم أشعر بهم و كسرت أرجلي و مازلت أشعر بأني أحركهم. ثم دخلت عليه الممرضه بسرعه و حقنته بماده أدخلته في ثبات عميق
إستيقظ الرجل للمره الثانيه فوجد نفسه في غرفه بها كرسي و سرير و لكنهم بالمقلوب، نظر لهم و كأنه لا يفهم ما يراه، إنهم بالمقلوب، و لكنه نظر حوله فوجد أنه هو من يقف بالقلوب في غرفته. نظر لقدميه فوجد أرجل إخطبوطية تلتصق بسقف الغرفه و رأسه للأسفل. دب الفزع في قلب الرجل و أرخى أرجله فسقط على الأرض ثم نظر لنفسه فوجد جسمه تحول لإخطابوط بأيدي و أرجل كثيره، فهاج و أخذ يكسر السرير و الكرسي و يخبط على الخائط بشده ليحاول كسرها و لكنه لم يستطع أن يقاوم أكثر بعد حقنه بمخدر، فغاب عن وعيه
إستيقظ الرجل من غيبوبته و فتح عينه و حاول تحريك جسده الإخطابوطي و لكنه فشل ثم سمع صوتا غريبا عليه و لكنه فهمه و أدرك معناه، نظر الرجل لصاحب الصوت فوجد أنه أمام أفعى ضخمه ففزع و حاول التحرك للهرب فوجد نفسه يزحف هاربا و يلف جسده ليتحرك فنظر لنفسه فوجده تحول لأفعى، كاد قلب الرجل أن يتوقف من الذهول ثم وجد فأرا صغيرا فنظر إليه و إشتم رائحته فشعر بجوع غريب و أراد أن يأكله فزحف ناحيته و فتح فمه و لكنه أحس بقرف و لم يستطع أن يصدق أنه سيأكل فأرا فتركه لتأكله الأفعى الأخرى و قالت له مرحبا بك يا صديقي في عالم الأفاعي. أنت جديد معي
فنظر إليها مستغربا من قولها وقال أي عالم تقصدين و أنا لست صديقك، أنا إنسان و لست أفعي و قد كنت من قبل إخطابوطا، فلفت الأفعي نفسها و قالت، ألم تعرفني، أعرف أن صوتي قد تغير، و لكنك ستدرك أنك لست إنسانا و أنك أفعى بعدما تأكل. يجب أن تأكل حتى تستريح
نظر لها الرجل و قال، أنا لا أفهم من أنت، و كيف أنا صديقك. قالت له لقد كنت أعمل معك في الإشراف، و كنت صديقك في نفس الغرفه. أحس الرجل بأن روحه قد قبضت و أن حياته قد إنتهت، وقال هل أنت ....، فأومئت الأفعى بنعم، لم يسمحوا لي بالخروج، و أوهمومكم بأنني رحلت و لكنهم قبضوا على و سحبوني لمبنى د و وضعوني في مكان غريب و حقننوني بأشياء غريبه و مؤلمه. سمعت أحدهم يقول أنهم يحاولوا إخراج أفكاري و لكنهم في كل مره يفشلوا، حتى نجح طبيب منهم بإخراج جزء من عقلي و زرعه في قرد
فنظر إليه الرجل بكل عيونه و قال و ماذا حدث. فردت الأفعى و قالت لما أفاق القرد من تخديره و جدتني كأني بداخله و كأني أفكر كإنسان و جسدي يقاوم تفكيري فأنا في جسد قرد، فهجت و صرخت صرخه عاليه جدا و جعلت أكسر المكان و ضربت الأطباء حتى إني أعتقد أني قتلت واحدا منهم و لكنهم إستطاعوا حقني بمخدر فنمت و إستيقظت لأجدني في جسد ثعبان
بكى الرجل لحاله و لحال صديقه و تذكر أنه الآن أفعى مثله و لو هاج و ماج لنقلوه في حيوان آخر بلا أي شفقه و لا رحمه. و لما رأى فأرا آخر نظر لصديقه و إلتهمه